سبتمبر نت/ تقرير- توفيق الحاج
تتكرر تحذيرات الخبراء العسكريين والمحللين الاستراتيجيين بضرورة تبني استراتيجية جذرية لمواجهة خطر مليشيا الحوثي الإرهابية المتصاعد والتوجه الجاد الى دعم الحكومة الشرعية وقواتها المسلحة للسيطرة على الأرض خصوصا وان التجارب السابقة تؤكد ان الضربات الجوية ليست كافية ولا مجدية لاستئصال خطر المليشيا وتهديداتها للملاحة الدولية والتجارة العالمية.
ففي ظل تزايد المؤشرات حول اقتراب اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، يأتي تصعيد مليشيا الحوثي الارهابية ضد الملاحة العالمية ليقلب الطاولة ويعيد التصعيد إلى الواجهة، ما يؤكد أن جغرافيا الصراع لم تعد محصورة في حدود البر، بل تمددت إلى البحر، لتغدو السواحل اليمنية ساحة ملتهبة لصراعات تتجاوز حسابات الداخل اليمني، وتخضع لتوازنات إقليمية ودولية معقدة.
ففي الوقت الذي نفذت فيه 20 طائرة مقاتلة إسرائيلية هجوما واسعا على مواقع حيوية في مدينة الحديدة، أُطلق خلاله 56 صاروخا وقذيفة استهدفت موانئ ومحطات توليد الكهرباء، في المقابل، شنّت مليشيا الحوثي هجومًا على عدد من السفن في البحر الأحمر، كان أبرزها السفينة «ماجيك سيز»، التي تعرضت لهجوم صاروخي قبالة سواحل الحديدة في البحر الأحمر، في تصعيد جديد يهدد الملاحة الدولية في المنطقة, وأعلنت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية أن المسلحين، على متن قوارب صغيرة، هاجموا السفينة باستخدام قذائف صاروخية وأسلحة خفيفة، على بعد 51 ميلاً بحرياً جنوب غربي ميناء الحديدة.
الهيئة أشارت إلى أن طاقم السفينة غادرها عقب تسرب المياه إلى داخلها نتيجة الهجوم, وذكرت شركة «أمبري» للأمن البحري أن السفينة أصيبت في هجومين بواسطة طائرتين بحريتين مسيّرتين، ما ألحق أضراراً بحمولتها، بينما تم التصدي لهجومين آخرين بمسيّرتين إضافيتين.
وأوضحت «أمبري» أن السفينة المستهدفة، وهي يونانية وتحمل علم ليبيريا، تنطبق عليها المعايير التي أعلن الحوثيون أنها أهداف مشروعة، ضمن تهديداتهم المتكررة للملاحة في البحر الأحمر.
الهجوم يسلط الضوء على تصاعد خطورة العمليات التي تستهدف السفن التجارية في هذه المنطقة الاستراتيجية، ويعكس استمرار استخدام مليشيا الحوثي الإرهابية لوسائل هجومية متقدمة في إطار التصعيد الإقليمي المرتبط بإيران.
وحذّرت عمليات البحرية البريطانية في وقت سابق سفن الشحن التجاري من الاقتراب من الموانئ الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي، نظراً للمخاطر الأمنية المرتفعة, وفي بيان لها، نبهت الهيئة السفن المتجهة إلى موانئ رأس عيسى، الصليف، والحديدة، إلى أن أي ضربة جديدة محتملة قد تطال أهدافاً في هذه المناطق، وقد تتسبب بأضرار جانبية جسيمة للسفن المتواجدة في الموانئ أو بالقرب منها.
ورغم ما وصفته بانخفاض مستويات التهديد المبلّغ عنها في منطقة الخليج، دعت الهيئة جميع السفن إلى توخي أقصى درجات الحذر في محيط هذه الموانئ التي سبق أن تعرضت لهجمات خلال الفترة الماضية.
