لم يكن صباح الخميس مشهدًا عاديًا في مطار عدن الدولي، فقد تجمّعت العائلات، امتزجت دموع الأمهات بابتسامات الفخر، وتردّد صدى التصفيق والوداع في الأروقة، فيما اصطف مائة طالب وطالبة من أوائل الثانوية العامة من مختلف محافظات الجنوب، يستعدون للإقلاع نحو العاصمة الإماراتية أبوظبي، حاملين معهم حقائب صغيرة ولكن بداخلها أحلام كبيرة.
الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، كان حاضرًا في المشهد بنفسه، مودعًا أبناءه الطلاب، وموجّهًا إليهم رسائل تحمل أكثر من معنى: أن الوطن ينتظر عودتهم محملين بالعلم، وأن الاستثمار الحقيقي يبدأ من بناء الإنسان.
الزُبيدي: كونوا سفراء الجنوب وعودوا محملين بالعلم
في كلمة وداعية أمام الطلاب وأسرهم، شدّد الرئيس الزُبيدي على أن التعليم هو السلاح الأقوى لبناء الأوطان، داعياً المبتعثين إلى الجد والاجتهاد ليكونوا خير سفراء لوطنهم الجنوب.
وقال: "نراهن عليكم أن تعودوا محملين بالعلم والمعرفة، لتسهموا في مسيرة البناء والتنمية، وتكونوا قدوة لأجيال قادمة تؤمن أن المستقبل يصنع بالعلم والعمل."
كما تقدّم الرئيس القائد بالشكر العميق لدولة الإمارات العربية المتحدة، بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، على دعمها السخي والمتواصل، مؤكداً أن الاستثمار في الإنسان هو الركيزة الأهم لأي مشروع وطني.
هذه الكلمات لم تكن خطابًا بروتوكوليًا، بل رسالة سياسية–استراتيجية، تعكس أن رهان المرحلة القادمة لم يعد محصورًا في المعارك العسكرية أو التوازنات السياسية، بل في التعليم كمعركة وُجودية لا تقل أهمية عن أي معركة أخرى.
الإمارات والجنوب.. شراكة إنسانية واستثمار في المستقبل
قدّمت الإمارات هذه المنحة النوعية لطلاب أوائل الجنوب في عدد من التخصصات العلمية الحيوية، بينها الطب والهندسة وتقنية المعلومات والطاقة، إدراكاً منها لأهمية التعليم في خلق فرص جديدة، ولإعداد جيل قادر على مواكبة التحديات المستقبلية.
وأشاد الزُبيدي بالدعم الإماراتي، الذي لم يتوقف عند حدود الأمن والإغاثة، بل وصل إلى قلب التعليم، فمؤسسات الدولة الإماراتية وعلى رأسها قيادة أبوظبي، وضعت برامج للمنح التعليمية كاستثمار طويل المدى، يعكس إيمانها بأن بناء الإنسان هو الطريق الأسرع لترسيخ الاستقرار والتنمية.
وبحسب العين الثالثة، فإن هذه المنحة تمثل خطوة استراتيجية نحو تعزيز الشراكة التعليمية بين الجنوب والإمارات، وتفتح أمام الطلاب أبواب جامعات حديثة في تخصصات علمية يحتاجها الوطن بشدة مثل الطب، الهندسة، والطاقة.
ويرى مراقبون تحدثت إليهم العين الثالثة أن هذه الخطوة تعكس جانباً من استراتيجية الإمارات في الاستثمار بالكوادر البشرية، باعتبارها القوة الناعمة التي تعزز الاستقرار وتبني جسور التعاون بين الشعوب.
مشاعر متباينة.. فرح بالفرصة وحزن لفراق الأهل
حملت لحظات الوداع في مطار عدن مشاعر متناقضة بين الفرح والدموع. فبينما كان الطلاب يلوّحون لعائلاتهم بآمال كبيرة، كانت العيون تفيض بحزن الفراق.
الطالبة
نهلة بن حسينون، من أبناء حضرموت
، عبّرت عن شعور مختلط: "زعلانة أني بفارق أهلي وأحبابي هنا في عدن، لكن فرحانة أني ببدأ أحقق حلمي وأسعى لأفيد بلادي بعد رجوعي. أشكر الرئيس عيدروس الزُبيدي ودولة الإمارات على هذه الفرصة التي لا تُعوّض."
أحلام هندسية وطبية تلامس سماء الوطن
من
ثانوية عدن النموذجية
، قالت
الطالبة روان وائل
: "منذ الصغر وأنا أحلم بدراسة الهندسة المعمارية، واليوم يتحقق هذا الحلم بفضل الدعم الجنوبي والإماراتي. إن شاء الله أكون فخراً لبلدي وأهلي."
أما
الطالبة وفاء أحمد من ثانوية أبان النموذجية
فأكدت:
"هذه المنحة أمانة في أعناقنا، ونعاهد الرئيس عيدروس الزُبيدي أن نكون فخراً له ولوطننا، وسنعود بما يفيد الجنوب في مسيرته التعليمية والتنموية."
