يمن إيكو|تقرير:
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الأحد، عن وجود مناقشات واجتماعات للتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب بين إسرائيل وإيران، الأمر الذي عكس تغييراً سريعاً في موقف الولايات المتحدة التي تبنت في البداية الموقف الإسرائيلي بشأن تدمير البرنامج النووي الإيراني، وهو تغيير بدا بوضوح أنه لم ينبع فقط من استحالة تحقيق هذا الهدف، بل أيضاً من رد الفعل الإيراني الذي تجاوز كل التوقعات في إسرائيل والولايات المتحدة اللتين تشعران الآن بالحاجة إلى استراتيجية خروج سريعة تضمن عدم فقدان السيطرة على الوضع بشكل خطير.
تحول سريع في موقف ترامب:
قال ترامب، اليوم الأحد، في منشور رصده موقع “يمن إيكو” على منصة التواصل الاجتماعي التابعة له “تروث” إن “على إيران وإسرائيل إبرام صفقة”.
وأضاف: “سيتم التوصل إلى هذه الصفقة، تماماً مثلما فعلتُ مع الهند وباكستان، باستخدام التجارة مع الولايات المتحدة لإدخال العقلانية والتماسك والحكمة في المحادثات مع قائدين ممتازين استطاعا اتخاذ قرار سريع والتوقف”.
وتابع: “سيكون لدينا سلام قريباً بين إسرائيل وإيران، وهناك الآن العديد من الاتصالات والاجتماعات التي تعقد. أنا أفعل الكثير، ولا أنسب لنفسي أي شيء، لكن لا بأس، فالشعب يتفهم ذلك، لنجعل الشرق الأوسط عظيماً من جديد”.
ولم يكن هذا هو موقف ترامب عقب الهجوم الإسرائيلي على إيران، والذي استهدف عدداً من القادة العسكريين الإيرانيين والمنشآت النووية في البلاد يوم الجمعة الماضي، حيث اعتبر ترامب أن الهجوم جاء كعقاب لإيران لأنها رفضت الشروط الأمريكية المتعلقة بإنهاء برنامجها النووي، وهو الأمر الذي أعلنته إسرائيل كهدف رئيسي لهجماتها على المنشآت النووية الإيرانية.
وكتب ترامب على منصة تروث يوم الجمعة: “قبل شهرين، منحت إيران مهلة 60 يوماً للتوصل إلى اتفاق، كان ينبغي عليهم ذلك، واليوم هو اليوم الحادي والستون”.
وأضاف: “أخبرتهم أن الأمر سيكون أسوأ بكثير من أي شيء يعرفونه أو يتوقعونه أو قيل لهم، وأن الولايات المتحدة تصنع أفضل المعدات العسكرية وأكثرها فتكاً في أي مكان في العالم، وبفارق كبير، وأن إسرائيل لديها الكثير منها، مع المزيد في المستقبل، وهي تعرف كيفية استخدامها”، مشيراً إلى أن “الهجمات التالية المخطط لها بالفعل أكثر وحشية، ويجب على إيران عقد صفقة، قبل ألا يتبقى شيء”.
الأهداف الإسرائيلية غير قابلة للتحقق:
ما بين تهديد ترامب بـ”ألا يتبقى أي شيء” في إيران، وحديثه اليوم عن حتمية التوصل إلى صفقة لإنهاء الحرب، حدث الكثير مما يمكنه تفسير التحول السريع في الموقف الأمريكي، وفي المقدمة الاعترافات الإسرائيلية بأن هدف تدمير البرنامج النووي الإيراني صعب التحقق، حيث قال السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة، اليوم، لشبكة “إيه بي سي” الأمريكية إن الضربات الإسرائيلية “ليست كافية” لتحقيق ذلك الهدف، ونقلت القناة العبرية 13 عن مسؤول إسرائيلي أمس قوله: “لن نتمكن من تدمير كل البنية التحتية النووية لإيران”.
