مقال: مها عوض
حقاً وضعنا في تجربة مريرة مع الاستقواء في الاستخدام غير المشروع للسلطة وقوة “الأمر” من قبل الشرطة منذ اللحظة التي أصدر فيها أفراد الطقم بالأمر المباشر بأن على السيارة التي كنا فيها أنا وصديقتي عفراء الحريري بأن نتوجه فوراً الى قسم شرطة مركز المعلا؛ هكذا من دون أي مقدمات أو إنذار مسبق وحتى أنهم لم يكلفوا أنفسهم يردوا على سؤالي عن سبب هذا الفعل؛ بل على العكس جاء ردهم بطريقة أكثر حدة في تكرار الأمر تحرك الى الشرطة.
عند وصولنا الى البوابة أدخلونا الى حوش قسم الشرطة واغلقوها وتركونا دون أدنى مسؤولية لنواجه مصير مجهولية المعلومة والبحث عمن يرد على تساؤلاتنا وعن هوية من أصدر أمر اعتقالانا؛ بقينا فترة من زمن طال ليس بالوقت انما بغموض هذا الوضع؛ ولولا لم يكن ما قمنا به من تصرف ذاتي أنا وعفراء في تواصلنا مع المحافظ ومدير الأمن الذي تجابوا مشكورين بالإفراج عنا؛ لعل كان علينا مواجهة الأشد من تبعات أمر هذا الاعتقال.
الحقيقة أنها كانت أصعب تجربة صادمة وأشدها قساوة في مواجهة إساءة المعاملة المهينة واللانسانية والتجبر في الهيمنة؛ وللحظة فكرت أيضاً بأن ما حصل معنا هو فعل قد تعرض له أخرون قبلنا وقد يكون هناك من تابع حتى الإفراج عنه ولكن هناك أيضاً من لم يجد هذه المتابعة ويبقى مصيره بأن يواجه ظروف أكثر تعقيداً وتحت رهن تصرف مصدر الأمر ومنفذه.
وبالإمكان القول إن الموقف المتزامن مع اعتقالانا؛ وبعد أن تم الافراج عنا وعدنا الى المشاركة في تظاهرة النساء؛ كان غير مرضي بتاتاً حيث تم فرض تطويق أمني في استدعاء الشرطة النسائية بغرض وقف التظاهرة وتقييد حركة النساء؛ ورغم محاولات التواصل مع الأمن لرفع هذا التطويق الأمني ولكن لم تتم الاستجابة؛ وبالرغم من ذلك واصلن النساء تظاهرتهن في تلك المساحة المحاصرة أمنياً.
كما لم يكن ذلك البيان التي صدر عن أعلام أمن عدن مختلفا، بل يكاد يكون ملتبسا او متماهيا بما يحفظ لهذه القوة الآمرة السيطرة على الوضع حتى مع مجافاة الحقيقة وتصوير الواقعة بما لم يحدث فيها لا أدري اذا كان بقصد تضليل الرأي العام أو تشويش لصوت الحق كما يتم عند رفع مكبرات الصوت وتشغيل الونانات أثناء تظاهرات النساء.
أن اكثر ما يحز في النفس ويبعث على الحسرة؛ أن ما تعرضنا له انا وصديقتي عفراء وواجهنا من تصرف وسلوكيات سواء من خلال أفراد الطقم وفي مركز قسم شرطة المعلا؛ أو على مستوى أوسع في تلك التجاوزات والتعديات والاعتداءات وغيرها؛ مما شهدناها خلال التظاهرات في إطار “ثورة النسوان” التي تصدر من بعض أفراد الأمن نساء ورجال الذين بحسب قولهم ينفذون أوامر وتوجيهات أمنية من قادتهم؛ مع أننا كنا قد بدلنا جهود مخلصة ومعنا في ذلك عدد من منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية التي تستقبلها إدارة الأمن ومراكز الشرطة بكل حفاوة في التثقيف والتدريب لأفراد أجهزة الأمن بمختلف تشكيلاتها حول حقوق الإنسان وأجندة المرأة والسلام والأمن؛ ولاسيما واجبات ومهام الشرطة في حماية حقوق الإنسان؛ والمواثيق والصكوك الدولية الملتزمة بها بلادنا؛ الا أن ثمرة هذه الجهود كما يبدو لم ترسّخ بعد كثقافة أمنية مؤسسية؛ وقد أوجدت تأطيراً خاصاً لثقافة معادية “سلطوية” أو “تسلّطية”؛ فهي بذلك تحتاج إلى جهد كبير وإذا كان بالإمكان اعتبار أن التغيير المرجو في بناء ثقافة أمنية مؤسسية تحترم وتلتزم بإعلاء قيمة الإنسان وقيمة الحرّية، بما فيها حرّية الرأي والتعبير كقيمة عليا لا يمكن تحقيق الحقوق الإنسانية الأخرى بدونها، فهي المدخل والبوابة الضرورية لجميع الحقوق.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news