يمن إيكو|ترجمة:
قالت صحيفة “كالكاليست” إن الحرب على غزة ومشاهد المعاناة والتجويع الذي يتعرض له الفلسطينيون، تزيد عزلة إسرائيل الدولية وتجعلها في مواجهة “حصار صامت” غير مسبوق، تطال تأثيراته السلبية كل المجالات، بدءاً بالاستيراد والتصدير، وصولاً إلى المجال الأكاديمي.
ونشرت الصحيفة، اليوم الإثنين، تقريراً مطولاً رصده وترجمه موقع “يمن إيكو”، جاء فيه أن “استمرار الحرب في غزة، وتدهور الوضع الإنساني، والاستعدادات لعملية عسكرية لاحتلالها، تزيد من معارضة دول العالم لإسرائيل”.
وبحسب الصحيفة فإنه “في نهاية الأسبوع الماضي، مُنع 150 طفلاً من دخول مدينة ملاهٍ في فرنسا، رغم أن زيارتهم كانت مُرتّبة مسبقاً، بدا الأمر وكأنه إغلاق للحديقة بسبب تفتيش أمني للمرافق، لكن السبب الحقيقي سرعان ما اتضح في مبادئ شخصية لمدير الملاهي الذي لم يكن مستعداً لقبول الإسرائيليين”.
وأضافت أن “هذه ليست الحادثة الوحيدة، فعدد حالات محاولات عدم التواصل مع الإسرائيليين آخذ في الازدياد، والمشهد الاقتصادي القبيح المتمثل في تجنب الإسرائيليين هو في الواقع حصار صامت لا يُعلن عنه من على المنابر، ولا يُنشر عنه، ويشمل شركات ومدراء ومسؤولين حكوميين، ويتجاوز الحدود، وضرره أعظم من الحصار المعلن، الذي يُمكن مواجهته والرد عليه”.
وأوضحت أن “هناك عقوداً لا يتم توقيعها وتأخيرها بدون تفسير عقلاني ومنطقي، ومراسلات يتم تجاهلها، وزيارات إلى إسرائيل يتم تأجيلها بذرائع مختلفة، وعدم الموافقة على خطوط الائتمان، والاستبعاد من البحوث، والابتعاد تمهيداً لمقاطعة رسمية، أو إخفاء إعلانات توظيف في مجال التقنية الفائقة حتى لا تزعج أولئك الذين لا يعجبهم اسم إسرائيل”.
ونقلت الصحيفة عن يانير أسولين، الرئيس التنفيذي المشارك لشركة (إستل) للتجارة والتسويق المحدودة، وهي مستوردة للمواد الصناعية، قوله إنه “على مدار العام والنصف الماضيين، بدأت تتشكل مقاطعة هادئة لإسرائيل في مجال الواردات من قِبل الموردين في أوروبا، وخاصةً من الدول المجاورة”.
وأضاف: “لا يتم الإعلان عن ذلك دائماً، ولكنه يُلمس بوضوح يومياً من خلال قلة الرد على رسائل البريد الإلكتروني، وانقطاع الاتصال بعد علاقات تجارية طويلة الأمد، وانعدام التواصل، ومن أبرز الأمثلة التي شكّلت تحدياً لنا مختبر المعايير البريطاني (توماس بيل) وهو أحد أكبر المختبرات في العالم، والذي رفض الاعتراف بشهادات المعايير للسوق الإسرائيلية بعد رسالة داخلية ذات طابع سياسي، أرسلها أحد موظفيه إلى معهد المعايير الإسرائيلي، ولم يتم تجديد الاتفاق إلا بعد مناشدة مباشرة للإدارة في دبي واجتماع وجهاً لوجه”.
وتابع: “ليس كل مستورد لديه القدرة أو الموارد للتعامل مع مثل هذه المواقف بمفرده، لذلك من المهم التعرف على هذا الواقع، ليس فقط من أجل انتقاده، ولكن من أجل الاستعداد له، حيث تتأثر الزيادات الحادة في الأسعار في الفترة الأخيرة بشكل مباشر بمثل هذه التحركات التي تجعل من الصعب على المستوردين خلق المنافسة والاستيراد من مجموعة كبيرة ومتنوعة من الموردين”.
