الجسد المريض لا يشفى إلا بعلاج الرأس
قبل 7 دقيقة
منذ انقلاب ميليشيا الحوثي الإرهابية على الدولة اليمنية في سبتمبر 2014، لم تكتف المليشيا بالسيطرة على صنعاء ومؤسسات الدولة في المناطق التي احتلتها، بل سعت - عبر سياسة الاختراق والتغلغل - إلى مد نفوذها إلى داخل جسد الشرعية نفسها، حتى باتت مؤسسات الحكومة الشرعية تعاني من تآكل داخلي خطير، بفعل اختراقات حوثية منظمة، وممنهجة.
ان الحديث عن اختراق الشرعية لم يعد مجرد تحليلات أو اتهامات إعلامية، بل صار واقعًا ملموسًا تظهره المؤشرات على الأرض، بدءًا من التسريبات الأمنية التي تنتهي إلى أيدي الحوثيين، مرورًا ببطء القرارات السيادية، وتعثر الجبهات، ووصولًا إلى أداء سياسي وإداري مرتبك، يثير التساؤلات أكثر مما يقدم إجابات.
ان أخطر ما في الأمر أن الحوثيين نجحوا في اختراق مراكز حساسة ومفصلية داخل مؤسسات الدولة، بعضها ذات طابع أمني واستخباراتي، وأخرى تتصل بإدارة القرار السياسي والعسكري، مما جعل بعض التحركات والقرارات تبدو وكأنها تُفصّل لتخدم مصلحة الانقلابيين، أو على الأقل تضعف موقف الشرعية على الطاولة السياسية.
والحقيقة انه تمكنت المليشيا من زرع أذرع لها في مواقع القرار، أو من خلال أدوات ناعمة تدين لها بالولاء، أو تمارس سياسة "الرمادية" التي تخدم الحوثيين بغطاء الشرعية. هذا الاختراق أتاح للجماعة معرفة نوايا الشرعية، والتحكم غير المباشر في مسارات المعركة.
اليوم، تبدو مؤسسات الدولة كما الجسد المريض الذي لا يملك مقاومة، لأن أطرافه مشلولة، وأوردته مخترقة، ونخاعه باتت تسيطر عليه أجسام دخيلة. الوزراء يتخذون قراراتهم تحت ضغط التوازنات، لا من منطلق المصلحة الوطنية. القيادات العسكرية تخوض معاركها وسط خيانات وتضارب أوامر. والموظف المدني يتلقى تعليماته أحيانًا من أكثر من جهة، في مشهد يعكس حجم الفوضى والانقسام.
في مقابل ذلك، يمضي الحوثي في تعزيز بنيته المليشاوية، ونشر خلاياه، وتفكيك ما تبقى من مكونات الدولة الشرعية، حتى بات يقاتل في المعركة السياسية بأدوات الشرعية نفسها، ويكسب في الإعلام والدبلوماسية، لا بقوة حجته، بل بضعف خصومه، وتخبطهم، وتساهلهم في صيانة مؤسساتهم من الاختراق.
ان الحل لا يكمن في مداواة الأعراض، ولا في تغيير وجوه بأخرى دون مساس بجوهر الفساد والاختراق. الحل الجذري يبدأ من الرأس؛ من القيادة العليا التي يقع على عاتقها استئصال مراكز النفوذ المخترقة، وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة على أسس وطنية واضحة، وشفافة.
لا يمكن بناء جيش وطني يخوض معركته المصيرية، فيما قيادته تعاني من تضارب الولاءات. ولا يمكن خوض معركة سياسية حاسمة على طاولة الأمم المتحدة، بينما ملفات التفاوض تصل إلى الحوثيين قبل أن تصل إلى المعنيين بها داخل الحكومة الشرعية.
المطلوب اليوم قرارات شجاعة، وإرادة صلبة، تعيد الاعتبار لمعنى "الشرعية" التي تحولت في نظر كثير من اليمنيين إلى عنوان هش لا يحمل مضمونًا حقيقيًا. فالدولة لا تُستعاد إلا بمنظومة متماسكة، ومنظومة كهذه لا تُبنى على أرض رخوة مخترقة.
لقد طال انتظار الشعب اليمني لخلاص حقيقي يعيد له دولته المنهوبة، وكرامته المغتصبة. وكلما تأخرت القيادة الشرعية في حسم خياراتها، وفي تطهير جسدها من خلايا الحوثي المزروعة في مفاصلها، كلما اقترب موعد السقوط الشامل، لا سمح الله.
إنقاذ اليمن يبدأ من إنقاذ الشرعية من نفسها. فإما أن تُعالج الرأس لتُشفى بقية الجسد، أو ندفن الجسد كاملًا ونكتب شهادة وفاته... بيد أبنائه.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news