بتحفيز من الجمعية الفلسفية الليبية
قبل أيام، دعاني الدكتور خالد الزغيبي، رئيس الجمعية الفلسفية الليبية، إلى ندوة حوارية عن (العلاقة بين العلم والفلسفة)، إذ وصلتني بالنص الآتي: “دعوة لحضور حوارية فلسفية عبر Google Meet (حواريّة المنتصف) “العلاقة بين الفلسفة والنتاج العلمي”
يسرّ الجمعية الفلسفية الليبية دعوتكم لحضور جلسة حوارية مميزة تسلط الضوء على “العلاقة بين الفلسفة والإنتاج العلمي”.
المحاور:
■ المحور الأول: تاريخ العلاقة بين العلم والفلسفة
كيف تطورت العلاقة بين العلم والفلسفة عبر العصور؟
هل كانت علاقة تعاون أم صراع؟
■ المحور الثاني: الفلسفة والعلم… سؤال وجواب
من يطرح الأسئلة ومن يقدم الإجابات؟
هل يمكن للعلم أن يجيب عن كل الأسئلة الفلسفية؟
■ المحور الثالث: أيهما يؤسس للآخر؟
هل الفلسفة هي التي تضع الأسس المنهجية للعلم؟
أم أن العلم يوسع آفاق الفلسفة ويطرح عليها أسئلة جديدة؟
■ المحور الرابع: مكانة كل منهما في الآخر
ما هو دور الفلسفة في البحث العلمي؟
كيف يؤثر التقدم العلمي في الفكر الفلسفي؟
وذلك بتاريخ ١٧ أغسطس ٢٠٢٥م.
ندوة مهمة في مجال فلسفة العلوم (الأبستمولوجيا) حفزتني لإعادة التفكير والتأمل في موضع العلم وتاريخه وفلسفته، وهو موضوع طالما شغلني منذ زمن طويل. وأتذكر أنني كتبت في معنى أم العلوم وأبوها أي الفلسفة والتاريخ. فكيف يمكننا فهم العلاقة بين العلم والفلسفة؟
من المهم النظر إلى العلم والإنسان في مرحلتين: المرحلة الأولى تتعين بالنظر إلى العلم بوصفه ممارسة حياتية فطرية غريزة قانونها (مقاومة الفناء والحفاظ على البقاء). إذ لم يكن للإنسان بوصفه كائنًا حيًا أن يتمكن من العيش في كوكب الأرض بدون العلم والتفكير العلمي. وأول قانون علمي أدركه الإنسان هو قانون مقاومة الفناء والحفاظ على البقاء، وأول المدنية كهف أو مغارة أو موطئ قدم يحتله الإنسان ويجد فيه أسباب العافية والأمن والأمان، فيدافع عنه وطناً في العراء قبل اللجوء إلى الكهوف والمغارات، وأول الثقافة خيال وتصور وتعبير وتفكير وبحث عن الأشياء التي تؤمن حياة الإنسان وتجنبه المهالك.
فحينما واجه الإنسان معضلة مرور النهر فكر باستخدام ألواح الخشب وصنع الغارب، وحينما واجه الإنسان تحدي البرد والمطر فكر بالبحث عن ما يحمي بدنه من البرد والمطر والشمس والريح فصنع ملابسه من الجلد والصوف، وحينما واجه الإنسان تحدي العيش في العراء فكر ببناء منزل يحميه من غوائل الوحوش والضواري، وحينما واجه الإنسان تحدي الجوع والعطش فكر باستصلاح الأرض وزراعتها وحفر الآبار وحمايتها. وحينما واجه الإنسان تحدي المسافات فكر بترويض الحيوانات واستخدامها في المواصلات، وحينما واجه الإنسان تحدي البحار فكر بصناعة السفن الشراعية، وحينما واجه الإنسان تحدي المرض فكر بالبحث عن الدواء، وهكذا كان العلم هو الحليف الأول للإنسان على هذا الكوكب وما زال.
