فيما يشبه التعليق على ندوة محركات السلوك

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 39 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
فيما يشبه التعليق على ندوة محركات السلوك

(الفعل قبل الانفعال، والنظام قبل الكلام، والحاجة قبل الموعظة، والواقع هو المعيار) ق.م

البارحة تابعت ندوة (محركات السلوك بحسب نظريات علم النفس والوعي الزائف) نظمتها وحدة الدراسات النفسية في المعهد العالمي للتجديد العربي وأدارتها الدكتورة/ أ.د. نورية العبيدية رئيسة الوحدة. تحدث فيها كل من: د. وليد علي عبد المجيد، دكتوراه في الفلسفة وتاريخها، ود. سوميه شكري محمد أستاذة علم النفس التربوي المشارك، جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل، وعقب فيها: د. خالد جلال، أستاذ علم النفس المساعد، آداب المنيا، عضو المعهد، ود. عبدالباسط الصادي؛ رئيس مبادرة طور نفسك، المعلم الفعال/ رئيس أكاديمية أوسكار للتدريب والاستشارات التربوية والنفسية. وأنا أتابع الندوة تذكرت بأني أحببت مادة علم النفس منذ سنة أولى جامعة وكنت أحرز فيها أفضل النتائج؛ علم النفس العام وعلم نفس النمو مع الأستاذ علي منصور سنة أولى، وعلم النفس الاجتماعي مع الأستاذة فتحية منقوش سنة ثانية، ثم نظرية التحليل النفسي مع الأستاذ الدكتور نمير العاني سنة رابعة. عرفت نظرية الوراثة والبيئة، والمدرسة السلوكية الأمريكية، وثورانديك والجشطالتية الألمانية، ونظريات التحليل النفسي عند فرويد وجان بياجيه وأريك فروم وأدلر ويانج ولاكان وغيرهم. وبعد التخرج زاد اهتمامي بقراءة كتب علم النفس بما مكنني من تدريس مواد علم النفس العام وعلم نفس النمو ونظرية التحليل النفسي. قرأت معظم كتب فرويد من الطوطم والمحرم وتفسير الأحلام وعقدة أوديب وعسر الحضارة، وقرأت أريك فروم من الهروب من الحرية إلى اللغة المنسية، وقرأت نظرية أدلر في عقدة النقص، وقرأت نظرية الإدراك عند جان بياجيه، ونظرية لاكان جاك في المرآة وتشكيل الشخصية، وغير ذلك من المراجعة النقدية. ربما كان لشغفي في الدراسات النفسية أثرًا في تحفيزي للتخصص في الفلسفة الوجودية، وهي قريبة جدًا من علم النفس، إذ اخترت الكتابة عن الوجود والماهية عند جان بول سارتر بإشراف الأستاذ الدكتور أحمد نسيم برقاوي ١٩٩٥م. في الواقع تبين لي من الخبرة والتجربة أن الفلسفة بوصفها معرفة كلية مجردة يصعب فهمها بدون دراسة علم النفس والعلوم الإنسانية والاجتماعية الأخرى. فعلم النفس يمنحك استبصارات مهمة في فهم الكائن الإنساني على غموضه، ونظرية فرويد في التحليل النفسي رغم كل الانتقادات التي وُجهت لها تعد مدخلاً منهجيًا ومعرفيًا مهمًا لمعرفة الإنسان ويستحيل تجاوزها، كما تعد نظرية إبراهام ماسلو في هرم الحاجات بالغة الحيوية والدلالة. وعلم الاجتماع يضيء السبيل في فهم الديناميات التي تحرك المجتمع، والأنثروبولوجيا العامة والثقافية تنير البصر والبصير على الزوايا الخفية من الظاهرة الاجتماعية. ودراسة التاريخ تمنحك رؤية منهجية عقلانية في فهم الفلسفة، وفي ذلك قيل: إن الفلسفة بلا تاريخ خواء، والتاريخ بلا فلسفة عماء! وهكذا يمكن القول إن المعرفة تكاملية، ومن الخطأ الفادح النظر إلى التخصصات العلمية بوصفها أجزاء منعزلة عن بعضها، أنها روافد الثقافة التي تبقى بعد نسيان كل شيء! ومعنى الثقافة هنا هو ما ترسخ في السلوك عبر الممارسة الاجتماعية المستمرة، أي الثقافة بوصفها هابيتوس بحسب بيير بورديو. الثقافة وصفها نسقًا من الاستعدادات المُكتسبة بالتربية والممارسة الاجتماعية التي تحدد سلوك الفرد ونظرته إلى نفسه وإلى الآخرين والحياة والكون، وهو أشبه ما يكون بطبع الفرد أو بالعقلية التي تسود في الجماعة، لتشكل منطق رؤيتها للكون والعالم. ووفقًا لهذا التصور، يعد «الهابيتوس» جوهر الشخصية والبنية الذهنية المولدة للسلوك والنظر والعمل، وهو في جوهره نتاج لعملية استبطان مستمرة ودائمة لشروط الحياة ومعطياتها عبر مختلف مراحل الوجود، بالنسبة للفرد والمجتمع.