تهديد التجارة العالمية
وقد أدانت الحكومة بأشد العبارات، الهجمات الإرهابية المستمرة التي تنفذها مليشيا الحوثي الارهابية ضد السفن التجارية في البحر الأحمر، والممرات المائية، بالنيابة عن النظام الايراني، ومشروعه التخريبي في المنطقة.
وأكدت الحكومة، في بيان لها، إن هذه الهجمات الإجرامية التي تتبناها المليشيات الحوثية علنا، تشكل تهديدا خطيرا للأمن البحري، وتندر بكوارث بيئية مدمرة، داعية المجتمع الدولي وفي طليعته مجلس الأمن والأمم المتحدة إلى اتخاذ اجراءات حازمة ضد هذا السلوك العدائي.
وشددت الحكومة، على أن نجاح أي جهود لإنهاء التهديد الحوثي الإرهابي، مرهون بدعم الحكومة العضو في الامم المتحدة، وقواتها المسلحة من اجل استعادة، مؤسسات الدولة، وتمكينها من بسط سيادتها على كامل ترابها الوطني.
وحمل البيان المليشيا الحوثية، والنظام الايراني، كامل المسؤولية عن التبعات الاقتصادية والبيئية والإنسانية الناجمة عن هذا التصعيد الارهابي، الذي من شأنه تعميق المعاناة، وإعاقة وصول المساعدات الإنسانية، وتدفق السلع الأساسية التي تشتد إليها حاجة الملايين من شعوب المنطقة، فضلا عن عسكرة المياه، الإقليمية، وتعريض اليمن، وبناه التحتية لمزيد من الخراب.
وجدد البيان التزام الحكومة بالسلام العادل والشامل وفقا لمرجعياته الوطنية والإقليمية والدولية، لافتا إلى أن نجاح أي جهود لإنهاء التهديد الحوثي الإرهابي، مرهون بدعم الحكومة العضو في الأمم المتحدة، وقواتها المسلحة من أجل استعادة، مؤسسات الدولة، وتمكينها من بسط سيادتها على كامل ترابها الوطني.
إعادة تموضع
ويتوقع خبراء بانفجار الوضع وعودة الغارات الأمريكية والإسرائيلية لتدمير البنى التحتية للشعب اليمني المدمرة أساسا, بدعوى الرد على مهاجمة مليشيا الحوثي الإرهابية إسرائيل والملاحة العالمية, والذي تأتي بعد التحركات الحوثية المكثفة ونقلها للأسلحة ومنصات الصواريخ, حيث أكدت مصادر عسكرية أن مليشيا الحوثي تقوم بإعادة تموضع ونشر منصات إطلاق صواريخ قرب الممرات البحرية، إلى جانب المسيرات، وفي مواقع جديدة تحديدًا قرب باب المندب وخليج عدن.
كما أوضحت المصادر أن خطة إعادة التموضع بعد الضربات الأمريكية شملت نقل ورش تصنيع من صنعاء والحديدة إلى مواقع جديدة، منها مواقع قديمة في محافظات ذمار وإب ومناطق سيطرة المليشيا في تعز.
بالإضافة الى نقل صواريخ ومنصات إطلاق إلى مديرية الحُشاء غرب الضالع وجبل وعِل شرق محافظة تعز، وهو الموقع الذي رُصد منه إطلاق صاروخ فجر السبت باتجاه البحر الأحمر، لكنه اعترض قبل مغادرته الأراضي اليمنية.
نقل أسلحة ومنصات
وأكدت المصادر أن الحوثيين أعادوا تأهيل موقع عسكري قديم في جبل وعل، وحفروا نفقًا بطول كيلومتر تقريبًا لتخزين الصواريخ والمسيرات وإخفاء منصات الإطلاق, كما جرى نقل منصات إلى جنوب شرق إب، تحديدًا منطقة مَيْتَم، حيث يوجد معسكر الحمزة التابع سابقًا للحرس الجمهوري.