ومن المعروف أن أي فعل أو سلوك إذا ما تكرر يصير عادة، وإذا ما ترسخت العادة صارت ثقافة! وبهذا المعنى الثقافة هي ما يبقى بعد نسيان كل شيء! فمن الكائن العاقل، لا من غيره، انطلقت مسيرة الفكر البشري منذ أقدم العصور، وقد كان جسد الكائن وعقله وحواسه وحدسه هي أدواته المتاحة للتعرف على عالمه وفهمه وتدبير العيش فيه وما زال كذلك إلى يوم الدين.
والحقائق كلها يمكن ردها إلى تعارض واتحاد العاملين الأساسيين في الكون، الذكورة والأنوثة، أي اليانج والين. كان من شأن هذا الاعتقاد الأسطوري أن يعمق الهوة بين الرجل والمرأة ويمنح الرجل الذكر مكانه أرفع من مكانة المرأة الأنثى. وحينما اعتقد أهل اليونان أن العقل يحكم الكون، وأن الرجل هو الكائن العاقل الوحيد، وأن المرأة كائن حسي غير عاقل، برروا النظرة الدونية للمرأة. وحينما اعتقد العرب قبل الإسلام بأن الأنثى كائن يجلب العار ويضعف الرجال، شرعوا عادة وأد البنات… وحينما يعتقد بأن جسد المرأة وصوتها ووجهها من العورات فلابد أن تختفي عن الأنظار وتحتجب عن الغرباء من الرجال.
ورغم أننا نعلم أن قصة استبعاد المرأة وتهميشها وقمعها وإقصائها وتحقيرها وسحقها وقهرها وإخفائها من عالم الإنسان “الرجل” يعود إلى جملة من الأسباب والشروط التاريخية والاجتماعية في الأزمنة البدائية جداً، إلا أن استمرار هذه الحالة المؤسفة حتى العصر الحديث يثير الحيرة والعجب. وهذا يعود في نظرنا إلى خطورة الاعتقادات والتصورات والآراء والأوهام والعادات التي تترسخ في حياة الناس ويتوارثونها جيل بعد جيل كأنماط ونماذج للسلوك، أو “الهابيتوسات” حسب عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو.
يقول عالم النفس التربوي الأمريكي “أرثر كوفر” في كتابه “خرافات في التربية”:
“يسلك الناس وفقاً لما يعتقدون. فإذا اعتقدت أن شخصاً أمين فسوف أثق به، وإذا اعتقدت أنه غير أمين فلن أثق به. إننا نسلك وفقاً لما نعتقد. وحينما تكون معتقداتنا صحيحة وصادقة، نستطيع أن نحدث قدراً كبيراً من التقدم. أما إذا كانت معتقداتنا خاطئة فإنها تعوق هذا التقدم وتحبط آمالنا، وتعرض الحياة الإنسانية ذاتها إلى الخطر.”
ولقد ذهب كل جيل ضحية لمعتقداته ولخرافاته وأوهامه وأساطيره. وربما كانت مغامرة العقل الإنساني الكبرى تكمن في محاولة نزع السحر عن العالم. ماذا لو لم يخترع الإنسان الأدوات التقنية التي ساعدته على مواجهة تحديات الحياة الطبيعية؟ من المؤكد أنه كان سيظل كائنًا طبيعيًا مثله مثل الكائنات الحية الأخرى.
أهم ميزة للإنسان تكمن في قدرته على الاكتشاف والابتكار. فالبرد القارس دفعه إلى التفكير في البحث عن الدفء فاكتشف النار، والحر الشديد دفعه للتفكير والبحث عن ظل يقيه الشمس والمطر فاكتشف الأشجار والأحجار والكهوف والمغارات، وفي سبيل قطع النهر وصيد السمك اكتشف الخشب وصنع الزوارق والسفن، ومن أجل مواجهة الوحوش والضواري ومنافستها في الحصول على قوته في الغابات والبراري اخترع القوس والنشاب والسهم والرمح.
وفي سبيل استصلاح الأرض وزراعتها ابتكر الفأس والمنجل وأدوات الحرث والري والزراعة. وهكذا كان الحال مع مشكلات الحياة الأخرى وسبل حلها وتجاوزها، وعلى مدى ملايين السنين من الخبرات والتجارب في علاقة الإنسان بالأشياء، صارت التكنولوجيا أهم عوامل التغيير والتقدم والتطور.
