الرياضية نوال منير - برّان برس
أعد القصة لـ"بران برس" - ماجد الطيار:
"كنت أسمع تعليقات جارحة مثل: "البنت ما ينفع تكون رياضية" أو "هذا عار على العائلة". بهذه الكلمات تبدأ "نوال منير عبدالملك"، الفتاة العشرينية من مدينة عدن، حديثها عن رحلة لم تكن سهلة، لكنها اختارتها لأنها تؤمن بأن لكل امرأة حقًا أن تحلم، وأن تمارس الرياضة، وأن تتحدى القوالب التقليدية التي تحاول تقييدها.
"نوال" ليست مجرد طالبة جامعية، بل هي رياضية متعددة المواهب تجمع بين كرة القدم الخماسية، كرة الطائرة، ألعاب القوى، وتنس الطاولة. تمثل نموذجًا لشابة يمنية لم تستسلم لواقع يرفض وجودها في ميادين رياضية يُنظر إليها على أنها حكرٌ على الرجال، فاختارت تحدي الأعراف والمفاهيم المجتمعية لتثبت أن للمرأة مكانًا في الرياضة كما في باقي مناحي الحياة.
تحدي البدايات
بدأت نوال مشوارها الرياضي منذ كانت في التاسعة من عمرها، حين كانت تلعب في شوارع الحي وسط مجتمع لا يشجع النساء على ممارسة الرياضة ولا يعتبرها جزءًا من حياة الفتاة العادية. تقول نوال في حديثها لـ"بران برس": "كنت ألعب في الحارة وأنا في التاسعة من عمري، لم أجد تشجيعًا، بل كثيرًا من النظرات الساخرة، والتعليقات التي حاولت أن تجعلني أتخلى عن حلمي."
رغم قسوة النظرة الاجتماعية، لم تثنِ نوال عزيمتها، بل كانت مصممة على كسر الحواجز التي يفرضها مجتمع يرى في ممارسة المرأة للرياضة خروجًا عن المألوف. تؤكد: "كان لدي إصرار داخلي، وشخصية تدفعني لأن أكون رياضية."
لم تكن نوال تمتلك دعمًا واسعًا في البداية، لكنها وجدت بريق أمل في كلمة قالها لها أحد أساتذتها: "هذه ستكون نجمة." تلك العبارة كانت نقطة تحول داخلها لمواصلة الطريق رغم كل الصعوبات. بدأت بممارسة ألعاب القوى، وهدفها كان كسر الصورة النمطية التي تقول: "البنت لا يمكن أن تكون رياضية"، وشاركت في السباقات المدرسية والمحلية.
في عام 2019، شاركت نوال في أول بطولة رسمية وحصلت على المركز الثالث في سباق 100 متر، رغم أن كثيرين راهنوا على فشلها واعتبروا نجاحها مجرد "صدفة". لم توقفها هذه الشكوك، بل استمرت وتطورت، حتى حصلت على المركز الثاني في 2022، وانضمت إلى فرق كرة الطائرة وكرة القدم الخماسية، موسعة بذلك نطاق مشاركاتها الرياضية. وفي 2024، حققت المركز الأول في سباق ألعاب القوى، متفوقة على لاعبة كانت تلعب في بطولات خارجية، ما أكّد مكانتها كلاعبة متميزة.
لكن الطريق لم يكن مفروشًا بالزهور، إذ واجهت نوال في مجتمعها نظرات مليئة بالتساؤلات والاستغراب. تقول لـ"بران برس": "كانت نظرة الناس ليّ كفتاة تمارس الرياضة مليئة بالتساؤلات، كثيرون كانوا يتساءلون: كيف يمكن أن تكون البنت رياضية؟" وتنوه إلى أنها نشأت في مجتمع تسيطر عليه العادات والتقاليد التي تمنع النساء غالبًا من ممارسة الرياضة، وكانت فكرة رياضة النساء شبه غائبة، لذلك كانت تحاول باستمرار إقناع المحيط بأن هناك مكانًا للنساء في الرياضة.
