تقرير – زكريا الغندري:
مرّت عشرة أيام على “زيارة الأربعين” أو “أربعينية الحسين” في كربلاء بالعراق، لكن حضور جماعة الحوثي المصنفة إرهابية هذا العام كان لافتاً، حيث تجاوزت المشاركة الطابع الرمزي المعتاد، لتتحول إلى استعراض سياسي وإعلامي منظم.
وأربعينية الحسين، أو زيارة الأربعين، هي مناسبة دينية كبرى لدى الشيعة في يوم العشرين من شهر صفر، حيث يمر أربعون يومًا على مقتل الحسين بن علي في كربلاء.
يتم إحياء هذه المناسبة بمشاركة مئات الآلاف من الزوار الذين يسيرون في مواكب ضخمة نحو مدينة كربلاء في العراق لزيارة ضريح الحسين، وتتضمن هذه الزيارة طقوسًا دينية ومواكب عزاء ينكرها معظم العلماء المسلمين.
تأتي مشاركة الحوثيين هذا العام في سياق الزخم الذي تعيشه الجماعة بفعل عملياتها العسكرية والإعلامية المتزامنة مع العدوان الإسرائيلي على غزة، برغم تأثيرها المنعدم على المشهد، ومحاولاتها تقديم نفسها كبديل لبعض الحلفاء التقليديين في “محور المقاومة” الذي تشرف عليه إيران مثل حزب الله.
وفي مشهد لافت، رفع المشاركون الحوثيون في كربلاء صور زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي مكتوبًا عليها لقب “خادم الحرمين الشريفين”.
يقول الباحث اليمني في الشؤون السياسية والأمنية ،عاصم المجاهد، لـ”يمن ديلي نيوز” إن “رفع صور الحوثي في كربلاء بهذا الشكل يعكس تحولًا في مشروع الجماعة، إذ لم تعد تسعى فقط لتثبيت نفسها داخل اليمن، بل لتصدير هوية دينية وسياسية إقليمية موجهة ضد السعودية بشكل صريح”.
إقحام فكري في الطقوس الشيعية
لم يتوقف حضور الحوثيين عند رفع الشعارات، بل شمل توزيع “ملازم حسين الحوثي” وسط الحشود، في خطوة تهدف إلى ضخ خطاب الجماعة الفكري داخل الفضاء الشيعي المقدس كما يقول “المجاهد”.
ويضيف: هذا السلوك يمثل “عملية إقحام فكري مباشر تهدف لإعادة صياغة الهوية الزيدية وربطها بالاثني عشرية، بما ينسجم مع مشروع إيران في المنطقة”.
هذه الممارسات تأتي استمرارًا لنهج إيران وأذرعها في استغلال المناسبات الدينية الكبرى لتوسيع النفوذ العقائدي والسياسي، على غرار ما جرى في لبنان والعراق منذ عقود. يقول المجاهد.
حضور إعلامي ودبلوماسي منظم في هذا العام شهدت عودة أحمد العزي، ممثل عبدالملك الحوثي في العراق، للظهور الإعلامي بعد غياب عام كامل.
وحرصت قناة “المسيرة” التابعة للجماعة على بث الفعاليات مباشرة، في ما بدا خطوة مدروسة لإبراز حضور الحوثيين داخل الطقوس الشيعية العابرة للحدود.
هذا البث المكثف عكس إدراك الجماعة لأهمية الصورة والإعلام في بناء الشرعية، في مسار مشابه لتجربة حزب الله الذي جمع بين الحضور العسكري والإعلامي والديني.
مشروع إقليمي صاعد
لم يعد خطاب الحوثيين مقصورًا على اليمن؛ بل تبنى خطاب “الثورة الإسلامية العابرة للحدود”، مستخدمًا ذات اللغة التي تتبناها طهران وحزب الله.
ويؤكد المجاهد لـ”يمن ديلي نيوز” أن هذا الربط بين اليمن والعراق ولبنان يحول الملف اليمني إلى ساحة إيرانية مفتوحة، ويفتح الباب أمام تدخلات خارجية متزايدة، ويجعل من الصراع في اليمن جزءًا من مشروع مذهبي ـ سياسي ممتد.
ويضيف: “اليوم لم يعد السؤال: كيف نهزم الحوثي في اليمن؟ بل كيف نواجه كيانًا مزدوجًا، يمثل ذراعًا لإيران وفي الوقت ذاته يسعى ليكون حزب الله يمني بطموح مستقل”.
ما بعد الأربعين
تكشف وقائع زيارة الأربعين أن الحوثيين لم يعودوا يكتفون بالدور المحلي، بل ينسجون مشروعًا إقليميًا يضع اليمن في قلب الاستراتيجية الإيرانية، ويتيح لهم لعب دور مزدوج: أداة ضمن محور طهران، ومشروع مستقل يحاكي حزب الله اللبناني.
يهدف الحوثيون إلى التحول من حركة تمرد محلية إلى لاعب إقليمي صاعد، يجمع بين البعد المذهبي والسياسي والإعلامي، وهو ما يطرح على الفاعلين الإقليميين والدوليين تحديًا معقدًا يتجاوز حدود اليمن.
مرتبط
الوسوم
الحوثيون في كربلاء
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news