وبحسب التقرير فإن الشركة اضطرت لـ”فتح فرع في بريطانيا قبل عام ونصف العام حتى لا يتم ربطها بإسرائيل”، مشيراً إلى أن موردين أبلغوا الشركة بأنهم “يرفضون التعامل مع إسرائيل في هذه المرحلة وحتى في المستقبل”.
وقالت الصحيفة إن “المصدرين والمصنّعين يواجهون عواقب إخفاقات حكومة نتنياهو على جيوبهم، إذ لم يعد العملاء حول العالم، وبعضهم شركاء تجاريون قدامى، يطلبون خدماتهم، وفي كثير من الأحيان، يستجيب الكثير ممن يتلقون مكالمات من فرق مبيعات الشركات في إسرائيل ببرود”.
ونقلت الصحيفة عن رون تومر، رئيس اتحاد المصنّعين الإسرائيليين قولهم إن: “الدعاية الإسرائيلية فاشلة للغاية، ونجد أنفسنا نتحدث مع عملاء في الخارج، نشرح لهم تعقيد الوضع وظروف الحرب في غزة، ربما ننجح في محادثة واحدة من كل عشرة”.
وأضاف: “عندما يقول سموتريتش، أو أوريت ستروك، أو عميحاي إلياهو إنه لن تدخل حبة قمح واحدة إلى غزة، ويرى العالم صور المجاعة في غزة، فإنهم في الواقع يتحملون مسؤولية هذه الصور التي تُفهم كنتيجة لتصريحاتهم.. الناس في الخارج يقتبسون أقوال هؤلاء الوزراء أنفسهم الذين يدعون إلى تجويع غزة. كيف يُمكننا التعامل مع هذا؟”.
وتابع: “كرئيسٍ لاتحاد المصنّعين ومُصدّرٍ مُخضرم، لا أذكرُ مشاعرَ سلبيةً تجاه إسرائيل كهذه. يُقلقني تأثيرُ العدوى حقاً. شخصٌ لا يُعجبه ما يراه على قناة (سي إن إن) عن غزة ويقرر من تلقاء نفسه عدم شراء البضائع من إسرائيل، وآخر يسمع بالأمر ويتخذ خطوةً مماثلة، والأمر أشبه بكرة ثلجٍ تتدحرج.. قلةٌ قليلةٌ من المنتجات الإسرائيلية التي تباع في العالم ليس لديها بدائل.. إذا لم يشتروا منا، فسيشترون من غيرنا”.
ووفقاً للصحيفة فإن “الحصار الصامت لا يقتصر على قطاعي الصناعة والاستيراد، بل يمتد إلى مجالات أخرى، حتى في قطاع التكنولوجيا المتقدمة”.
ونقلت عن مسؤول كبير في هذا القطاع قوله: “لقد راسلتنا جهة مهمة، تُقدّر أن حكومتها ستفرض مقاطعة على إسرائيل قريباً، وتريد الاستعداد لذلك، وفي ضوء ذلك، فإنها تنتهك اتفاقية مع شركتنا. سيجدون مبرراً قانونياً، وهذه ليست ظاهرة غير مألوفة في هذا القطاع، إنها اتفاقية بالغة الأهمية بالنسبة لنا، وليست الوحيدة التي تم إلغاؤها أو تهديدها”.
وأضاف المسؤول: “إن الشركات في الولايات المتحدة وأوروبا تشعر بالمقاطعة في مجالنا، فالعديد من الشركات متعددة الجنسيات تُقلّص تحويلات ميزانياتها إلى إسرائيل، بينما تمتنع شركات أخرى عن إرسال مسؤولين كبار إليها، وهذا يعني أن إسرائيل ستبقى قوة أمنية وتكنولوجية في هذه المجالات، لكن كل شيء آخر لن يبقى.. لقد أصبحت إسرائيل هدفاً للعديد من الشركات في العالم، ولا يتم التعاون معنا إلا في الأماكن التي لا خيار فيها، ويتم تنسيق ذلك ببرامج متنوعة من شأنها أن تُلغي السياق الإسرائيلي”.
وقال مسؤول تنفيذي كبير في مجال علوم الحياة: “إن الحصار المفروض على الصناعة الطبية الإسرائيلية ليس حصاراً مؤقتاً، ولا هو حظرٌ مؤقت، إنه واقع ملموس ورسمي، ومدعوم بخطوات واضحة: إلغاء اتفاقيات، وسحب استثمارات متعمد، وإعطاء أولوية واضحة للبدائل غير الإسرائيلية لدى العملاء والشركاء الاستراتيجيين.. لا يتعلق الأمر بالتغيير التكنولوجي أو فشل رواد الأعمال والشركات في تقديم منتجات قيّمة، بل بوصمة عار مُترسخة: فمجرد الارتباط بإسرائيل يُصبح وصمة عار لا يريدها العديد من الشركاء والمستثمرين”.