في المدرسة، تعرضت لتعليقات صعبة من بعض أهالي زميلاتها، تقول: "كنت أسمع من بعض أهالي زميلاتي تعليقات تقول إنني ممنوعة من المضي معهم، وإنني 'مسترجلة' وأشبه الرجال فقط لأنني أمارس الرياضة." وللتعامل مع هذه التحديات، تعلمت نوال "أن أتعامل مع هذه التحديات بتجاهلها والابتعاد عنها"، رغم أن ذلك كلفها خسارة الكثير من الصديقات بسبب اختيارها أن تكون رياضية. ومع مرور الوقت لاحظت تغيرًا في نظرة البعض لها، مؤكدة: "الحمد لله، أعتقد أن الكثيرين اليوم بدأوا يرون نجاحي ويتقبلونه."
مواجهة الانتقادات
أما في مواجهة انتقادات كبار السن، فتقول نوال إنها تحرص على التوضيح والتفسير: "عندما أواجه انتقادات من كبار السن، أحاول أن أوضح لهم الهدف الحقيقي من الرياضة، وأؤكد لهم أن ممارسة المرأة للرياضة أمر طبيعي، وأنه لا يجب تعقيد الأمور. فالمرأة لها مكان في كل المجالات، ويمكن أن تكون رياضية تمامًا كما هي طبيبة أو معلمة." أما الشباب الأصغر سنًا، فتقول إنهم "عادة ما يكن أكثر هجومية في الانتقادات، لذلك أفضل تجاهل تلك الانتقادات وعدم الدخول في جدالات معهم."
كان الدعم العائلي، وخاصة من والديها، عاملاً حاسمًا في مسيرتها، حيث نشأت نوال في بيئة رياضية، يمارس أفراد عائلتها الرياضة بشكل منتظم، ما شكّل لديها حبًا عميقًا وشغفًا بالرياضة. تقول: "كان أكبر داعم لي هو والدي ووالدتي. رغم أن أمي تعرضت لانتقادات من صديقاتها بسبب تشجيعي على الرياضة، كانت ترد دائمًا بقولها: 'بنتي تمارس شيئًا جيدًا، نجاحها هو المهم، وليس كلام الناس.'"
تتحدث نوال أيضًا عن الجانب النفسي للتحديات التي واجهتها، وتقول: "كنت أشعر بالحزن وأجلس وحيدة أتساءل لماذا يقول الناس كل هذا عني، لكن مع الوقت فهمت أن كلام الآخرين لن يغيرني، وأن عليّ أن أواصل المسير بشجاعة."
رغم كل الصعوبات، استطاعت نوال أن تتجاوز التحديات وتثبت نفسها كلاعبة متميزة. تؤكد: "الرياضة ليست حكرًا على الرجال. المرأة قادرة على تحقيق النجاح في أي مجال تريده، إذا وجدت الدعم والفرصة. أتمنى أن يتغير المجتمع وينظر إلى رياضة المرأة كشيء طبيعي وليس عارًا."
الهدف والطموح
وترى نوال أن الرياضة ليست مجرد مهنة أو هواية، بل أداة لتحسين الصحة الجسدية والنفسية، ووسيلة لتحرير المرأة من القيود الاجتماعية التي تحد من حريتها. تقول لـ"بران برس": "الرياضة تمنح المرأة ثقة بنفسها وقوة لتثبت وجودها في المجتمع، سواء كانت طبيبة أو مهندسة أو رياضية، فلا فرق بين ذلك". وتشير إلى أن غياب الدعم الرسمي والإداري يعيق تطور الرياضة النسائية في اليمن، مضيفة أن المؤسسات الرسمية والمجتمع يجب أن يتبنيا دعم الرياضة النسائية من خلال توفير الإمكانيات المادية والمعنوية، وإطلاق حملات توعية تكسر الحواجز الثقافية.
لم تنتهِ التحديات عند القبول المجتمعي، بل كانت هناك عقبات إدارية أيضاً حرمت نوال من المشاركة في بطولات خارجية بسبب نقص المرافق النسائية وعدم توفر الدعم الرسمي، وهو ما وصفته بأنه "عائق كبير أمام تمثيل اليمن دولياً".
