في مأرب اليمنية.. ريادة الأعمال تمنح النساء غير المتعلمات فرصة لحياة أفضل

     
يمن ديلي نيوز             عدد المشاهدات : 44 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
في مأرب اليمنية.. ريادة الأعمال تمنح النساء غير المتعلمات فرصة لحياة أفضل

أعد التقرير لـ”يمن ديلي نيوز” سلمان الربيعي:

في مخيم الجفينة المترامي الأطراف بمأرب اليمنية، حيث تتشابك خيام النازحين المثقلة بالأوجاع، وجدت مشيرة حزام، الأم لستة أطفال، نفسها وحيدة في مواجهة قسوة الحياة بعد أن غيّب شبح الحرب زوجها، تاركًا إياها مسؤولة عن إعالة أسرة تكابد مرارة النزوح وشظف العيش.

“عندما فقدت زوجي، لم يكن أمامي خيار سوى البحث عن سبيل لإطعام أطفالي، لكن يدي كانت خالية من أي حرفة أو علم أنتفع به”، تتذكر مشيرة بتأثر.

لم تجد مشيرة سوى مهنة صناعة العطور والبخور، الموروثة جزئيًا من تراثها المحلي، لتتعلم أصولها من جارتها.

البداية لم تكن مفروشة بالورود – تقول مشيرة لـ”يمن ديلي نيوز” – فقد واجهت صعوبات جمة في إدارة مشروعها الصغير، حيث كانت تجهل أبسط قواعد الحساب والتحكم في المصاريف، مما عرقل تقدمها.

مع استمرار الحرب في اليمن لعقد من الزمن، يجد الآلاف من الناس أنفسهم مضطرين لترك منازلهم كل بضعة أعوام أو أشهر أو حتى أسابيع. هذا النزوح المستمر دفع أكثر من أربعة ملايين يمني إلى البحث عن مأوى آمن.

في مأرب، التي تُعد أكبر مركز للنازحين داخليًا في اليمن، تستضيف المحافظة أكثر من مليوني نازح وفق ماتقوله الحكومة اليمنية، تُعد النساء الفئة الأكثر ضعفًا في هذا الواقع القاسي.

مثل مشيرة، هناك آلاف النساء النازحات في مأرب اللائي يعانين من الأمية وانعدام الفرص.

وتشير الإحصائيات إلى وجود 6,160 بحاجة لتمكينهن من العمل، للمساهمة في إعالة أسرهن، وبحاجة لفرص تعليم لتتمكن من الحصول على عمل يحقق لها الاستقلال المالي.

مبادرة تمكين الخريجات

في ديسمبر 2024 أطلقت مجموعة من النساء في مأرب مبادرة لتمكين خريجات “برامج محو الأمية” من تأسيس مشاريع صغيرة، تمنحهن فرصة لتحسين أوضاعهن المعيشية وتعزيز استقلالهن الاقتصادي.

توضح أروى الرمال، المدير التنفيذي لمؤسسة فتيات مأرب، وهي منظمة غير حكومية تأسست عام 2016 أن المبادرة التي أطلقتها المؤسسة جاءت لتلبية احتياجات ملحة للنساء اللواتي يعانين الأمية ويجدن أنفسهن مضطرات لإعالة أسرهن في ظل نقص فرص العمل والدخل نتيجة تداعيات الحرب والانهيار الاقتصادي.

ما دفع العديد منهن إلى محاولة تحسين أوضاعهن المعيشية من خلال إنشاء مشاريع صغيرة. ومع ذلك، شكّلت قلة الخبرة والتدريب عائقاً أمام نجاح تلك المشاريع.

تضيف الرمال لـ”يمن ديلي نيوز”: تقدمت للمشروع 135 سيدة، منهن 70 سيدة ممن تنطبق عليهن الشروط والمعايير، تضمن هذه الشروط أن تكون من معيلات الأسر، خضعن للمقابلات الشخصية، ليتم اختيار 30 مشاركة تم تدريبهن على المهارات الحياتية، إدارة المشاريع الصغيرة، التسويق، والتخطيط المالي، وبعد إتمام الدورة التدريبية، تحصل كل مشاركة على دعم مالي يُقدر بنحو 300 دولار كتمويل أولي يساعدهن على إطلاق مشاريعهن الصغيرة. مما يحقق لهن استقلالًا اقتصاديًا ويسهم في تحسين ظروفهن المعيشية. كما يتم منح المشاركات شهادات تدريبية.