وبحسب تحليل نشره موقع «أويل برايس» الأميركي، فإن الأنظار تتجه جنوبًا نحو البحر الأحمر والقرن الإفريقي، حيث تتشكل معادلات جديدة محفوفة بالمخاطر.
ويؤكد التحليل أن مليشيا الحوثي تمثل تهديدًا حقيقيًا للممرات البحرية رغم انخفاض وتيرة الهجمات منذ مايو الماضي, ويحذر من أن هذا التراجع يعكس تكتيكًا جديدًا.
التقرير ختم بالتنبيه إلى أن التركيز الدولي يتحول تدريجيًا من مضيق هرمز إلى باب المندب، حيث تتقاطع مصالح قوى دولية وإقليمية وسط تصاعد احتمالات الانفجار.
تهديد العالم
وحول قدرات مليشيا الحوثي الإرهابية وتكتيكاتها وإعادة تموضعها أوضح المحلل العسكري والاستراتيجي العميد الركن ياسر صالح بأن جماعة الحوثي الارهابية خسرت بعضاً من قدراتها العسكرية نتيجة العمليات الأمريكية، لكنها لم تخسرها بالكامل.
وأكد أن القدرات المطلوبة لتهديد مضيق حيوي كمضيق باب المندب، والذي تتقاطع فيه مصالح حيوية لمعظم دول العالم، لا تحتاج إلى قدرات خارقة, فالقوارب المُسيّرة، والطيران المُسيّر، والصواريخ من نوع أرض-بحر كافية لإحداث تهديد كبير وهذه تملكها مليشيا الحوثي الإرهابية, ويمكنها الحصول عليها حتى من السوق العام, ناهيك عن القوارب المسيرة والطائرات المسيرة ومجموعة الصواريخ التي شهدت في الفترة الأخيرة من عام 2024 و2025 عملية تهريب مكثفة جداً بوجود المصادر الحقيقية أو محطات الترانزيت الموجودة في القرن الأفريقي التي عملت على تنسيق هذه العمليات.., مشيرا الى أن كل الأضرار التي حدثت أثناء العملية العسكرية الأمريكية يمكن استعادته أو تعويضه بسهولة من قبل مليشيا الحوثي؛ لأن تقنية هذه الطائرات المسيرة والقوارب المفخخة أساساً نقلت إلى الداخل اليمني ويتم تصنيعها محليا بما في ذلك تصنيع الصواريخ باستثناء الجزئيات المهمة أو الدقيقة التي يتم جلبها من الخارج من أجهزة توجيه، دوائر كهربائية، ورؤوس حربية وما إلى ذلك.
مناورات سابقة
وذكر أن الهجوم الذي حدث لسفينة الشحن التجارية يختلف قليلاً عن الهجمات السابقة، فقد كانا هجومين متزامنين وليس واحداً, الهجوم الأول وقع بعد دخول السفينة من باب المندب باتجاه شمال البحر الأحمر، والهجوم الثاني وقع جنوب الحديدة.
وقال العميد صالح في تصريح صحفي لقناة «العربية الحدث» ان هذا الهجوم المزدوج يأتي تنفيذا لمناورة أجرتها فصائل في القرن الأفريقي بالتنسيق مع الحوثيين، تحاكي تماماً ما جرى اليوم: زوارق تهاجم من القرن الأفريقي، وأخرى من الجانب اليمني، بهدف اعتراض السفن أو مهاجمتها.
واضاف بأن من أبرز التداعيات التي حدثت في الحرب الإسرائيلية بأن فائض القوة لدى البحرية الإيرانية ستصدر إلى يد الجماعة الحوثية، لأنها لم تستطع منفردة أن تهدد مضيق هرمز لتقاطع المصالح الدولية، وبالتالي إمكانية عودة التصعيد في هذا الاتجاه يجب أن يستخدم الذراع الحوثية التي ما زالت الوحيدة الصالحة للاستخدام ولديها قدرة على التأثير في حرب المضائق الدولية.