وأضاف: “منذ البداية، كان تأسيس ونمو شركات الابتكار الطبي مساراً طويلاً وصعباً ومحفوفاً بالمخاطر، واليوم أُضيف خطر جديد، ليس تجارياً، ولا تكنولوجياً، بل هوية سياسية: الارتباط بإسرائيل بحد ذاته. هذا الخطر أشد وطأة من أي تقلبات في السوق أو جولة تمويل، وهو خارج عن سيطرة رواد الأعمال”.
وتابع: “صورة الصناعة هي صورة الدولة. لقد هُجر الابتكار في مجالات خدمة شعوب العالم، وتم تقديس العدوان والقوة والحرب، وهذه إشارة تحذيرية لرؤية مستقبلية: إسرائيل، بدلاً من أن تُعالج العالم، تُكرِّس أفضل عقولها لابتكار أدوات لمحاربته.. بالنسبة لي، هذا مستقبلٌ مظلمٌ وحزين”.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول تنفيذي في مجال استثمار التكنولوجيا المتقدمة قوله إن “شركة ذكاء اصطناعي إسرائيلية جمعت مبلغاً كبيراً يُقدّر بعشرات الملايين من الدولارات، لكنها قررت عدم إنفاقه رسمياً في إسرائيل”.
وقالت الصحيفة إن “مسؤولي الشركة لا يشعرون حالياً بالراحة في تقديم أنفسهم كإسرائيليين في الأسواق التي يعملون فيها”.
وأضافت أن “مسؤولين تنفيذيين آخرين أفادوا بأنهم يتوقفون حالياً عن ذكر تاريخهم العسكري أو يقللون من شأن صلتهم بإسرائيل، وخاصةً أي سياق عسكري، سواءً كان وحدات استخبارات أو تاريخاً في الحروب القتالية، فما كان يوماً ما مصدر فخر، أصبح الآن مخفياً تماماً في ظل موجة البرد التي تهب من العالم”.
وفي قطاع الطاقة، كشفت الصحيفة أن هناك “تحركات صامتة لحظر هادئ بدأت في الظهور”.
ونقلت عن إحدى أكبر شركات الطاقة قولها إنها “عندما طلبت تجديد خطوط الائتمان الحالية مع أحد البنوك الأوروبية الكبرى، واجهت مماطلة غير معهودة لم تشهدها من قبل، وحتى عندما حاولت الضغط على البنك للاعتراف بالأسباب الحقيقية لترددها، قوبلت برد رسمي جاف كان يهدف إلى التستر على السبب الحقيقي”.
وأضافت الصحيفة أنه “من الصعوبات الأخرى التي أبلغت عنها الشركات وصول الخبراء إلى إسرائيل، حيث يُعدّ المقاولون والخبراء الأجانب عاملاً حاسماً في نجاح بناء محطات طاقة جديدة في إسرائيل أو خطوط أنابيب الغاز، وفي الأشهر الأولى من الحرب، تأخر بناء البنية التحتية للغاز من قِبل شركة الغاز الطبيعي الإسرائيلية، والذي تم تنفيذه من خلال مقاول إيطالي لم يتمكن من مواصلة العمل في إسرائيل لأسباب أمنية، وتوقف العمل لعدة أشهر، بالإضافة إلى ذلك، تأخر أيضاً بناء وحدات توليد من قِبل شركة الكهرباء الإسرائيلية، وذلك لعدم وصول خبراء من شركة (جنرال إلكتريك) التي تصنع التوربينات لإسرائيل”، مشيرة إلى أنه “في الأشهر الأخيرة كان هناك قلق متزايد في السوق من أن هذا ليس مجرد قلق أمني، بل أيضاً بسبب عدم رغبة الشركات في العمل مع إسرائيل”.
وأكدت أن “المقاطعة الصامتة تُمارس أيضاً في الأوساط الأكاديمية، وهناك تهديدٌ حقيقيٌّ في هذا الميدان، يتضمن اقتراحاً بتعليق مشاركة إسرائيل في أهم برنامج منح بحثية في العالم، وهو برنامج (هورايزون)، أو على الأقل تعليق مشاركتها في أجزاء منه”.