قالت أروى الرمال، إن التركيز على النساء دون الرجال في المبادرات التنموية بالمحافظة يأتي نتيجة للظروف الاستثنائية التي تواجهها النساء، خاصة في ظل النزوح والصراعات التي أثرت بشكل مباشر على الفئات الأكثر ضعفًا ويشكلن غالبية المعيلات للأسر النازحة.

وأضافت: مع غياب الفرص الوظيفية والدعم الكافي، أصبحت المشروعات الصغيرة وسيلة حيوية لتمكينهن اقتصاديًا وتعزيز دورهن في المجتمع. لذلك، فإن التركيز عليهن في هذه المبادرات يعكس التزامنا بمعالجة الفجوات الهيكلية التي تؤثر على تمكينهن بشكل أكبر مقارنة بالرجال، الذين غالبًا ما تتوفر لهم فرص بديلة”.

بعد التدريب

قبل انضمامها للبرنامج، كانت مشيرة تمارس صناعة العطور والبخور بشكل محدود وغير منظم، تفتقر إلى المعرفة بكيفية إدارة مشروع أو تحديد الأسعار، ولكن بعد خضوعها للتدريب، اكتسبت مهارات أساسية في إدارة الأعمال، بما في ذلك كيفية التخطيط المالي، والتسويق لمنتجاتها، والتفاوض مع الموردين والزبائن. وتعلمت كيف تقدر قيمة عملها وكيف تسعر منتجاتها بشكل يضمن لها الربح والاستدامة.

بدأت مشيرة بتسويق منتجاتها من العطور والمخمريات والبخور في مراكز التحفيظ والمدارس، مستهدفة المعلمات والزميلات كمستهلكات محتملات، وتوسّعت شبكة زبائنها، وأصبح البعض يأتون إلى منزلها مباشرة لشراء المنتجات.

تقول “مشيرة” إن مستوى المبيعات يرتبط بشكل مباشر بظروف الزبائن الاقتصادية، مضيفةً: “إذا في مع الناس رواتب، أبيع أكثر من ثلاثين حبة في الشهر.” أشعر أنني أصبحت أعمل بشكل أفضل من بعض الأشخاص الذين يعملون في نفس المجال.

وفرت مشيرة جزءًا من الدخل لتطوير عملها، والباقي خصصته لمصروف أولادها واحتياجات المنزل، ولكن بعد حصولها على التمويل من المؤسسة البالغ 300 دولار أمريكي طوّرت مشيرة من مشروعها بإضافة منتجات جديدة مثل السدر والهرد إلى جانب العطور والبخور والمخمريات.

لم تكن مشيرة الوحيدة التي استفادت من هذه المبادرة ،أديبة، إحدى المستفيدات الأخريات شاركت تجربتها التي عكست أهمية هذه المبادرة في تغيير حياة النساء النازحات.

تقول أديبة: “قبل انضمامي إلى الدورة، كنت أتعامل مع البيع والشراء بطريقة تقليدية دون أن أفهم الكثير عن إدارة المال أو حساب الأرباح والخسائر. كنت أعمل بلا تخطيط أو رؤية واضحة. لكن بعد حضوري دورة التمكين، تغير كل شيء.

تضيف لـ”يمن ديلي نيوز”: تعلمت كيفية تسجيل مالي بشكل دقيق، وحساب الأرباح والخسائر، ووضع خطة واضحة لتطوير عملي. هذه المهارات جعلتني أكثر ثقة بقدرتي على اتخاذ القرارات التجارية والتخطيط للمستقبل.”

