المثقف حين يضع الفلتر ويبتسم

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 111 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
المثقف حين يضع الفلتر ويبتسم

كانوا يُسمّونه “المثقف العضوي” يربي نتفاً من الفقر والكآبة على هامش مجتمعه، لا يكتب ليُتابَع بل ليُحاكَم .. ثم جاءت الخوارزميات ومسحت الطباشير من على السبورة وحولت القلم إلى “مايك لافاليير”، والوعي إلى “مشاهدات”.

يُقال إن الكاتب ابن بيئته، لكن الكاتب الجديد ابن خوارزميته .. لم يعد الكاتب يكتب لأنه لا يستطيع ألّا يكتب بل يكتب لأنه يجب أن ينشر كل اثنين وخميس في تمام التاسعة مساءً.

أصبح الكاتب أشبه بمؤثر صحي يتحدث عن فلسفة هايدغر عبر تطبيق مونتاج، وفي الخلفية موسيقى إلكترونية وحركات نصية من نمط: “لن تصدق ما قاله هوسرل عن الإدراك!”

ما عاد المثقف يحتج بل يشرح .. يفسر لنا العدالة وهو يبتسم .. يخبرنا عن البنى التحتية للرأسمالية وهو يرتدي قميصاً بلا أكمام .. يخوض في الجندر والاستلاب الوجودي عبر بث مباشر يتخلله سؤال من متابع : “تنصحني بأي كتاب أبدأ؟”

هذا لم يعد زمن المقالة بل زمن “الكاروسيل” .. لا مكان للاستطراد، لا وقت للسخرية المبطنة، لا مجال للغوص في تشابك المعنى .. فقط نقاط واضحة، خمس صور متتابعة، وعبارة ختامية تقول: “احفظ المنشور وشاركه مع أصدقائك”.

كل شيء أصبح سهل الهضم، سهل الترويج .. حتى التهكم، صار له فلتر. صار الكاتب يقدم نقداً جذاباً يشبه علب الشوكولاتة الدايت .. السخرية لم تعد مكراً بل منتجاً بصرياً.

أصبح الكاتب يراعي “التفاعل” .. لا يسأل “هل فهموني؟” بل “هل حفظوا المنشور؟” .. صارت غايته أن يدخل قوائم الأكثر تداولاً.

في الماضي كان المثقف يُحرَق كتابه، أو يُحرَق هو مع كتابه، واليوم يُطلب منه أن يصمم نسخة “PDF قابلة للمشاركة على الواتساب”.. صار النجاح أن يُقتبس كلامه في فيديو تحفيزي، تُرفق به موسيقى حزينة وصور ريترو، بعنوان: “كلام سيغير حياتك”.

شيئاً فشيئاً صار الكاتب محتوى، وصار المحتوى مهدئاً بدلاً من أن يكون صاعقاً .. لم يعد السؤال: ماذا يقول؟ بل: كم عدد المشاهدات؟ .. لم تعد الجملة “صادمة” لأنها تزعزع التصور، بل لأنها مكتوبة بخط غريب على خلفية متحركة.

الكاتب الجديد لا يموت بالسُّل أو ينفى إلى سمرقند .. يموت من ضغط الخوارزمية، من ضرورة النشر المنتظم، من خوفه أن ينساه المتابعون بعد ثلاثة أيام .. إنه لم يعد كاتباً بل “مزود محتوى معرفي”، موظف غير رسمي في مكاتب وعي العالم الرقمي.

ولأن السوق لا يرحم، فقد صارت كل جملة تُقاس بمدى قابليتها للتحويل إلى “نصيحة سريعة”، وكل فكرة تُحاصر بين قوسي “إنفوغرافيك” .. وحتى الغضب ذلك الوقود القديم للكتابة صار يُعاد تدويره في شكل منشور “يعبر عن رأيك دون أن تخسر أصدقاءك”.

هل ما يزال ثمة من يكتب ليصطدم لا ليُصفق له؟ ربما، لكنه مدفون تحت بحر من مقاطع الريلز، منشورات اللطافة، وصور الفلاتر الوجودية.

إنه يكتب هناك .. في الزاوية، يلعن الخوارزمية، ويقول لنفسه: “هذا ليس زمننا… لكنه زمن نحتاج أن نلعنه كتابةً”.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

الزبيدي رئيسا للجمهورية اليمنية المعترف بها دوليا

مراقبون برس | 600 قراءة 

حزمة قرارات رئاسية بتغييرات وزارية وعسكرية في اليمن

مراقبون برس | 527 قراءة 

إحباط عملية تهريب في مطار عدن: ضبط طرد يحتوي على مفاجأة ضخمة والقبض على شخصين

نيوز لاين | 414 قراءة 

محافظة يمنية مهملة تغرق بالنفط ولم يتم التنقيب فيها وتم اكتشافه قبل أكثر من مائة عام .. تفاصيل

يمن فويس | 402 قراءة 

طارق صالح يطلق هذا التحذير الهام بعد حراك سياسي مع السفراء !

يمن فويس | 349 قراءة 

هؤلاء المسؤوليين يقهرون ملايين اليمنيين بعمل خسيس وصادم

نيوز لاين | 304 قراءة 

السقلدي يوجه رسالة إلى الشنفرة مؤكداً أن الوطن أكبر من فلة

شمسان بوست | 210 قراءة 

اندلاع مواجهات عنيفة مع مليشيا الحوثي في تعز والكشف عن حصيلتها

المشهد اليمني | 208 قراءة 

مقرب من الرئاسي يكشف عن قرارات مرتقبة بتغييرات وزارية وعسكرية بإجماع مجلس القيادة الرئاسي

موقع الأول | 186 قراءة 

شرطة عدن تضبط سائق باص حاول اختطاف فتاة بالشيخ عثمان

الوطن العدنية | 171 قراءة