الفخ الحر.. أحلام يمنية عالقة في السعودية بين الدَّين والغربة

     
يمن ديلي نيوز             عدد المشاهدات : 151 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
الفخ الحر.. أحلام يمنية عالقة في السعودية بين الدَّين والغربة

أعد التقرير لـ”يمن ديلي نيوز” محمد اليوسفي:

الشاب “ناجي علي النهمي” عاد قبل نحو أسبوعين إلى بلاده في مدينة إب بعد أربع سنوات قضاها يطارد الحصول على فرصة عمل، تعينه على توفير مصاريف إقامته ومصاريف أسرته، لكنه كما قال: كنت متداين باليمني، والحمد لله الآن متداين بالسعودي.

“ناجي” وغيره الآلاف كانوا يحلمون بمستقبل أفضل يخرجهم من الحال الذي أصبح عليه وضعهم بعد أن توقفت رواتبهم التي كانوا يتقاضونها، وانعدمت فرص العمل، وبات الجميع منهك بفعل الحرب من جهة وبفعل ممارسات الحوثيين التي زادتهم إرهاقاً كما يقولون.

ليس وحده ناجي من وقع في فخ الفيزا الحرة، بل آلاف وقعوا في هذا الفخ، ليجدوا أنفسهم في دهاليز البطالة، يطاردون الأعمال وحراجات العمال هنا وهناك ومن مدينة إلى مدينة، لكن من النادر من ينجحون خاصة إذا لم تكن تمتلك خبرة عمل معينة.

هذه الفيزا تتم باتفاق غير رسمي بين الكفيل والعامل، يتيح للأخير العمل بحرية مقابل دفع مبالغ للكفيل شهريًا، خدمة لتجاوز القيد القانوني الخاص بنظام “الكفالة”. في أحيان عديدة، تصل هذه الرسوم إلى نسبة 20–50% من دخل العامل.

في هذا التقرير يسرد “يمن ديلي نيوز” جانباً من معاناة أشخاص وقعوا ضحايا الفيزا الحرة، حيث يكتفي “يمن ديلي نيوز” بذكر الاسم الأول للأشخاص الذين قابلهم المحرر حفظاً على سلامتهم.

واقع بلا عمل

أحمد، شاب من ريف إب، يعيش في غرفة صغيرة بالرياض مع أربعة يمنيين آخرين، دخل الى السعودية قبل سبعة أشهر بعد أن اشترى تأشيرة عمل حرة بسبعة آلاف ريال سعودي جمعتها أسرته ببيع بقرة واقتراض من جمعية خيرية.

يقول لـ”يمن ديلي نيوز”: “قالوا لي إنها فيزا مضمونة والعمل متوفر، لكني من يوم وصلت لم اشتغل الا أيام محدودة”، يرسل لقطة شاشة لهاتفه ليُظهر مكالمات فائتة من والدته، ويضيف: “لم أرسل لعائلتي ريالاً واحد”.

حال احمد يشبه حال آلاف اليمنيين الذين دخلوا بتأشيرات حرّة، ووجدوا أنفسهم في سوق عمل لا يعترف بوثيقة دون إقامة نظامية، ولا يمنح فرصة لمن لا يملك مهنة محددة أو مهارات مطلوبة.

بدوره سعيد العامري، عامل بورشة سمكرة سابق في جدة، قال إنه قضى أول ثلاثة أشهر من وصوله دون أي عمل، قبل أن يتمكن لاحقاً من العمل لأيام معدودة في مستودعات ومزارع، لكن بأجور منخفضة جداً.

مما فاقم معاناة اليمنيين أكثر هي نظام السعودة الذي قصر العديد من المهن على المواطنين السعوديين، لتغلق أبوابًا أخرى أمام المغتربين، وتزداد معاناتهم.

غربة بلا ضمان

ارتفاع تكاليف المعيشة في المملكة يزيد الضغوط على المغتربين العاطلين. يقول يحيى عبدالجليل من ريف تعز: “كنت أحلم أرسل لأهلي ألف ريال شهريًا، لكن الآن أطلب منهم يساعدوني، قبل أسبوع بعت جوالي لمصاريفي”.

رؤوف محمود، هو الأخر، يقول لـ”يمن ديلي نيوز”: “دخلت المملكة بتأشيرة عامل، اشتغلت في احد البوافي التابعة لمستثمر يمني في السعودية، لكن الراتب كان 1500ريال، بينما تجديد التاشيرة 12,000ريال سنويًا.