وهذا هو الحال دائمًا: السلوك قبل الوعي، والنظام قبل الكلام، والفعل قبل الانفعال.

فإذا تغيرت الشروط المادية لحياة الناس وتحسنت فرص عيشهم بما يشبع حاجاتهم الأساسية، فربما تتغير أفكارهم وأفعالهم وتفاعلاتهم وأنماط علاقاتهم الاجتماعية وقيمهم وسلوكهم، إذ إن أفكار الناس تنبع من واقع علاقاتهم الاجتماعية في عالم الممارسة اليومية. والسؤال هو: ليس ماذا يفعل الناس ويعتقدون ويقولون؟ بل لماذا يفعلون ما يفعلونه ويقولون ما يقولونه؟! فالتعليم لوحده لا يكفي لقوام السلوك البشري، والدين وحده لا يكفي لصلاح الكائن الإنساني، بل لابد من شروط صالحة للعيش الكريم. وأنا أميل إلى نظرية المدرسة السلوكية في علم النفس التي خلاصتها: أعطني بيئة صالحة للعيش الكريم أعطيك شعبًا سوي السلوك! وحينما لا توجد مرافق صحية في المدارس والجامعات مثلاً؛ من الصعب تعليم التلاميذ والطلاب قيم النظافة، وحينما يُحرم سكان المدينة من خدمات الحياة الأساسية (الغذاء والماء والكهرباء والصحة والتعليم والمواصلات والأمن والأمان) فمن الصعب عليهم التفكير في مستقبل أوطانهم وازدهارها. وهكذا هو الحال دائمًا: الفعل قبل الوعي، والنظام قبل الكلام. وحاجة الناس إلى مثُل عليا للسلوك أكثر من حاجتهم إلى تعاليم ومواعظ أخلاقية أو دينية أو سياسية. والأيديولوجيا تعني أن الناس يفكرون من أقدامهم! والثقافة بالمعنى الأنثروبولوجي هي ما يبقى بعد نسيان كل شيء! بمعنى أن الوعي إذا لم يترسخ في السلوك ويكتسب صفة العادة لا يصمد كثيرًا في مواجهة تحديات الحياة الواقعية، وحينما يتكرر الفعل والسلوك مرات كثيرة يصير عادة، وحينما تترسخ العادة تصير ثقافة. والوعي لوحده لا يغير حياة البشر، وحاجة الناس إلى مثُل عليا للسلوك أكثر من حاجتهم إلى المواعظ والتعاليم والنصائح. والجماعة السياسية التي ترغب في قيادة الناس لا تكلمهم عن ذاتها ونواياها فيما سوف تفعله من أجلهم، بل عليها فعل ذلك بصمت وبلا ضجيج عبر المؤسسات وليس عبر الأشخاص. والناس هم الذين يقومون بتشكيل مؤسساتهم العامة، ثم تقوم هي بتشكيلهم، فكيفما كانت مؤسساتهم يكونون، ولا سحر في التاريخ ولا مصادفة في الطبيعة. لا الأخلاق ولا المواعظ ولا التقوى ولا الدين ولا الثقافة ولا الحب ولا الانتماء ولا النوايا الطيبة يمكنها أن تصنع النظام في أي مكان أو زمان في هذا العالم. النظام والانضباط هو ابن الدولة والقانون الذي ليس له لا قلب ولا عيون! هو سيد الجمع بلا استثناء. ولا وحدة ولا اتحاد ولا اجتماع ولا اندماج بدون مؤسسة دستورية قانونية جامعة وعادلة ومستقرة إلا في قلوب القوى الناعمة فقط. والناس بدون قانون ومؤسسات وعيونهم إلى الأرض أشد فوضى وانحطاطًا من الحيوانات. والأشخاص يأتون ويذهبون بينما المؤسسات هي وحدها التي يمكنها أن تدوم إذا وجد من يتعهدها بالحفظ والحماية والصون والتنمية. والتنوير بدون تنمية محسوسة وملموسة وفاعلة يظل جهدًا مرهقًا في بيئة تشكلت مؤسساتها منذ أقدم العصور. وثمة فرق شاسع بين فقيه عربي نقلي يستند على مؤسسة سياسية ودينية عمرها ١٤٠٠ عامًا، وفيلسوف عقلي ليس لديه من سند غير عقله وثقافته الخاصة في سياق تاريخي ثقافي محاط بالجهل والتجهيل من كل الجهات. الاستئناس بقوى العقل والتفكير في بيئة النقل والتكفير يعد مغامرة غير مأمونة العواقب. ومع ذلك ثمة من لديهم الشجاعة لخوض التجربة. وتلك هي وظيفة المثقف العضوي. وبين السلاطين ووعظهم علاقة هيمنة ظاهرة وخفية يتم تكريسها منذ أقدم العصور؛ علاقة تتعين شفرتها بلسان حال السلطان على النحو التالي: (نحن نحكم الناس بالقهر والطغيان والاستبداد إلى حد جعلهم يكرهون حياتهم)، وأنتم -وعاظ السلاطين- عليكم تقديم لهم العزاء والسلوى وإيعاژهم بأن الحياة الآخرة هي خير وإبقى! وهذا هو سر اندلاع الموجات المتكررة من الحروب الدينية الطائفية التي يندفع إليها الشباب المسلمون برغبة وحماسة منقطعة النظير تحت رايات الجهاد في سبيل الله ومن أجل الفوز بجنات النعيم وبالحور العين. وفي المجتمعات التي تضيق فيها حدود الحرية؛ حرية العقل والضمير تضيق فيها آفاق الخيال والإبداع والتفكير والتعبير، فبدلاً من إطلاق العنان للعقل والخيال فيما ينبغي أن يكون، يرتد اهتمام الناس للتفكير بأعضائهم التناسلية وحاجاتهم البيولوجية والبحث عن سبل إشباعها، إذ يندر أن تجد فيها أشخاصًا طبيعيين يتصرفون ببراءة وعفوية بالاتساق مع سجاياهم الحقيقية، بل تسود ثقافة وقيم الظاهر والباطن، وتزدهر قيم التكلّف والتزلف والنفاق والمراء والمجاملات والكذب والحقد والخيانة والغدر والخديعة والشتم والغيبة والنميمة والحذر وانعدام الثقة والشك والارتياب وسوء الفهم وسوء الظن والفصام وازدواج الشخصية وسرعة التقلب من حال إلى حال، والجمع بين المتناقضين دون الشعور بالتناقض، وصعوبة التنبؤ بسلوك الأفراد وردود أفعالهم. ويمكنك تعداد المزيد من القيم السلبية من واقع حياتك اليومية ومعاشرتك للناس في محيطك الاجتماعي، وحينما تسود تلك القيم السلبية حياة مجتمع من المجتمعات، يصعب أن تجد أحدًا من الأفراد غير متأثر بها بهذا القدر أو ذاك.


