نحن الجنوبيون – أبناء الجنوب العربي – لا نُطالب بشيء ليس لنا، ولا نمد أيدينا إلا لما هو حقٌّ أصيل، مكتوب بدماء الشهداء، وممهورٌ بوثائق التاريخ، وشهادات الجغرافيا، وذاكرة الشعوب.
نبحث عن وطننا، لا لأننا نسينا ملامحه، بل لأن العالم قرر أن يتجاهله في دهاليز السياسة الدولية ومصالحها المتشابكة.
نبحث عن وطن، لأننا فقدناه فعلاً… لا بالمعنى الجغرافي، بل لأن من يحكمنا اليوم يتصرف بثرواتنا وكأنها ملكٌ خاص،
ينعم بخيراتها في قصوره، بينما نحن نموت جوعًا في بيوتنا.
نبحث عن وطن، لأننا نُحرم من خيرات أرضنا، ونُقصى من قرارنا، ونُعامل كضيوف في بلادٍ نحن أصحابها الأصليون.
نُستأذن في المطالبة بحقنا، ويُطلب منا أن نظهر الولاء لسلطة لا تحمينا، بل تبتزنا.
يُراد لنا أن نظل تحت وصاية من يملكون المال والنفوذ، بينما أرواح أبنائنا تُزهق في صمت، ولا تُذكر في تقاريرهم إلا كأرقام بلا أسماء.
نحن لسنا دعاة تفرقة، ولسنا عنصريين، بل نحن أصحاب قضية عادلة، نطالب باستعادة وطن، لا بانفصال عن واقع،
نُطالب بأن نعيش بكرامة، لا أن نُستعبد تحت شعارات الوحدة الزائفة، التي لم تزدنا إلا فقرًا وتهميشًا واغترابًا داخل أرضنا.
لكن، وبينما نصرخ في وجه الظلم، لا بد أن نُحاسب أنفسنا قبل أن نُحاسب غيرنا.
كيف نبحث عن وطن، ونحن عاجزون عن أداء واجباتنا الأساسية تجاهه؟
كم نسبة الشباب الجنوبي العاملين في قطاعات الزراعة؟ في الفنادق والمطاعم؟ في المهن الفنية والميكانيكية؟ في أعمال البناء والعقارات؟
أين نحن من سوق العمل؟
أين نحن من الإنتاج؟
أين نحن من الاعتماد على النفس؟
كيف نُطالب بوطن، ونحن نُسلّمه بأيدينا؟
نُقصّر في حقه، ثم نغضب حين يُدار من غيرنا!
نترك مؤسساتنا للغرباء، ثم نشتكي من هيمنتهم!
نُعطيهم القرار والاقتصاد والإدارة، ثم نصرخ من التبعية!
استعادة الوطن ليست فقط بتحرير الأرض، بل بتحرير الإرادة.
أن نكون فاعلين، لا متفرجين.
أن نبدأ من أصغر الصغائر: أن نستعيد تراثنا، ثقافتنا، لهجتنا، حرفنا، حرفيّينا، فلاحينا، وعمالنا.
أن نحفظ الذاكرة الجمعية، وننقلها لأبنائنا لا كحكاية قديمة، بل كمشروع حياة.
ليس عيبًا أن نزرع بيدينا، أن نشتغل بأدواتنا، أن نفتح مطاعمنا وفنادقنا وورشاتنا بأيدٍ جنوبية، وأن نُعيد بناء اقتصادنا من الصفر.
العيب أن نظل عالة على غيرنا، ثم نرفع شعارات السيادة.
إذا عشنا على غيرنا، سيظل الوطن مجرد حلم مؤجل.
أما إذا اعتمدنا على أنفسنا، فسيعرف العالم أن الجنوب لا يُستعاد بالهتاف فقط، بل بالعمل والتضحية والانتماء.
إن طريق استعادة الجنوب العربي لا يمر فقط من قاعات المؤتمرات والقرارات الدولية،
بل يبدأ من بيوتنا، من شوارعنا، من مدارسنا، من وعينا، من ثقتنا بأنفسنا.
من إيماننا العميق بأن الوطن لا يُوهب… بل يُنتزع بإرادة شعبٍ حي، لا يموت.
من: عبدالحميد السقلدي
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news