أخبار وتقارير
(الأول) وكالات:
في مشهد بدا وكأنه إعادة رسم لخريطة الصراع، عادت صواريخ «هيمارس» الأمريكية لتدوي على تخوم خطوط التماس الروسية الأوكرانية، بعد ساعات قليلة من مكالمتين هاتفيتين جمعتا الرئيس الأمريكي دونالد بكلٍ من نظيره الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ما أثار تساؤلات حول حقيقة نوايا واشنطن وخططها المقبلة.
وبينما أعلنت كييف أنها استخدمت «هيمارس» لتعزيز مواقعها الدفاعية، يرى الخبراء أن منظومة «هيمارس» الأمريكية، رغم قدرتها على إطلاق صواريخ دقيقة وعنقودية داخل نطاق محدود، إلا أنها لا تمتلك تأثيرًا استراتيجيًا على العمق الروسي، بل تُستخدم كأداة دفاعية وتكتيكية في خطوط التماس، فيما تكمن فعاليتها في صعوبة رصدها مقارنة بالراجمات التقليدية، "لكنها غير قادرة على تغيير موازين القوى"، بحسبهم.
وقال العميد نضال زهوي، الخبير العسكري، إن منظومة «هيمارس» الأمريكية تُعد من راجمات الصواريخ التي تقلد إلى حد ما الأنظمة الروسية من حيث مبدأ كثافة النيران، إلا أنها تختلف عنها في كونها أقل كثافة وأكثر دقة.
وأكد زهوي، لـ«إرم نيوز»، أن الراجمات الروسية من طراز BM-21، على سبيل المثال، يصل مداها إلى نحو 32 كيلومترًا وتطلق 40 صاروخًا دفعة واحدة، في حين أن منظومة هيمارس تطلق 6 صواريخ فقط، ما يجعلها نظامًا تكتيكيًا لا استراتيجيًا، يُستخدم في الدفاع والهجوم المحدود وليس في تهديد العمق الروسي.
وأشار إلى أن مدى الصواريخ التي تطلقها المنظومة يتراوح بين 32 و48 كيلومترًا، وهو ما يعني أنها تُستخدم في الاشتباكات القريبة وعلى خطوط التماس، دون أن تغيّر من التوازن الاستراتيجي، لكنها فعّالة داخل المعركة نفسها، خاصة منذ بدء الهجوم الروسي والدفاع الأوكراني.
وتابع الخبير العسكري: «هذه المنظومة متوفرة لدى القوات الأوكرانية وتستخدم صواريخ عنقودية يمكن أن تطلق ما يصل إلى 400 قنبلة صغيرة في الضربة الواحدة، تستهدف الأفراد والمركبات، وعلى الرغم من صغر حجم الرؤوس المتفجرة فإنها تُستخدم أحيانًا كألغام تُفجَّر عند التقدم البري لتحقيق أقصى تأثير على القوات المهاجمة».
وأكد أن منظومة "هيمارس" تعزّز القدرات الدفاعية الأوكرانية ضد الهجمات الروسية، لكنها لا تُستخدم لمهاجمة الأراضي الروسية أو حتى المناطق التي تسيطر عليها روسيا داخل أوكرانيا.
ولفت إلى أن العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة في الملف الأوكراني أصبحت أكثر تعقيدًا، مشيرًا إلى أن موسكو لا تمانع في التفاوض بشأن بعض المناطق مثل الدونباس، باستثناء الساحل الجنوبي، في الوقت الذي تسعى فيه كييف إلى استعادة الأراضي جميعها حتى لو اضطرت للتخلي عن شبه جزيرة القرم.
وأوضح أن تصريحات بوتين خلال اتصاله الأخير مع نظيره الأمريكي أكدت تمسكه بتحقيق أهدافه كاملة، خاصة في المناطق ذات الأغلبية الروسية؛ مما يشير إلى أن تعزيز منظومة هيمارس يأتي في إطار دفاعي وليس هجوميا.
وأوضح زهوي أن واشنطن باتت تسعى إلى استخدام هذا النوع من السلاح كأداة تكتيكية لتحريك الأوروبيين نحو تبني الخيارات الأمريكية، لا لتحقيق نصر استراتيجي لأوكرانيا.
وأكد أن منظومة «هيمارس»، رغم محدودية تأثيرها على سير المعركة، فإن أهميتها تكمن في صعوبة رصدها أو استهدافها من قبل الرادارات الروسية، مشبّهًا ذلك بما حدث في حرب لبنان، حيث شكلت الصواريخ قصيرة المدى تحديًا لمنظومات الدفاع.
من جهته، أكد المحلل السياسي والخبير في الشؤون الروسية الدكتور محمود الأفندي، أن المكالمة الهاتفية الأخيرة بين ترامب وزيلينسكي لم تتجاوز كونها «استعراضًا إعلاميًا» من جانب زيلينسكي بهدف تهدئة الرأي العام في أوكرانيا في ظل تصاعد المخاوف من تخلي الولايات المتحدة عن دعمها لكييف.
وأشار الأفندي لـ"إرم نيوز" إلى أن ترامب كالعادة صرح بأنه يدرس إمكانية تزويد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي وصواريخ «هيمارس»، إلا أن الواقع يُظهر أن مخازن وزارة الدفاع الأمريكية أصبحت شبه فارغة.
وأضاف أن ترامب يسعى للانسحاب التدريجي من الملف الأوكراني، موجهًا اهتمامه نحو الشرق الأوسط والصين، مشيرًا إلى أن واشنطن بدأت تتخلى عن أوكرانيا وأوروبا، وهو ما قد يترك المجال مفتوحًا أمام موسكو لتحقيق مكاسب عسكرية، لا سيما وأن الحرب أصبحت مكلفة دون نتائج استراتيجية واضحة، وفشلت في إلحاق هزيمة حاسمة بروسيا.
وشدد الأفندي على أن العقوبات لم تكن جزءًا من استراتيجية ترامب، وأن المكالمة الهاتفية الأخيرة لا تحمل أبعادًا حقيقية، بل تأتي في إطار «العرض الإعلامي»، في حين أن الصواريخ التي تحدث عنها، مثل «هيمارس»، أصبحت محدودة الفاعلية نظرًا لحاجة إطلاقها من مسافات لا تقل عن 70 كيلومترًا، ما يمنع استخدامها ضد مواقع روسية عسكرية بعد أن قامت موسكو بإبعاد قواعدها خارج هذا النطاق.
وأشار إلى أن هذه الصواريخ باتت تُستخدم غالبًا ضد أهداف مدنية في محاولة من زيلينسكي لطمأنة الداخل الأوكراني أو الرد على الضربات الروسية، مؤكدًا أن ضربة «هيمارس» الأخيرة جاءت ردًا على الهجوم الروسي الكبير على العاصمة كييف، الذي تسبب بحرائق هائلة في مستودعات النفط وألحق أضرارًا بالبنية التحتية، تاركًا سماء كييف سوداء ليومين.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news