وأضاف: “طالبت برفع الراتب، لكن صاحب العمل رفض، ما أجبرني أن أترك العمل وأبحث عن آخر، لكني لم أجد عمل آخر كوني لا أمتلك مهنة محددة، فبقيت دون عمل لمدة 11 شهر، حتى قمت بتغير المهنة الى عامل خاص.

وتابع: “طلبت من أهلي في اليمن ان يرسلوا لي مبلغ لتعلم القيادة وقطع رخصة قيادة سعودية، ومن ثم توفقت بعمل، بعد أن تراكمت عليَّ الديون إلى حوالي 24,000 ريال سعودي”.

يعيش البعض في مساكن عشوائية أو نائية، يتقاسم الغرفة الواحدة أربعة إلى ستة أشخاص، بينما يضطر آخرون للعمل بأجور لا تتجاوز 25 ريالًا في اليوم، ويزداد الألم حين يطرق المغترب أبواب القنصلية اليمنية فلا يجد سوى عبارات العجز: “التأشيرة الحرة مشكلتك أنت، إما تغيّر مهنتك أو ترجع اليمن وتعود بتأشيرة جديدة”، كما نقل أحد العمال.

في المقابل، يعيش بعضهم في مساكن مكتظة، يتقاسم فيها خمسة أشخاص غرفة واحدة، فيما يضطر آخرون للعمل بأجر يومي لا يتجاوز 25 ريالًا. وإذا طرقوا أبواب القنصلية اليمنية، لا يجدون سوى ردود محبطة: “التأشيرة الحرة مشكلتك، إمّا تغيّر مهنتك أو تعود إلى اليمن”.

وسط هذا الصمت الرسمي يتفاقم شعور المغتربين بالعزلة، وتتحول الغربة إلى عبء نفسي واقتصادي يهدد بانهيار آلاف الأسر داخل اليمن التي تعيش على تحويلاتهم.

تلاعب

اما الباحث الاقتصادي اليمني مصطفى نصر يرى أن تأشيرات العمل في السعودية تُمنح عادة وفق مهن محددة كـ”عامل بناء” أو “فني كهرباء”، غير أن بعض المؤسسات المصدّرة لهذه التأشيرات لا تلتزم بتوفير فرص العمل الموعودة، ما يضطر العمال للبحث عن بدائل في مؤسسات غير نظامية.

ويضيف نصر في تصريح لـ”يمن ديلي نيوز”: التشديد الأخير من قبل السلطات السعودية على ضوابط منح التأشيرات لم يمنع استمرار بعض حالات التلاعب، حيث يتمكن أشخاص من الدخول بمؤهلات مزيفة أو بكفاءات متواضعة، وهو ما يفاقم من معاناتهم في بيئة العمل.

وأشار نصر إلى أن جوهر المشكلة يكمن في ضعف إعداد الشباب اليمني لسوق العمل الخليجي، موضحًا أن كثيرًا من الوافدين لم يكملوا حتى التعليم الإعدادي، ما يجعلهم محصورين في وظائف منخفضة العائد ومحدودة الأثر الاقتصادي.

وشدد نصر على ضرورة تبني الحكومة اليمنية برامج تأهيل مهني جادة، عبر تفعيل دور المعاهد الفنية والتنسيق مع السعودية لإنشاء مراكز تدريب تعقد دورات متخصصة بشكل دوري كل ستة أشهر لرفع كفاءة العمالة اليمنية.

خلل في التخطيط

في السياق، حمّل الخبير والمستشار الاقتصادي في مكتب رئاسة الجمهورية “فارس النجار”، الحكومة اليمنية مسؤولية تفاقم أزمة العمالة اليمنية في الخارج، مرجعًا جذورها إلى غياب دور الدولة في تنظيم سوق الهجرة.

وقال النجار في تصريح لـ”يمن ديلي نيوز”: “المملكة العربية السعودية استوعبت ملايين اليمنيين ومنحتهم تسهيلات لا تُمنح لغيرهم، المشكلة ليست في الدولة المستقبلة، بل في غياب التخطيط من الجانب اليمني”.

وأضاف: المغتربون لا يعانون من قلة الفرص، بل من انعدام التأهيل المسبق”، موضحًا أن كثيرًا من الشباب يدخلون بتأشيرات عمل دون مهارات، ولا لغة، ولا شهادات، ما يدفعهم للعمل في وظائف هامشية وبأجور زهيدة.

