قارن رئيس الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا الجهود التي تبذلها حكومته لمحاصرة التفشّي الخطير لتهريب المخدرات والمتاجرة بها واستهلاكها المتزايد في صفوف شرائح واسعة من المجتمع بـ”معركة استعادة الدولة” في إشارة إلى الصراع ضد جماعة الحوثي، وفي إحالة على المنعطف الحرج الذي بلغته الظاهرة وصعوبة محاصرتها.
وكان بن بريك يتحدّث في تصريحات صحافية إثر ترؤّسه اجتماعا لمجلس الوزراء خصص قسم هام من أشغاله لتدارس ظاهرة انتشار المواد المخدرة وإقرار جملة من الإجراءات لمواجهتها قائلا إن حكومته تخوض “معركة صامتة لا تقل خطورة عن معركة استكمال استعادة الدولة،” متّهما الحوثيين باستخدام المخدرات أداة “لتمويل الإرهاب ونشر الفوضى،” ومعلنا عن إقرار حزمة من الإجراءات العملية لمضاعفة جهود المكافحة، وداعيا الجميع من أسر ومؤسسات تعليمية ومنابر دينية للانضمام إلى “جبهة واحدة لحماية الشباب من هذا الخطر القاتل.”
ورحّبت دوائر سياسية وإعلامية بالانتباهة الحكومية لخطر المخدرات، منتقدة في نفس الوقت ما اعتبرته تأخّرا في مواجهة الظاهرة بما يكفي من حزم وصرامة ما منحها فرصة للاستشراء والتغوّل، حيث أصبحت البلاد تشهد انتشارا غير مسبوق لعمليات تهريب وترويج المواد المخدّرة بمختلف أنواعها، جرّ وراءه انتشارا كبيرا لاستهلاكها بين شرائح واسعة من المجتمع لاسيما فئة الشباب بدءا من السنوات الأولى من مرحلة المراهقة.
وتتضافر ضمن أسباب الانفجار المهول الذي تعرفه الظاهرة الظروف الأمنية والاجتماعية التي تسببت بها الحرب الدائرة في البلد منذ أكثر من عشر سنوات.
ورغم تفاوت حالات الاستقرار من منطقة يمنية إلى أخرى إلاّ أن هشاشة الأوضاع الأمنية وعدم قدرة الأجهزة على السيطرة على الأوضاع بالكامل وفرض القانون على الجميع تكاد تشكّل قاسما مشتركا بين مختلف المناطق اليمنية في ما عدا استثناءات قليلة.
كما أنّ انتشار الفقر وارتفاع معدّل البطالة، وخصوصا تفاقم ظاهرة الانقطاع المدرسي المبكّر ألقت بأعداد مهولة من اليمنيين جلّهم من الشباب في أوضاع بالغة الصعوبة وجعلت أعدادا منهم يلجأون إلى المخدرات كأيسر طريقة للتخلص من صعوبة الواقع وتناسيه ولو لبعض الوقت.
وقالت وكالة الأنباء الرسمية سبأ في نسختها التابعة للسلطة الشرعية اليمنية إنّ مجلس الوزراء استعرض تقريرا مقدما من مدير عام الإدارة العامة لمكافحة المخدرات العميد عبدالله الأحمدي تضمن عرضا شاملا لواقع المخدرات في البلاد والجهود الأمنية لمحاربتها والضبطيات التي تمت خلال الفترة الماضية، والتحديات والمعوقات القائمة ومقترحات تجاوزها بما يؤدي الى تعزيز جهود مواجهة تحدي انتشار المخدرات والمؤثرات العقلية وتهريبها، لحماية المجتمع من خطر هذ الآفة.
وأوردت دعم المجلس للإدارة العامة لمكافحة المخدرات للقيام بواجباتها وتعزيز التنسيق بين الأجهزة المعنية بالمكافحة والسلطة القضائية وتطبيق القوانين الرادعة في مجال المخدرات وتجارتها وتعاطيها ونقلها، وكذا تفعيل الجوانب الإعلامية والمنابر التنويرية والارشادية للتحذير والتعريف والتثقيف المجتمعي ضد المخدرات، وحماية الأجيال منها.
وعلى صعيد عملي أقر المجلس مراجعة التوصيات والمقترحات الواردة في التقرير المذكور واتخاذ ما يلزم لتقوية قدراتها للقيام بالمسؤوليات المنوطة بها، بما في ذلك رفع موازنتها التشغيلية وإنشاء اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار والاستعمال غير المشروعين للمخدرات والمؤثرات العقلية، إضافة الى تعزيز فروع الإدارة بالمحافظات بالإمكانيات اللازمة، وإنشاء مصحات ومراكز صحية لمعالجة مدمني المخدرات، ورفع كفاءة قوات السواحل لمواجهة التهريب.
كما وافق المجلس على انشاء مركز معلوماتي يربط الإدارة العامة لمكافحة المخدرات وفروعها بالمحافظات، مؤكدا على رفع مستوى التعاون والتنسيق بين الجهات الأمنية والعسكرية المختلفة وخاصة في تبادل المعلومات وسرعة الاستجابة العملياتية، وتفعيل قنوات التواصل والتعاون على المستوى العربي والإقليمي والدولي في مجال مكافحة المخدرات.
وتقول مصادر أمنية إن الإشكالية الكبرى التي تعقّد مهمّة مكافحة تهريب المواد المخدّرة إلى اليمن تتمثّل في عدم القدرة على ضبط المنافذ والحدود الطويلة للبلاد وخصوصا منها المنافذ البحرية التي تتهاطل عبرها جميع أنواع المواد المخدّرة القادمة من عدّة وجهات.
وتوضّح أنّ إيران وسوريا ولبنان وبلدان أفريقية واقعة على الضفة المقابلة من البحر الأحمر تعدّ مصادر رئيسية للمخدّرات المهرّبة إلى الداخل اليمني والمخصص قسم منها للعبور نحو بلدان أخرى، وذلك بحسب ما تبيّن من خلال اعتراض شحنات من المواد المخدّرة كانت بصدد التهريب إلى اليمن.
وتلفت إلى أنّ تجارة المخدّرات في البلد أصبحت رديفا لتجارة السلاح الرائجة بدورها نتيجة كثرة الأطراف المنخرطة في الصراعات المسلحة في البلاد وحاجتها المستمرّة للأسلحة والذخائر، محذّرة من معاناة أغلب القوى الأمنية من قلّة الوسائل المادية والتقنية اللاّزمة لمحاربة تهريب وترويج المخدّرات، وهي وسائل بلغت درجات كبيرة من التطور في بلدان أخرى وذلك مسايرة للتطوّر الكبير في أساليب التهريب والترويج ووسائله.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news