فيما تحدّث
الطالب عمران رائد من عدن
عن دافع شخصي عميق وراء حلمه الطبي: "طموحي أن أصبح طبيباً لأخفف عن الآخرين ألم الفقد، مضيفا عانيت مرارة فقد والدي، وأتمنى أن أكون سبباً في شفاء الناس وإعطائهم الأمل."
وقالت
الطالبة روان عبدالعزيز من عدن
: "هذه المنحة بداية تحقيق أحلامنا، و أطمح لدراسة الهندسة الكهربائية والمساهمة في تطوير قطاع الطاقة ببلادنا. شكراً للرئيس الزُبيدي ولدولة الإمارات على هذه الفرصة الذهبية."
المهرة، حضرموت، شبوة.. الامتنان يعانق الأمل
من
محافظة المهرة
، تحدّث
الطالب أحمد سعدان
قائلاً: "فخرٌ أن أكون من أوائل المبتعثين، وسأحرص على أن أكون سفيراً للمهرة والجنوب في الخارج، وأن أعود بما يخدم وطني."
أما الطالبة
ياسمين حسن صالح العمودي من حضرموت
فقالت: "اليوم أشعر أن الأبواب تُفتح أمامي. هذه المنحة لم تكن لتتحقق لولا دعم الرئيس الزُبيدي ووقوف الإمارات إلى جانبنا. سنعود محملين بالعلم لنصنع الفرق."
وأضافت
سمية صلاح سعيد طويهر من حضرموت
:
"هذه الفرصة تمثل لنا بداية طريق جديد. نشكر الرئيس الزُبيدي على اهتمامه بالشباب، ونشكر الإمارات على تبنيها لنا."
وتحدثت
الطالبة شهد عبدالناصر بازرعه من حضرموت
بقولها: "أغادر وطني على أمل العودة بخبرات ومعارف تفيد الجنوب. أشكر القائد عيدروس الزُبيدي ودولة الإمارات على هذه المنحة الكريمة."
ومن
المهرة
، أكد الطالب
عيسى محمد عيسى
من جامعة اليرموك: "هذه فرصة تاريخية لأبناء الجنوب. نشكر الرئيس الزُبيدي على رعايته، والإمارات على احتضانها لنا. سنكون أوفياء لهذه الثقة."
ومن
شبوة
قال الطالب
هاشم خالد محمد
: "أطمح لدراسة الإدارة الحديثة وبناء خبرات تعزز من مكانة شبوة والجنوب."
أبين، لحج، الضالع، سقطرى.. آمال وطموحات
ومن
أبين
اكد الطالب
صالح عبده محمد
: "هذه فرصة تاريخية لأبناء الجنوب، وسأستثمرها بكل طاقتي لأعود بما يفيد محافظتي وبلدي."
وأضاف من
محافظة سقطرى
الطالب
أحمد فيصل محمد
: "حلمي أن أكون صوت سقطرى العلمي في الخارج، وأن أسهم في تنميتها بعد عودتي."
واكدت الطالبة
هنادي علي من محافظة الضالع
: "شعوري لا يوصف، اليوم نغادر بأحلامنا الكبيرة، وسنعود لنخدم وطننا بكل إخلاص."
وتحدث الطالب منصر منصور من لحج: "أعتبر نفسي محظوظاً بهذه الفرصة، وأعاهد الرئيس الزُبيدي والإمارات أن أكون على قدر المسؤولية."
الأهالي: وداع بطعم الأمل
الأهالي الذين تجمّعوا في مطار عدن لم يخفوا مشاعرهم المتناقضة.. أحد الآباء قال لـ العين الثالثة: "اليوم أشعر أني أرسل ابنتي لتكون رسولًا للعلم.. صحيح أن فراقها صعب، لكن الفخر يغلب على الحزن."
هذه اللحظة كشفت عن عمق الرهان الشعبي على هذه البعثة التعليمية، باعتبارها أكثر من مجرد فرصة فردية؛ إنها بداية لنهضة مجتمعية كاملة.
طائرة تحمل وطنًا كاملًا
حين ارتفعت الطائرة من مطار عدن، لم تحمل فقط 100 طالب من طلاب الجنوب، بل حملت معها رسالة أوسع: أن الجنوب قادر على النهوض حين يضع التعليم في صدارة أولوياته.
وترى العين الثالثة في هذه البعثة أكثر من مجرد خبر عابر؛ إنها بداية قصة طويلة عنوانها: "جنوب جديد يولد من قاعات الدرس، لا من ركام الحروب."
ترصد العين الثالثة في هذا التقرير حجم التفاؤل الذي يحمله أوائل طلاب الجنوب في حقائب سفرهم، ليس فقط بدخول قاعات الجامعات الإماراتية، بل أيضاً بحملهم مشروع أمل لوطن يراهن عليهم في صنع التغيير.
فبين دموع الأمهات وأحلام الأبناء، تبرز حقيقة أن المستقبل يُبنى بالعلم، وأن هذه المنحة الإماراتية – الجنوبية المشتركة تمثل خطوة رائدة في طريق طويل لبناء الإنسان الجنوبي القادر على قيادة مسيرة النهوض.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news