منذ نشأتها في تسعينات القرن الماضي في محافظة صعدة شمال اليمن، بدأت جماعة الحوثي كحركة دينية تحمل توجهات الجارودية الهادوية المتشددة، لكنها سرعان ما تحولت إلى كيان سياسي وعسكري يحمل رؤية إقصائية وعنصرية تجاه اليمنيين الذين لا ينتمون إلى البيت الهاشمي أو المذهب الجارودي الهادوي. إذ لم تكن الجماعة مجرد تيار ديني، بل مشروعًا يهدف إلى الهيمنة والسيطرة عبر فرض هوية طائفية ضيقة تقلل من مكانة القبائل والمكونات الأخرى، لا سيما في المناطق الجنوبية والسنية.
مع مرور الوقت، اتخذ هذا التمييز طابعًا رسميًا عندما استولت الجماعة على مؤسسات الدولة، وبسطت قبضتها بالقوة على مؤسسات الجيش والشرطة والمالية بعد انقلابها على الحكومة الشرعية في 2014. حيث بدأت الجماعة باستخدام موارد الدولة بشكل كامل لخدمة أجندتها الطائفية والعسكرية، ما أدى إلى حرمان ملايين اليمنيين من رواتبهم وخدماتهم الأساسية، وتوقف عمل مؤسسات التعليم والصحة بشكل شبه كامل في مناطق سيطرتها.
اعتمد الحوثيون على فرض ضرائب وجبايات غير قانونية على المواطنين، واستغلال الموانئ والمطارات في تهريب الأسلحة، وتمويل أنشطتهم العسكرية، وهو ما تسبب في تعميق الأزمة الاقتصادية ورفع منسوب الفقر والجوع بين السكان. علاوة على ذلك، طبّقوا سياسات عنصرية مبرمجة تهدف إلى إقصاء غير الهاشميين من الوظائف الحكومية ومراكز القوة، واحتكروا المناصب الأمنية والعسكرية، كما قاموا بحملات اعتقال واحتجاز ممنهجة بحق النشطاء والمثقفين الذين يعارضون توجهاتهم.
لم يقتصر الأمر على التمييز الإداري والسياسي، بل ارتكب الحوثيون انتهاكات جسدية جسيمة، شملت التجنيد القسري للأطفال، والتعذيب، والاعتقالات التعسفية، واستهداف المدنيين والبنى التحتية، واستخدام الحصار كأداة ابتزاز لملايين اليمنيين، وهو ما أدى إلى واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث. فبسبب سياساتهم، تفاقمت المجاعة، وانتشر وباء الكوليرا، وتدهور النظام الصحي بشكل كامل، في وقت كانت الجماعة تسيطر على عمليات وصول المساعدات الإنسانية وتوظفها لخدمة مصالحها الحزبية، مع حرمان شرائح واسعة من السكان من الغذاء والدواء.
ومع تصاعد الحرب طوال عقد كامل، استمر الحوثيون في إدامة نزاعات مسلحة وصراعات داخلية من خلال تهريب الأسلحة وتزويد الجبهات، إضافة إلى استهداف السفن التجارية والعسكرية في البحر الأحمر، وهو تصعيد يهدد أمن الملاحة الدولية ويظهر مدى تورط الجماعة في زعزعة الاستقرار الإقليمي. وداخل اليمن، ظل خطاب الجماعة يكرّس تمييزًا صارخًا ويستهدف القبائل والمكونات غير المنتمية إلى أيديولوجيتهم، مع تشديد القبضة الأمنية وإغلاق مساحة الحريات، ما أودى بالكثير من اليمنيين إلى حياة من الخوف والقهر والحرمان.
على الرغم من الأوضاع الكارثية، لم تبادر الجماعة إلى اتخاذ أي خطوات لتحسين حياة المدنيين أو حماية حقوقهم، بل استثمرت في ترسيخ هيمنتها الأمنية والعسكرية، على حساب مستقبل البلد وشعبه. تحولت مناطق سيطرتهم إلى سجون مفتوحة، تشهد فقرًا مدقعًا وتراجعًا حادًا في الخدمات الأساسية، وسط انتشار لإرهاب الدولة الذي تفرضه عبر أجهزتها الأمنية.
إن ما يحدث في اليمن اليوم من مجاعة وانهيار إنساني وأمني، هو نتاج مباشر لسياسات الحوثيين التي استغلت الدولة وأدواتها كلها كوسائل قمع وعنصرية، وحولتها إلى أدوات حرب وحصار داخلي ممنهج يستهدف تقليل قيمة اليمني الذي لا يتبع مشروعهم الضيّق. هذا الواقع المرير يتطلب تحركًا دوليًا عاجلًا لمحاسبة هذه الجماعة ووقف سيطرتها التي تهدد ليس فقط اليمن بل استقرار المنطقة بأكملها، وفرض حلول سياسية عادلة تضمن كرامة وحياة حرة لجميع اليمنيين دون تمييز أو ظلم.
صلاح يحيى الجند
تعليقات الفيس بوك
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news