وتابع: “نحتاج إلى نموذج يمني شبيه بتجربة مصر أو الفلبين، حيث تتولى الحكومة إعداد العمالة وتصديرها بشكل مدروس، عبر إنشاء مراكز تدريب بالتنسيق مع وزارة التعليم الفني، واتفاقات مع أكاديميات تدريب دولية، يمكننا تصدير عمالة ماهرة مثل الأطباء، المهندسين، والفنيين”.

وطالب النجار، وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بانتقال عاجل من الغياب إلى الفعل، من الجمود إلى بناء سياسة تصدير عمالة وطنية مدروسة، تدريب، تأهيل، توجيه، وشراكات. مرجحًا ان هذا هو مفتاح التحوّل من أزمة إلى فرصة.

واختتم النجار بتأكيد ضرورة انتقال وزارة العمل من حالة “الغياب والجمود” إلى تبنّي سياسة وطنية مدروسة لتصدير العمالة، قائمة على التدريب والتأهيل والشراكات الدولية، باعتبارها “المفتاح لتحويل الأزمة إلى فرصة”.

الحلم المعلّق

لا يزال احمد يحتفظ بحقيبته مغلقة في زاوية الغرفة، لم يفرغها منذ وصوله، يقول إنه لا يشعر بأنه “وصل” فعلًا، يحلم بيوم يجد فيه عملًا أو يستجمع ما يكفي من مال ليعود إلى قريته دون ديون، لكن الوقت يمر والمصروف يذوب، وأصوات العائلة على الهاتف تتحول من رسائل تفاؤل إلى همسات قلق.

في بلدٍ لم يعد يُنتج غير الخوف، وحكومة لم تعد تمارس غير الغياب، تبقى التأشيرة الحرة عنوانًا لفخاخ كثيرة، والمغترب اليمني يمشي في صحراء بلا ظل، وعلى كتفيه أحلام وطن وأعباء عائلة وقلبه يئن من الغربة وقوانينه.

لقد آن الأوان لتقف الدولة أمام مسؤولياتها، لم يعد الصمت مقبولًا ولا التخاذل مبررًا، يجب أن يُنظَّم ملف الهجرة، وتُكافح تجارة التأشيرات، وتُبنى شراكات واضحة مع دول الجوار تحمي المغتربين وتحفظ كرامتهم، وتعيد للهجرة معناها القديم، “باب نجاة لا مقبرة جماعية للأحلام”.

مرتبط

الوسوم

المغتربين اليمنيين

نسخ الرابط

تم نسخ الرابط


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

الأرصاد تحذر: أمطار رعدية غزيرة ورياح قوية تضرب عدة محافظات اليوم الإثنين

حشد نت | 851 قراءة 

وصفت الخطورة بالعالية.. 4 محافظات يمنية على أعتاب “فيضانات كارثية” ودعوة عاجلة للسلطات لتجهيز إمدادات الطوارئ

الحدث اليوم | 770 قراءة 

استقالة صادمة تهز المؤتمر الشعبي وتقصي نجل صالح عن المشهد

مساحة نت | 672 قراءة 

القبض على 10 يمنيين في السعودية.. وإعلان رسمي بشأنهم

المشهد اليمني | 496 قراءة 

الإطاحة بـ“أبوراس” وفرض “حسين حازب”.. ضغوط حوثية لهيكلة حزب المؤتمر وتعيين قيادة جديدة له

يني يمن | 476 قراءة 

قنبلة علمية من قلب أمريكا.. هذه الدولة وراء صناعة وتصدّير كورونا إلى العالم!

الحدث اليوم | 410 قراءة 

مصدر في المالية :الوزارة استكملت كافة الاجراءات لصرف مرتبات الجيش والأمن

صوت العاصمة | 400 قراءة 

السفير الأمريكي يشيد بعملية نوعية لمكافحة الإرهاب: الحوثيون يثبتون أنهم تجار مخدرات

حشد نت | 385 قراءة 

اعتقال صادم في شبوة: لماذا اقتحمت القوات المشتركة منزل رجل أعمال بارز؟

المشهد اليمني | 342 قراءة 

توجيهات حوثية غير مسبوقة بخصوص علي عبدالله صالح وحزب المؤتمر بصنعاء ومناطق سيطرة الجماعة

المشهد اليمني | 338 قراءة