ولم يكن تدمير البرنامج النووي الإيراني هو الهدف الوحيد الذي اصطدمت إسرائيل باستحالة تحقيقه بسرعة، فقد برز عنوان “تغيير النظام في إيران” على واجهة المشهد بعد الهجمات الإسرائيلية التي قتلت كبار القادة العسكريين في إيران يوم الجمعة، حتى أن نتنياهو طلب من الإيرانيين أن يثوروا ضد الحكومة الإيرانية، وقال إنه سيساعدهم، ولكن سرعان ما اختفى هذا العنوان بمجرد أن وصلت أولى موجات الرد الإيراني إلى إسرائيل، حيث أصبح المسؤولون الإسرائيليون أكثر حرصاً في تصريحاتهم على توضيح عدم امتلاك إسرائيل القدرة و”الشرعية” لتحقيق مثل هذا الهدف.
الرد الإيراني يتجاوز التوقعات:
مع الاصطدام بحقيقة صعوبة تدمير البرنامج النووي الإيراني، واستحالة إسقاط النظام في طهران، شكل الرد الإيراني العسكري مفاجأة كبيرة لإسرائيل والولايات المتحدة معاً، حيث كان حجم الدمار الذي أحدثته الصواريخ الإيرانية داخل العمق الإسرائيلي، بما في ذلك تل أبيب، غير مسبوق، كما أن بنك أهداف تلك الصواريخ لم يكن فقط غنياً بالمواقع الحساسة للغاية مثل وزارة الدفاع الإسرائيلية ومركز أبحاث علمية عسكرية مثل “وايزمان” بالإضافة إلى مصافي حيفا، ومجموعة من القواعد الجوية، بل شمل بنك الأهداف أيضاً أبراجاً وبنايات، ومنازل أشارت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أنها تعود لقادة كبار لم يتم السماح بالكشف عن هوياتهم.
وإلى جانب الرغبة الواضحة في تحقيق أضرار واسعة وغير مسبوقة في التاريخ، فقد أظهرت الهجمات الصاروخية الإيرانية أيضاً تفوقاً واضحاً على المنظومات الدفاعية التي تعتمد عليها إسرائيل، بما في ذلك “ثاد” الأمريكية، كما أظهر استمرار تدفق الصواريخ الإيرانية على مدار الساعة استعداداً واضحاً لدى طهران لخوض مواجهة مفتوحة بوتيرة عالية، وهو استعداد لا تملكه إسرائيل التي وضعت لنفسها سقفاً زمنياً بـ “الأسابيع”، حسب ما نقلت شبكة “سي إن إن” عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين اليوم الأحد.
الحاجة إلى استراتيجية “خروج”:
استحالة تحقيق أهداف الهجوم على إيران، ومخاطر استمرار الهجمات الإيرانية غير المسبوقة فضلاً عن تصاعدها، تفسر بوضوح تصريحات ترامب عن الحاجة إلى “صفقة” مثل تلك التي أبرمتها الهند وباكستان (والتي لم تكن الولايات المتحدة مهتمة بالتوصل إليها في بداية المواجهات كما قال ترامب) على أن اختيار الاستشهاد بهذه الصفقة بالتحديد يشير بوضوح إلى الحاجة إلى مخرج “سريع” في حال تأزمت الأمور، وهو ما بدا واضحاً في كلام ترامب.
ولا يعني تغير موقف ترامب أن الحرب ستتوقف الآن، لكنه يشير بوضوح إلى أن واشنطن تعمل على تمهيد الطريق لاستراتيجية خروج سريعة مسبقاً في حال انسداد أفق الحرب أو تفاقم التداعيات العكسية، لأن الذهاب إلى خيار الاتفاق بدون خلفية “دبلوماسية” مسبقة سيكون اعترافاً مدوياً بالفشل، كما حدث مع إنهاء الحملة الأمريكية ضد اليمن.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news