تحول جذري

يقول الخبير الاقتصادي الدكتور عمر الشامي إن هذه المبادرة تمثل تحولًا جذريًا يتجاوز محو الأبجدية، مُحدثةً أثرًا اجتماعيًا واقتصاديًا عميقًا على المستويين الفردي والمجتمعي. فمن خلال التدريب المهني وريادة الأعمال، تعزز النساء دخلهن واستقلاليتهن، مما ينعكس إيجابًا على جودة حياتهن ودورهن في صنع القرارات الأسرية والمجتمعية.

ويرى الدكتور الشامي في حديثه لـ”يمن ديلي نيوز” أن المشروعات الصغيرة التي تبادر بإنشائها هؤلاء الخريجات، سواء في الحرف اليدوية أو الخدمات المتنوعة، تساهم بفعالية في تنويع القاعدة الاقتصادية وتوفر فرصًا بديلة للدخل، وتقلل الاعتماد على المساعدات، وتحفز أيضًا النشاط الاقتصادي المحلي من خلال تدوير الأموال داخل المجتمع، وتعزز الاندماج المجتمعي والصمود الاقتصادي، خصوصًا في المناطق التي تواجه أزمات كالنزوح، وهو أمر بالغ الأهمية في ظل صعوبة الاستيراد.

كما أنها تمنح النازحات – يقول الشامي – فرصة لإعادة الاستقرار المادي والمعنوي، وتعزز مشاركة المرأة وتمكينها الاقتصادي. فالمشاريع الصغيرة التي تقودها النساء تحمل في طياتها إمكانات هائلة لتحفيز الاقتصاد المحلي على المدى الطويل، وذلك من خلال جذب الاستثمار الخارجي كنتيجة لنجاح النماذج الملهمة، وتعزيز الثقة في المبادرات المحلية، مما يفتح الباب أمام المزيد من الدعم والتمويل.

ولتوسيع أثر هذه المبادرات وضمان نجاحها المستدام، يقدم الدكتور الشامي نصائحه للجهات المانحة والحكومية، مؤكدًا على أهمية إشراك المستفيدين في مشاريع مشتركة لتعزيز التماسك الاجتماعي وتقليل التوترات، حيث يساهم التمكين الاقتصادي بشكل مباشر في الحد من الصراعات وبناء السلام، ويعيد إحياء الروح المجتمعية وقيم التعاون.

كما يقترح على الحكومات توفير تسهيلات ضريبية وجمركية، وإنشاء حاضنات أعمال تقدم التدريب والإشراف، وتخصيص منح وقروض ميسرة وتبسيط التراخيص.

ويدعو الشامي المنظمات الدولية إلى تمويل برامج التدريب المهني، ودعم شبكات توزيع المنتجات، وتوفير منصات للتمويل الجماعي وتعزيز الشراكات مع المنظمات المحلية.

وقال: ريادة الأعمال تمثل الخيار الأمثل لتمكين النساء غير المتعلمات لما تتمتع به من مرونة تتناسب مع ظروفهن، وعدم اشتراط التعليم الرسمي للاعتماد على المهارات الحرفية، وتمكينهن من تملك القرار الاقتصادي وتحقيق الاستقلالية، وتغيير الصورة النمطية لدورهن في التنمية، وملاءمتها للبيئة اليمنية التي تشهد محدودية في فرص العمل التقليدية.

تبعات قرار ترامب

واجهت المبادرة تحديًا كبيرًا تمثل في قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الصادر في 20 يناير/كانون الثاني 2025، بتعليق تمويل المساعدات الخارجية لمدة 90 يومًا، وهو القرار الذي انعكس مباشرة على تمويل مشروع تمكين النساء، حيث كانت المبادرة تُنفذ بدعم من الملحقية الثقافية والإعلامية الأمريكية.

تزامن وقف التمويل مع نهاية تدريب المجموعة الأولى، فيما كانت المرحلة الثانية على وشك الانطلاق.

أمام هذا الوضع الطارئ، اختارت المؤسسة الاستمرار في تنفيذ البرنامج التدريبي، رغم الصعوبات، دون تقديم الدعم المالي المعتاد للمشاركات. موضحة للمجموعة الثانية أن المبالغ المالية المرتبطة بالمشروع ستتأخر بسبب توقف التمويل، مؤكدة التزامها بصرف المستحقات في حال استئناف الدعم مستقبلاً.