وأضافت: “إن نفوذ أصدقاء إسرائيل في الاتحاد الأوروبي كبير، لكن استمرار الحرب في غزة، وتفاقم الأزمة الإنسانية، ورفض إسرائيل إنهاء القتال، يجعل مهمتهم مستحيلة”.
وأوضحت أن “إسرائيل تعتمد على دعم ألمانيا وإيطاليا، وفي هذا الصدد، يُثير تراجع هذا الدعم قلقاً بالغاً، ففي 8 أغسطس، نشر أكثر من 300 أكاديمي ألماني رسالة مفتوحة تدعو إلى مقاطعة إسرائيل والمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، متهمين هذه المؤسسات بالتورط في الاحتلال غير الشرعي، والفصل العنصري، والإبادة الجماعية، وغيرها من انتهاكات القانون الدولي، ودعمها”.
وقالت الصحيفة إن “تأثير التعليق الجزئي من برنامج (هورايزون) لا يقتصر فقط على الضرر المميت الذي يلحق بهيبة الأبحاث والتعاون الإسرائيلية، ولكن يتعلق أيضاً بشرعية مقاطعة الدول والمؤسسات والأفراد لإسرائيل، وقد تم بالفعل تسجيل حالة خطيرة بشكل خاص في يونيو عندما علقت الجمعية الدولية لعلم الاجتماع عضوية الجمعية الإسرائيلية لعلم الاجتماع في المنظمة، وقد تم تبرير القرار بحقيقة أن الجمعية الإسرائيلية لم تدن تصرفات إسرائيل في غزة، وفي الفترة من 7 أكتوبر إلى مايو، كانت هناك 700 شكوى حول حالات المقاطعة الأكاديمية وأعلنت 20 جامعة رسمياً أنها تقاطع إسرائيل”.
وأضافت: “التقديرات هي أنه، بالطبع، مقابل كل حالة مقاطعة موثقة، هناك العديد من حالات المقاطعة السرية”.
وأوضحت الصحيفة أن “هولندا وبلجيكا وإسبانيا تقود حملات المقاطعة بشكل كبير، وكانت جامعة (غنت) البلجيكية من أوائل الجامعات التي أعلنت مقاطعتها لإسرائيل. وأعلنت مؤخراً أنها ستنسحب من مشروع بحثي حول شيخوخة العظام، بسبب مشاركة جامعة تل أبيب، كما أعلنت جامعة فالنسيا الإسبانية أنه في حال عدم إلغاء منظمة البحوث الزراعية الإسرائيلية مشاركتها في مشروع بحثي حول تغذية الشباب، فإنها ستنسحب منه، مما سيؤدي إلى إلغاء المشروع بأكمله”.
وبحسب الصحيفة فإن “آثار المقاطعة الصامتة واضحة بالفعل، ووفقاً لبيانات وزارة العلوم الاسرائيلية، انخفض معدل المنشورات التي يشارك فيها الباحثون الإسرائيليون عالمياً بنسبة 21% خلال عامين”.
إن صعوبة معرفة ما هي المقاطعة السرية وما ليس كذلك تنعكس في حقيقة أن عدد الفوز الذي حققه العلماء الإسرائيليون في المنح للباحثين في المراحل المبكرة في إطار برنامج هورايزون انخفض بنحو 70٪ هذا العام، من 29 منحة في عام 2024 إلى 9 في عام 2025. وانخفضت معدلات نجاح العلماء الإسرائيليين من 27٪ (مقارنة بمتوسط أوروبي يبلغ 12٪) إلى 9٪ فقط.
البروفيسور روني ستراير، الرئيس المنتهية ولايته للمجلس الوطني للأمن الغذائي، والأستاذ الفخري في جامعة حيفا، صرح لموقع كالكاليست في هذا الشأن قائلاً: “نحن قوة ضاربة في مجال أبحاث الرعاية الاجتماعية. لكن من آثار الحرب أن العديد من منشوراتنا في هذا المجال لا تحظى بالقبول الدولي. فالمجلات الرائدة في هذا المجال لا تقبل منشورات الإسرائيليين، وهناك انتقادات كثيرة للباحثين الإسرائيليين الذين لم يتخذوا موقفاً مناهضاً للحرب”.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news