بينما تتسارع وتيرة الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل في واحدة من أكثر مراحل التوتر تعقيدًا في المنطقة، طفت على السطح من جديد قصة كاثرين بيرز شكدم، الجاسوسة الإسرائيلية التي اخترقت العمق الأمني والعقائدي في إيران، ودوّخت مؤسساتها الحساسة، ليس عبر تقنيات تجسس متطورة، بل عبر وسيلة أقرب إلى "خدعة أخلاقية" متستّرة بغطاء ديني: زواج المتعة.
■ بداية القصة: جاسوسة فرنسية.. بمظهر متديّنة شيعية
بحسب ما كشفت عنه صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، فإن كاثرين – وهي صحفية ومحللة سياسية ذات أصول فرنسية – قدّمت نفسها داخل إيران على أنها مسلمة شيعية، متزوجة من يمني، وتبحث عن تعاليم المذهب الجعفري، وبهذه الصورة تمكّنت من كسب ثقة الدوائر الدينية والسياسية، حتى إنها وصلت إلى العمل داخل وكالة "تسنيم" التابعة للحرس الثوري، وبدأت كتابة تحليلات إعلامية لصالح النظام، بينما كانت في الحقيقة تستدرج المسؤولين واحدًا تلو الآخر تحت غطاء "الزواج المؤقت".
■ أكثر من 100 مسؤول وقعوا في الفخ
وفقًا للتسريبات، وقعت شخصيات بارزة من الحرس الثوري، ورجال دين، وعضو في البرلمان الإيراني ضحية لخداع كاثرين، إذ استغلّت فتاوى "زواج المتعة" لتبرير لقاءاتها السرية، واستخلصت خلالها معلومات حساسة من جلسات كان يُفترض أنها مغلقة أو محصنة، وصلت في إحدى الحالات إلى كشف تفاصيل جلسة برلمانية سرية تتعلق ببرنامج إيران النووي.
■ هل ساهمت كاثرين في الضربات الإسرائيلية الأخيرة؟
ما يجعل القصة أكثر خطورة هو أن معلومات كاثرين – بحسب بعض التحليلات – سُلّمت مباشرة إلى جهاز الموساد الإسرائيلي، الذي بدوره استخدمها في تنفيذ سلسلة من العمليات الدقيقة داخل العمق الإيراني، منها ضربات استهدفت منشآت نووية ومقرات بحثية في طهران خلال اليومين الماضيين، وربما، حسب ترجيحات، ساهمت تلك المعلومات في تحديد تحركات إسماعيل هنية الذي جرى استهدافه مؤخرًا في العاصمة الإيرانية.
■ سقوط مدوٍّ للاستخبارات الإيرانية
القضية التي تُعد من أكبر الاختراقات الاستخباراتية في تاريخ الجمهورية الإسلامية، كشفت عجزًا واضحًا في بنية الأمن الداخلي والاستخبارات المضادة، خصوصًا حين يتعلق الأمر بــ"الثقة الدينية" التي يُمنح فيها الأجانب امتيازات تحت مبرر التشيّع أو التقوى، وهو ما أثار عاصفة انتقادات داخل النظام تجاه قيادات أمنية ودينية تورطت في التعامل مع كاثرين.
■ فضيحة بصبغة دينية.. ورد فعل غاضب
موجة الغضب الإيراني تجاوزت الجانب الأمني إلى البعد الديني والاجتماعي، إذ استغلّ معارضو النظام الواقعة لطرح سؤال وجودي حول شرعية "زواج المتعة" واستخدامه كأداة اختراق، وسط دعوات لمراجعة الفتاوى التي تسمح بهذا الشكل من العلاقات، خاصة في الأوساط الحساسة ذات الطبيعة الأمنية.
في حروب الدول الحديثة، لم تعد البنادق وحدها سيدة الموقف. جاسوسة واحدة، جواز سفر فرنسي، وفتوى "زواج مؤقت" كانت كفيلة بتفكيك جدران النظام العقائدي الأكثر انغلاقًا في الشرق الأوسط، وتقديم إيران لقمة سائغة على مائدة الاستخبارات الإسرائيلية.
من غرفة الأسرار إلى عناوين الصحف العالمية، كاثرين شكدم لم تكن مجرد جاسوسة، بل قنبلة نووية ناعمة فجّرت أكبر خرق في جدار الملالي.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news