تهريب القيادات
وأكد بأن القوارب التي نفذ بها الهجوم على سفينة الشحن الليبيرية هي قوارب من الحرس الثوري الإيراني وهي قوارب مسيرة عن بعد زودت بها المليشيا مؤخراً.
وأضاف أن إيران عملت وتعمل على نقل القيادات العسكرية التي فشلت إيران في حمايتها داخل الأراضي الإيرانية إلى الأراضي اليمنية، وكذلك الكثير من الأموال الاقتصادية التي حوصرت بها لبنان والتي لم يستطع إدارتها الحرس الثوري الإيراني يتم الآن إدارتها في إطارات اقتصادية ومشاريع اقتصادية موجودة في القرن الأفريقي ومنها إلى الجماعة الحوثية.
وفي السياق أوضح المستشار الثقافي في سفارة بلادنا في القاهرة بليغ المخلافي بأن التصريحات الحوثية الأخيرة، وتحديدًا في خطاب عبد الملك الحوثي بمناسبة عاشوراء، تحدث فيها عن استمرار الجماعة في استهداف ممرات الملاحة والسفن الإسرائيلية، حتى في ظل التفاهمات التي تمت، وما أُعلن من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن الحوثيين استسلموا وتعهدوا بعدم استهداف السفن, لكن المليشيا عادت وأعلنت أنها ستقوم باستهداف السفن الإسرائيلية، وستقوم باستهداف إسرائيل، وأن أي اتفاقات أو وساطة – سواء كانت من أشخاص في عُمان أو غيرها – لا تشمل إسرائيل، سواء عبر استهدافها بالصواريخ أو السفن التابعة لها.
تهديد بالهجوم
وأكد ان الهجوم على سفينة الشحن تزامن مع خطاب عبد الملك الحوثي وتصريحاته باستمرار جماعته في استهداف السفن الإسرائيلية التي تمر بممرات الملاحة الدولية، مع التأكيد على أن الاستهداف تم في عمق المياه الدولية، تقريبًا على بعد 51 ميلًا بحريًا جنوب الحديدة، بحسب هيئة الملاحة البريطانية.
وأضاف يمكن قراءة تصرفات الحوثيين على أنها محاولة لإثبات الوجود، والتذكير بأنهم ما زالوا طرفًا قادرًا على استهداف الممرات والمصالح الدولية، وهو ما يشكّل تهديدًا ليس لليمنيين فحسب، بل للإقليم والمجتمع الدولي بأسره.
واكد المخلافي بانه ومنذ بداية الضربات الجوية على مليشيا الحوثي من قبل الأطراف الدولية، كان الحديث دائماً عن ضرورة وجود معركة عسكرية داخلية على الأرض تخوضها القوات الحكومية متزامنة لإنهاء التهديد بشكل نهائي, لكن هذا لم يحدث.
الحل دعم الجيش
وقال: لقد ضاعت فرصة كانت ذهبية، وكان بالإمكان استغلالها، والحكومة الشرعية دائماً تؤكد أن الحل الحقيقي يكون بدعم القيادة السياسية والجيش في عملية عسكرية برية على الأرض, فالتجارب علمتنا أن الضربات الجوية وحدها لا تكفي طالما لم تصاحبها معركة برية.
واضاف أن المجتمع الدولي والإقليمي اليوم بدأ ينظر بجدية لهذا الخيار، خاصة مع تصاعد التهديدات وتهريب الأسلحة، والحديث عن وصول أسلحة كيميائية, كل هذه التحديات يتطلب تنسيقاً وثيقاً مع الحكومة الشرعية لفرض السيطرة على السواحل اليمنية التي أصبحت تهديداً للأمن والسلم الدوليين.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news