“ما دام الإنسان بدون سلاح في مواجهة الحيوانات المفترسة، كان عليه أن يكون مساويًا لها في قوة الأسنان والأظافر، وفي قوة القبضة والذراع، وفي السرعة التي تشبه سرعة القردة. فالقوة والبراعة اللتان كان بإمكانه أن يطرح ثورًا على الأرض بقبضته، ويكسر الحديد بيديه، ويوازن الأحمال الثقيلة بأسنانه، ويتأرجح على الأرجوحة ويرقص عبر الهاوية، كل ذلك مجتمعًا في رجل واحد، يعطي فكرة عن المعدات البدنية التي مكنت إنسان ما قبل التاريخ من القتال حتى الموت بالمعنى الحقيقي للكلمة ضد الطبيعة.”
ولسنا بحاجة إلى التأكيد أن التكنولوجيا هي التي غيرت العالم الإنساني وأعادت تشكيل ملامحه إلى الحد الذي بات يصعب التعرف على بداياته. إذ شهد القرن الماضي النقلة الحاسمة في الثورة التكنولوجية التجريبية المرتبطة بالتقاليد الاختبارية الاستقرائية، وهي النقلة التي فتحت آفاقًا جديدة للعلم بحيث لم تتحقق أبداً منذ آدم وحواء تغييرات جذرية بهذه السعة في وقت قصير.
هذا الحضور الطاغ للعلم وتأثيراته المضطردة في الحضارة المعاصرة هو الذي جعله ينبسط موضوعًا كليًا لعدد واسع من أنساق المعرفة: الأبستيمولوجيا، فلسفة العلم، تاريخ العلم، سوسيولوجيا العلم، الأنثروبولوجيا الثقافية، النقد الثقافي، الدراسات الثقافية، علم نفس العلم، العلم المقارن، العلم والميثودولوجيا، أدب الخيال العلمي، فلسفة اللغة والهرمنوطيقا، السيبرنتيك، أخلاقيات العلم.. إلخ.
هكذا استقطب العلم اهتمام الفلاسفة والمفكرين، وأثار دهشتهم، ودفعهم إلى إعادة التأمل والتفكير في سؤاله ومشكلاته الحيوية المثيرة للحيرة والقلق: ما العلم؟ ما تاريخ العلم؟ وما منهجه؟ ما منطقه؟ وكيف يمكن فهم وتفسير بنيته وديناميته وصيرورته؟ وما علاقة العلوم الإنسانية بالعلوم الطبيعية وما الفرق بينها.. الخ.
من سلسلة الأسئلة المتناسلة التي أخذ يضعها فلاسفة القرن الحادي والعشرين محاولين استنطاق الظاهرة وفض بنياتها المتخفية وسبر أغوارها العميقة. وقد لاحظت أنه يصعب فهم العلاقة بين العلم وفلسفة العلم بدون فهم تاريخ العلم وتحولاته. ولم يحظ تاريخ العلم باهتمام أحد قبل القرن العشرين عدا الإنجليزي (وليم كنجدون كليفورد) Clifford 1845 – 1879م، أول من تنبه إلى أهمية دراسة تاريخ العلم، مشيراً إلى “خطورة الاقتصار على تدريس العلوم الحديثة والمعاصرة، مع الجهل بماضي العلم وتاريخه”، ورأى أن دراسة تاريخ العلم من شأنها ردم الهوة التي تعمقت بين الدراسات العلمية والدراسات الاجتماعية والأدبية، ولكن لم يتم الالتفات إلى هذه الصرخة القلقة إلا في منتصف القرن العشرين على يد الإنجليزي (لورد سنو Snow) في محاضرته الشهيرة (ثقافتان) في جامعة كامبريدج عام 1959م، وهي الجامعة ذاتها التي عمل بها (كليفورد). وأعاد (سنو) التنبيه على مخاطر تلك الشقة المتزايدة الاتساع بين العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية، أي بين العلم والثقافة، إذ أصبحا فريقين متقابلين، لكل خصائصه ومنطلقاته، وكلٌ يجهل أو يتجاهل الآخر وعالمه ومنجزاته. مشيراً إلى أن “دراسة تاريخ العلم من شأنها رأب الصدع بين الثقافتين، وضرورة أنسنة الظاهرة العلمية أي الوعي بها كظاهرة إنسانية تاريخية من صنع الإنسان وتاريخه.”