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

لحظة الصاعقة القاتلة.. لقاء قائد بارز من أسرة صالح مع شخصية قبلية ارعب جماعة صنعاء

نافذة اليمن | 579 قراءة 

عملية عسكرية محتملة ضد الحوثي.. أقمار صناعية ترصد تحركات أمريكية في الخليج

تهامة 24 | 516 قراءة 

ردا على لقاء القاهرة .. عرض عسكري حو. ثي أمام منزل رجل من ابرز مشائخ اليمن!

صوت العاصمة | 397 قراءة 

ثلاثة مطالب للمبعوث الأممي تصدم الحوثيين وتثير جنونهم

وطن نيوز | 386 قراءة 

مقرب من القيادة السعودية: هذه المحافظه تمثل الوجه المشرق لليمن الجديد

نيوز لاين | 359 قراءة 

الكشف عن عقوبات أمريكية مرتقبة ضد مسؤولين بالحكومة الشرعية قد تصل للملاحقة الأمنية والسجن " تفاصيل "

وطن نيوز | 355 قراءة 

قبائل شمالية تقتحم سجون في وادي حضرموت بقوة السلاح وتفرج عن مطلوبين

عدن تايم | 324 قراءة 

شاهد ظهور ريدان علي عبد الله صالح لأول مرة.. كشف حقيقة لا يعرفها أحد.. هذا ما قاله والده عنه

نيوز لاين | 310 قراءة 

توتر في قاعة أفراح أبناء صالح.. طرد قيادي انتقالي بسبب علم الجنوب

المرصد برس | 309 قراءة 

الحكومة تشمر عن ساعديها لتحطيم مخططات الحوثيين وتعلن عن إجراءات جديدة وحاسمة

وطن نيوز | 272 قراءة