المثقف حين يضع الفلتر ويبتسم

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 135 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
المثقف حين يضع الفلتر ويبتسم

كانوا يُسمّونه “المثقف العضوي” يربي نتفاً من الفقر والكآبة على هامش مجتمعه، لا يكتب ليُتابَع بل ليُحاكَم .. ثم جاءت الخوارزميات ومسحت الطباشير من على السبورة وحولت القلم إلى “مايك لافاليير”، والوعي إلى “مشاهدات”.

يُقال إن الكاتب ابن بيئته، لكن الكاتب الجديد ابن خوارزميته .. لم يعد الكاتب يكتب لأنه لا يستطيع ألّا يكتب بل يكتب لأنه يجب أن ينشر كل اثنين وخميس في تمام التاسعة مساءً.

أصبح الكاتب أشبه بمؤثر صحي يتحدث عن فلسفة هايدغر عبر تطبيق مونتاج، وفي الخلفية موسيقى إلكترونية وحركات نصية من نمط: “لن تصدق ما قاله هوسرل عن الإدراك!”

ما عاد المثقف يحتج بل يشرح .. يفسر لنا العدالة وهو يبتسم .. يخبرنا عن البنى التحتية للرأسمالية وهو يرتدي قميصاً بلا أكمام .. يخوض في الجندر والاستلاب الوجودي عبر بث مباشر يتخلله سؤال من متابع : “تنصحني بأي كتاب أبدأ؟”

هذا لم يعد زمن المقالة بل زمن “الكاروسيل” .. لا مكان للاستطراد، لا وقت للسخرية المبطنة، لا مجال للغوص في تشابك المعنى .. فقط نقاط واضحة، خمس صور متتابعة، وعبارة ختامية تقول: “احفظ المنشور وشاركه مع أصدقائك”.

كل شيء أصبح سهل الهضم، سهل الترويج .. حتى التهكم، صار له فلتر. صار الكاتب يقدم نقداً جذاباً يشبه علب الشوكولاتة الدايت .. السخرية لم تعد مكراً بل منتجاً بصرياً.

أصبح الكاتب يراعي “التفاعل” .. لا يسأل “هل فهموني؟” بل “هل حفظوا المنشور؟” .. صارت غايته أن يدخل قوائم الأكثر تداولاً.

في الماضي كان المثقف يُحرَق كتابه، أو يُحرَق هو مع كتابه، واليوم يُطلب منه أن يصمم نسخة “PDF قابلة للمشاركة على الواتساب”.. صار النجاح أن يُقتبس كلامه في فيديو تحفيزي، تُرفق به موسيقى حزينة وصور ريترو، بعنوان: “كلام سيغير حياتك”.

شيئاً فشيئاً صار الكاتب محتوى، وصار المحتوى مهدئاً بدلاً من أن يكون صاعقاً .. لم يعد السؤال: ماذا يقول؟ بل: كم عدد المشاهدات؟ .. لم تعد الجملة “صادمة” لأنها تزعزع التصور، بل لأنها مكتوبة بخط غريب على خلفية متحركة.

الكاتب الجديد لا يموت بالسُّل أو ينفى إلى سمرقند .. يموت من ضغط الخوارزمية، من ضرورة النشر المنتظم، من خوفه أن ينساه المتابعون بعد ثلاثة أيام .. إنه لم يعد كاتباً بل “مزود محتوى معرفي”، موظف غير رسمي في مكاتب وعي العالم الرقمي.

ولأن السوق لا يرحم، فقد صارت كل جملة تُقاس بمدى قابليتها للتحويل إلى “نصيحة سريعة”، وكل فكرة تُحاصر بين قوسي “إنفوغرافيك” .. وحتى الغضب ذلك الوقود القديم للكتابة صار يُعاد تدويره في شكل منشور “يعبر عن رأيك دون أن تخسر أصدقاءك”.

هل ما يزال ثمة من يكتب ليصطدم لا ليُصفق له؟ ربما، لكنه مدفون تحت بحر من مقاطع الريلز، منشورات اللطافة، وصور الفلاتر الوجودية.

إنه يكتب هناك .. في الزاوية، يلعن الخوارزمية، ويقول لنفسه: “هذا ليس زمننا… لكنه زمن نحتاج أن نلعنه كتابةً”.

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

خالد سلمان يكشف عن زلزال عسكري قادم نحو تعز والبيضاء.. وساعات لحسم مصير محور الجبولي

نافذة اليمن | 868 قراءة 

اليمن مات. وهذا ما سيحلّ مكانه!

الوطن العدنية | 788 قراءة 

اول ضربة جوية على قوات الانتقالي بوادي حضرموت (تفاصيل)

مراقبون برس | 620 قراءة 

إعلان رسمي: أول مدينة في اليمن تحظر السلاح وتتوعد المخالفين بالعقوبات

نيوز لاين | 603 قراءة 

هل اكتشفت الرياض أن قوات الدرع التي بنتها غير جاهزة للمواجهة؟

الوطن العدنية | 449 قراءة 

حسين الجسمي يستفز الشعب اليمني.. اكتشف القصة

المشهد اليمني | 439 قراءة 

شرطاً جديداً يفرضه منفذ الوديعة على المغتربين اليمنيين

يمن فويس | 426 قراءة 

باسندوة: أتمنى الموت قبل أن أرى تقسيم اليمن

قناة المهرية | 374 قراءة 

رئيس الوزراء الأسبق ‘‘باسندوة’’ يخرج عن صمته ويعلن موقفه من سيطرة الانفصاليين على حضرموت والمهرة: أتمنى الموت قبل أن أرى هذا الأمر!!

المشهد اليمني | 328 قراءة 

تمنى الموت.. رئيس الوزراء الاسبق باسندوة يعلن موقفه من الانفصال في اليمن

كريتر سكاي | 284 قراءة