ثم واصل زملاؤه من أعضاء الجمعية، أمثال (بول تانري)، تأسيس أقسام متخصصة في تاريخ العلم بالجامعات الأمريكية منذ عام 1950م، وانتشرت هذه الأقسام الجامعية المتخصصة في جامعات العالم المختلفة عدا البلاد العربية. وفي سياق ذلك تزايدت الكتابات في تاريخ العلم، فهذا (ج. ج. كراوثر) يعد أهم مؤرخي العلم في القرن العشرين، كتب (موجز لتاريخ العلم) 1969م، وكتب (جون ديزموند برنال) 1901-1972 (العلم في التاريخ)، وكتب (كارل بيرسون) 1857 – 1936 (أركان العلم)، وهو الذي تأثر به (توماس كون).
وعلى صعيد البحث الأنثروبولوجي اهتم العلماء بالبحث في أصول العلم، كالأنثروبولوجي (برسلو ماكينوفسكي) 1884 – 1942 في كتابه (السحر والعلم والدين). ومن الكتب المهمة كتاب (جوزيف نيدهام) (العلم والحضارة في الصين)، وكتاب (راشكوفسكي) (نظرية العلم والشرق) 1980م، وكتاب (روبرت ميرتون) (العلم والتكنولوجيا والمجتمع في بريطانيا في القرن السابع عشر)، وكتاب (جوزيف بن دافيد) (دور العالم في المجتمع)، وكتاب (ألكسندر كويري) (دراسات عن جاليليو) 1969م، وكتاب (هربرت بارفيل) (أصول العلم الحديث)، وكتاب (أثر لفجوي) (1872-1962) (سلسلة الوجود الكبرى).
كل هذه السلسلة المتراكمة – فضلاً عن كتب أخرى لا يتسع المجال لحصرها – من الكتابات في تاريخ العلم، لا ريب أنها شكلت التراث الغني الذي ورثه (توماس كون) ونسج على منواله، بعد أن أضاف إليه بعداً فلسفياً عميقاً، كما سوف نرى من عرض فلسفة العلم وأثرها في (توماس كون). إذ لم يحدث في تاريخ الأفكار أن اجتمعت العائلة العلمية، نقصد (العلم والتاريخ والفلسفة)، في بيت واحد كما حدث مع (توماس كون). فقد تكرر الحديث إلى حد السأم، أن الفلسفة أم العلوم، والتاريخ أبو العلوم، ورغم أن الأم والأب قد التقيا مرات كثيرة، وكان أول من جمعهما هو فيلسوف التاريخ وعالم الاجتماع الشهير (عبد الرحمن بن خلدون) 1332-1406م في كتاب (المقدمة)، فإن العلم ما إن يشب عن الطوق حتى يتمرد على أبوية الفلسفة والتاريخ، وظل ينظر إليهما نظرة استعلاء يشوبها الازدراء والاحتقار، بخاصةً منذ القرن السابع عشر الميلادي، وهو القرن الذي شهد بداية استقلال العلم عن الفلسفة.
وقد بلغ هذا الموقف العلموي المتطرف عند اتباع الاتجاه الوضعي المنطقي في بداية القرن العشرين أن أعلنوا باسم العلم أن الفلسفة ليست إلا ميتافيزيقا عامة ليس لها موقع في مملكة العلوم الوضعية، وأن التاريخ ليس إلا نوعاً من الأدب (يحمل أي صفة علمية). ولم يمض الكثير من الوقت حتى استشعر العلم والعلماء الحاجة الضرورية للفلسفة والتاريخ معاً، وهذا ما تم في القرن العشرين، الذي يعد من أخصب العصور لازدهار الفلسفة في عدد واسع من التيارات والمذاهب والاتجاهات الفلسفية، ومن أهمها على الإطلاق فلسفة العلم.