تطمح نوال إلى خوض تجارب جديدة على المستوى الدولي، والانضمام إلى فرق خارجية تمكّنها من رفع اسم بلدها، معتبرة أن الانتماء للنادي أو حجم الفريق أقل أهمية من تحقيق حلمها في كسر الحواجز المجتمعية والرياضية. تقول: "أتمنى أن ألعب في بطولات خارجية، وأن أنضم إلى فريق خارجي، ليس شرطًا أن يكون ناديًا كبيرًا، لكني أريد أن أخرج من حدود مجتمعي الضيق إلى العالم الذي يقدّر ما يعني أن تكون إنسانة رياضية."
ومع ما واجهته من صعوبات، تحولت نوال من مجرد لاعبة إلى صوت يمنح الفتيات طاقة إيجابية ويشجعهن على ممارسة الرياضة، حيث بدأت تدرب نساء الحي، معتبرة أن الطموح لا يحتاج إذنًا مجتمعيًا، وأن الرياضة ليست عاراً كما يعتقد البعض.
تأتي قصة نوال ضمن سياق أوسع لمدينة عدن، التي كانت منذ سبعينيات القرن الماضي من أوائل المدن اليمنية التي احتضنت الرياضة النسائية، وشجعت على تشكيل فرق نسائية في المدارس والأندية، وفتحت أمام الفتيات نافذة مختلفة على الحياة، رغم ما كان يثيره ذلك من جدل اجتماعي وثقافي.
واليوم، وبعد عقود من تلك البدايات، تحاول عدن استعادة إرثها الرياضي النسائي، وسط جهود محلية ومبادرات شبابية لتأهيل البنية التحتية وتدريب كوادر نسائية. لكن الطريق ما زال طويلًا. فمنذ الاعتراف الرسمي بالرياضة النسائية في اليمن عام 2002، ظل الحضور محدودًا في ألعاب مثل الرماية والفروسية والجودو وتنس الطاولة وكرة السلة والشطرنج وألعاب القوى. وحتى الآن، لا يتعدى نشاط الأندية النسائية –بما فيها المخصصة لذوات الإعاقة– نطاق بعض المدن الكبرى، فيما تغيب كليًا عن المدن والمناطق النائية.
في اليمن لا تزال الرياضة النسائية ملفًا شائكًا. فبينما يراها البعض حقًا مشروعًا، يرى آخرون أنها خروج عن الأعراف. يقول الشاب زكرياء محمد: "مكان المرأة في البيت، ولا أقبل أن تمارس الرياضة"، في حين يختلف معه مهران مختار، الخريج الجامعي، الذي يؤكد: "من حقها أن تمارس الرياضة كما تشاء، وأن تستمتع بحياتها".
لكن التحديات تتجاوز المواقف الفردية. فالقيود الاجتماعية وغياب الدعم الإعلامي يدفعان البطولات النسائية إلى الانعقاد في صالات مغلقة بعيدًا عن الأنظار. وتوضح نوال منير أن "ثقافة العيب" والخوف من ردود الفعل يدفعان كثيرًا من اللاعبات إلى الالتزام بالحجاب والملابس الطويلة لتجنب الانتقادات.
وفي عدن، تلخص كابتن لؤي فيصل، المسؤولة عن الرياضة النسائية هناك، الواقع بقولها لـ"بران برس": "الرياضة النسائية في اليمن لم تحقق إنجازات تُذكر، لأن لا إعداد حقيقي، ولا معسكرات تدريبية، ولا بيئة داعمة". وتضيف: "الحروب غيّرت السياسات، وألغت حصص الرياضة المدرسية، ودمّرت البنية التحتية، وفرضت أعرافًا جديدة ضيّقت على النساء".
ويرى متابعون أن إنقاذ الرياضة النسائية في اليمن يتطلب إعادة بناء المرافق المخصصة للنساء، وإدراج الرياضة في المدارس، وتنظيم بطولات مفتوحة، إلى جانب دعم الأندية واللاعبات، وتبني برامج توعوية تعيد تصحيح الصورة النمطية عن المرأة في الملاعب.
رياضة النساء
نوال منير
رياضة
قصص نجاح
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news