وللتغلب على غياب التمويل، لجأت المؤسسة إلى حلول بديلة، منها استخدام مقرها الخاص بدلًا من استئجار قاعة خارجية، واستمرار بعض المدربين في العمل. ساهمت هذه التدابير في تقليص التكاليف وتدريب 15 مشاركة إضافية ضمن المجموعة الثانية.

يؤكد الأخصائي الاجتماعي عيبان صبر إن مبادرة تمكين خريجات برامج محو الأمية في مأرب تمثل خطوة فارقة في تغيير واقع النساء إذ تفتح لهن أبوابًا جديدة للانخراط الاجتماعي والاقتصادي.

ولفت إلى أن المشاريع الصغيرة لا تخلق فقط مصدر دخل، بل تعيد تشكيل موقع المرأة داخل الأسرة والمجتمع، وتُكسِر الصورة النمطية للنساء غير المتعلمات.

ويرى صبر أن الأثر الاجتماعي العميق لهذه المبادرات يكمن في قدرتها على خلق نماذج ناجحة من النساء يُحتذى بها داخل المجتمع المحلي، ما يغيّر نظرة المجتمع من الشفقة إلى التقدير. ويضيف: “حين ترى الأسرة أن ابنتها أصبحت منتجة وتحظى باحترام، تتغير مواقفها بشكل تلقائي.”

ورغم التقدم، يشير صبر في حديثه لـ”يمن ديلي نيوز” إلى تحديات حقيقية أبرزها القيود الثقافية والقبلية، والخوف من فشل التجربة. ويؤكد أن التغلب على هذه التحديات يتطلب تدخلًا مجتمعيًا ذكيًا من خلال حملات توعية، وبناء شبكات دعم نفسي ومهني، وربط النساء بتجارب ملهمة، لضمان استمرارية هذا التحول الاجتماعي.

في بيئة تعاني من شح الموارد والاضطرابات المستمرة، استطاعت مشيرة أن تبدأ من لا شيء، وتشق طريقها نحو الاستقلال والعمل المنتج. “أنا بدأت من الصفر، بس اللي عندها إرادة، بتقدر تغيّر حياتها… المهم تلقى الفرصة وتتمسك بها.” اختتمت حزام حديثها.

مرتبط

الوسوم

محافظة مأرب

مخيمات النازحين في مارب

نسخ الرابط

تم نسخ الرابط


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

عاجل: انفجارات عنيفة تهز هذا المكان الآن

جهينة يمن | 735 قراءة 

قرار رسمي بنقل مؤسسة ضمان الودائع من صنعاء إلى عدن لتعزيز الرقابة المصرفية

حشد نت | 590 قراءة 

عاجل : تغيير جديد ومفاجئ في اسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الصعبة "مباشر من محلات الصرافة "

جهينة يمن | 546 قراءة 

عاجل : انفجار الوضع عسكرياً في مأرب " اشتباكات عنيفة بين الحوثيين والجيش وسقوط قتلى وجرحى"

جهينة يمن | 544 قراءة 

عاجل : البنك المركزي في عدن يفاجئ الجميع ويتخذ هذا القرار ضد الحوثيين "النص"

جهينة يمن | 486 قراءة 

الرئيس الزُبيدي يحسم الموقف في شبوة ويصدر توجيهات حاسمة لقوات الدفاع

عدن تايم | 470 قراءة 

طائرة إيرانية هجومية تحلق في سماء محافظة يمنية.. والدفاعات الجوية تسقطها

المشهد اليمني | 450 قراءة 

تغير جديد ومفاجئ في اسعار صرف الريال اليمني مقابل الدولار والريال السعودي

نيوز لاين | 375 قراءة 

عاجل:عيدروس الزبيدي يتحرك بشأن قضية الدكتورة ليلى

كريتر سكاي | 359 قراءة 

السفارة الأمريكية تتفاعل مع هاشتاج #عبدالملك_الحوثي_كذاب بعد ضبط شحنة أسلحة إيرانية ضخمة

حشد نت | 341 قراءة