ورغم أن أصول فلسفة العلم تعود في نشأتها إلى منتصف القرن التاسع عشر على يد عالم الاجتماع الفرنسي (أوغست كونت) 1798-1857م، الذي أراد تحرير العلم من أوهام الميتافيزيقا، وتأسيس “فيزياء اجتماعية” أي علم اجتماع وضعي يشبه العلوم الطبيعية، فإن ازدهار فلسفة العلم لم يتحقق إلا في القرن العشرين، إذ شهد ظهور عدد كبير من الفلاسفة من أصحاب الوضعية المنطقية، أمثال (لوفيج فنجنشتاين) 1889-1951م في كتابه (رسالة منطقية فلسفية) 1922، وجماعة فينا (مورتيس شليك) 1882-1963م، وآخرين.
وكان الفيلسوف الشهير (كارل ريموند بوبر) 1902-1994م هو أشهرهم وأعمقهم أثراً في فلسفة العلم المعاصرة، وذلك بكتاباته (منطق الكشف العلمي) 1934م، و(المجتمع المفتوح وأعداؤه) 1951، و(الحدوس الافتراضية التفنيدات نمو المعرفة العلمية) 1993، و(بحثاً عن عالم أفضل) 1992م، و(مناهج العلوم الاجتماعية) 1951م، و(بؤس الأيديولوجيا) 1956م، و(الحياة بأسرها حلول لمشاكل) 1994م، وآخر كتبه (أسطورة الإطار) 1994م، إذ يعد (كارل بوبر) نقطة تحول حاسمة في تاريخ فلسفة العلم، فهو أول من سدد ضربات موجعة للوضعية المنطقية وأخمد أثرها، وأحل محلها نظرية (العقلانية النقدية).
أما الفيلسوف الآخر الذي تأثر به (توماس كون) فهو الفرنسي (غاستون باشلار) 1884-1962م، وهو واحد من أهم فلاسفة العلم في القرن العشرين، له كتاب (الفكر العلمي الحديث) 1934م، ويعد من أشد فلاسفة العلم حرصاً على إبراز الطابع الثوري للتقدم العلمي، وهو صاحب القول المأثور (العلم تصحيح أخطاء)، ويعود إليه الفضل في صياغة مفهوم (القطيعة الأبستيمولوجية) الذي استثمره الفيلسوف الفرنسي (ميشل فوكو) 1928–1984م في (حفريات المعرفة) و(الكلمات والأشياء).
والقطيعة الأبستيمولوجية تعني أن التقدم العلمي مبني على أساس قطع الصلة بالماضي، وهو ما لم يتراء للقدامى، ولم يرد لهم بحال بحكم حدودهم المعرفية الأسبق والأضيق والأقصر. والتقدم العلمي ثوري وليس تراكمي.
يقول باشلار: “العلم لا يخرج من الجهل كما يخرج النور من الظلام، لأن الجهل ليس له بنية، بل يخرج من التصحيحات المستمرة للبناء المعرفي السابق، حتى أن بنية العلم هي إدراك أخطائه، والحقيقة العلمية هي تصحيح تاريخي لخطأ طويل”.
والتقدم العلمي ثوري لأن كل نظرية علمية جديدة ثورة قامت على أكتاف تكذيب سابقتها وإتمام دورتها، كما يرى (بوبر)، لتبدأ دورة جديدة قابلة هي الأخرى للتكذيب لنشهد الثورة التالية.
وفي ضوء هذين التيارين، تيار (تاريخ العلم) وتيار (فلسفة العلم) اللذين ورثهما عالم الفيزياء النظرية (توماس كون)، يمكننا رؤية كيف اجتمع شمل العائلة العلمية أخيراً بعد انفصالات متقطعة، مع كون سوف تجتمع أم العلوم مع أبي العلوم، ومع أحب الأبناء العلم الطبيعي (الفيزياء)، ولعل مثل هذا اللقاء الحميم بين الفلسفة والتاريخ والعلم لم يشهد له تاريخ الأفكار مثيل بهذا الوضوح والجدة والخصب.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news