في زوايا الذاكرة الاقتصادية الوطنية لليمن، يتلألأ اسمان لا يضاهيهما سواهما : الملهم علوان الشيباني، ورفيق الميدان والوجدان المختلف أحمد عبدالله الشيباني. غادرا الحياة، وعم الحزن النبيل أرجاء اليمن، وكأن المدينة نفسها تجمدت في لحظة صمت، ترنو إلى مقاعد العمل التي خلت، محاولة استنشاق الحياة بلا روّادها، بينما تتلاشى منها كل اللحظات والشخصيات المؤثرة والرائدة، في وداع سريالي تدمع فيه عيون المدينة، وتنفث شجنها المؤلم.
علوان.. صانع الإلهام وهمزة الاقتصاد
وُلِد علوان الشيباني في قرية صغيرة بتعز، قرية المدهف بعزلة بني شيبة في مديرية الشمايتين جنوبي مدينة تعز. هاجر في العام 1949 إلى الحبشة للعمل فيها مثل الكثير من أقرانه الذين هاجروا طلبا للرزق في ظل الفقر الذي يعيشه اليمن. بدأ رحلته من ضيق العيش إلى اتساع الآفاق. كانت انطلاقته من الحبشة، وعيناه متجهتان نحو العالم. لم يكن مجرد مهاجر عابر، بل كان حلمًا عنيدًا. تلقى تعليمه في مصر ثم أمريكا، وعاد ليترك بصمته في مجالات السياحة والفندقة والنقل والطيران.
أسس مجموعة العالمية للسفريات والسياحة، وكرس نفسه لربط اليمن بالعالم. تضم المجموعة أكثر من 22 شركة، عمل فيها ما يزيد عن 2,500 موظف وموظفة. تنوّعُت في قطاعات الخدمات والأعمالِ والاستثمارِ.
يعد “علوان الشياني” أحد رواد العمل الخيري والاجتماعي في البلاد، حيث أسس في العام 2009، مؤسسة الخير للتنمية الاجتماعية، التي تتولى الاشراف على تدريب وتاهيل وتعليم الفقراء والمهمشين والطلاب المتفوقين ويمتد نشاطها في أغلب المحافظات اليمنية. وترأس، أيضا مجلس إدارة مؤسسة اليمن للتدريب من أجل التوظيف، التي تولت مهام تأهيل الشباب لسوق العمل، وأحد رجال الأعمال الذين كان لهم تأثيراً وحضور على المستويات الثقافية والأدبية والاجتماعية ودعمها.
توفى العم علوان في يوم الأربعاء 2022 في العاصمة البريطانية لندن. عن عمر ناهز 86 عاما.
أحمد الشيباني، رمز الصناعة وعز الاقتصاد
أما أحمد عبدالله الشيباني، فقد كان صوت الصناعة النابض. لم تكن إنجازاته مجرد صدى إعلامي، بل تجسدت كأرقام حقيقية على الأرض: مصانع، خطوط إنتاج، فرص عمل، ومشاريع غذائية وكيميائية جعلت من تعز مركزًا اقتصاديًا بارزاً.
أسس مجموعة “الشيباني”، التي انتشرت عبر قطاعات متعددة، ونسجت نسيجاً متيناً من الإنتاج الوطني. تضم مجموع الشيباني، مصانع الطلاء “شركة كميكو”، ومنشآت غذائية “مجمع الصناعات الغذائية، شركة الفردوس”، إلى جانب استثمارات أخرى محلية وخارجية. كما لدى الشيباني مصنعا في بريطانيا حاز على الدرع الملكي من ملكة بريطانيا، نظير جودة إنتاجه ومواصفاته العالمية.
قدم الشيباني أعمالا في دعم التعليم وبناء المساجد، عبر مؤسسة الشيباني الخيرية، وكان داعم ومشارك في العديد من الأعمال الخيرية والفعاليات المجتمعية، التي تنظم نشاطات سنوية لدعم هذه الفئات.
كان شعاره الواضح : “لصناعة عز وفخر”، وعاش هذا المبدأ بصدق وأمانة. وعندما اشتد عليه المرض في سنواته الأخيرة، بدأ معركته الأخيرة – لم يكن الصراع مع المرض فحسب، بل كان أيضًا مع الانقسامات العائلية حول إرثه الإنتاجي. رحل تاركًا خلفه سؤالًا عميقًا : من يرث الوطن عندما تتباين الآراء بين الورثة؟
توفي الحاج أحمد يوم الاثنين 2025/6/23م بعد صراع مع المرض في أحد مستشفيات العاصمة المصرية القاهرة.
رجلان، حكايتهما تتلألأ … ومدينة تنشد أمثالهم
لم يجتمعا على ذات الدرب، لكنهما تقاطعا في عشق اليمن وحب الخير. الأول نقش التاريخ في سماء الطيران والثقافة والخدمات، بينما الثاني شيد مجدًا على الأرض، عازمًا على إنشاء صناعة يمنية أصيلة من خلال العمل اليدوي، والتصدير والاستيراد. كان علوان يحلق في الآفاق، يستكشف ميادين الهجرة والعقل والهوية حب الذات والوطن، بينما أحمد كان يبني طموحاته حجرًا حجرًا.
اختار القدر أن يرحلا، وكأنما أراد أن يغلق صفحة رائعة من دفاتر ذكريات تعز، شخوص ابناءها النوابغ، لتذكر المدينة أن المال حين يُنطق بلغة الوطنية، فإن الحياة تُزهر.
ختاما ليس من السهل أن يستحيل الزمن إلى أمثال علوان وأحمد، لكن من اليسير أن نستخلص الدروس من تجاربهما. يجب أن نحفظ قصصهما لا في المتاحف، بل في نفوسنا. لنروي لأبنائنا أن اليمني يستطيع أن ينطلق من خيمة في الريف، أو قاربا في المهجر، ليصل إلى صناعة، أو كتاب، أو طائرة، أو مصنع.
عند وداعهما، لا نقول “رحلا”، بل نقول “بقيا”… في كل مؤسسة ناجحة، وفي كل موظف اقتفى أثرهما، وفي كل شاب آمن بأن الحلم اليمني ممكن.
وداعا أحمد وداعا علوان
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news