في مشهد يحمل دلالات رمزية تزامنت مع الذكرى الـ572 لفتح إسطنبول، شهدت تركيا عبور أول منصة عائمة لإنتاج الغاز الطبيعي في تاريخها، تحت اسم "عثمان غازي"، عبر مضيق البوسفور، متجهة نحو البحر الأسود حيث من المنتظر أن تبدأ مرحلة جديدة من الإنتاج المحلي للطاقة.
وانطلقت المنصة من أمام قصر "دولمة بهجة" في إسطنبول وسط مراسم رسمية حضرها الرئيس رجب طيب أردوغان ووزير الطاقة ألب أرسلان بيرقدار، في حدث وصفته الحكومة التركية بأنه "بداية عصر جديد من الاستقلال الطاقي".
واستغرقت عملية العبور 11 ساعة، واعتُبرت أكبر عملية سحب بحرية في تاريخ الجمهورية، بمرافقة فرق السلامة الساحلية وتحت إشراف طواقم ملاحية مختصة.
نقلة بحرية ضخمة نحو السيادة الطاقية
تمثل "عثمان غازي" نقلة نوعية في استراتيجية تركيا لتقليل الاعتماد على واردات الطاقة. فهي أول منصة عائمة متكاملة مخصصة لإنتاج ومعالجة الغاز الطبيعي في المياه العميقة، وتحديدًا في حقل "صقاريا" العملاق، أكبر حقول الغاز المكتشفة في البحر الأسود.
ويبلغ طول المنصة 298.5 مترًا، وعرضها 56 مترًا، وتضم مرافق متطورة تستوعب حتى 140 متخصصًا من المهندسين والفنيين. وتصل قدرتها الإنتاجية إلى
10.5 ملايين متر مكعب من الغاز يوميًا
، تُنقل عبر خط أنابيب بحري بطول 161 كلم إلى شبكة التوزيع الوطنية مباشرة، دون الحاجة لمنشآت وسيطة.
من المقرر أن تبدأ عمليات الإنتاج الفعلية منتصف عام 2026، وتستمر المنصة في الخدمة لمدة تصل إلى 20 عامًا.
مضاعفة الإنتاج وخفض الاعتماد على الخارج
توقعت وزارة الطاقة أن تُضاعف المنصة الجديدة الطاقة الإنتاجية اليومية من الغاز في المرحلة الأولى من 9.5 ملايين متر مكعب إلى 20 مليون متر مكعب، بما يُغطي احتياجات
4 ملايين منزل
، ويُقلص واردات البلاد من الطاقة.
وبحلول عام 2030، تستهدف الحكومة تغطية
30% من الطلب المحلي
عبر الإنتاج المحلي، على أن تبلغ الكمية المنتجة 40 مليون متر مكعب يوميًا في عام 2028، وهو رقم يكفي نظريًا لتلبية كامل استهلاك المنازل التركية.
تحديات الواقع وتقديرات الخبراء
رغم التطلعات الطموحة، تؤكد الباحثة في شؤون الطاقة
جيران بيلتكين
أن الوصول إلى نسبة 30% من الاكتفاء المحلي بحلول 2030 "ممكن لكنه مشروط"، لاسيما في ظل تعقيدات البيئة البحرية وتقلبات السوق.
وترى بيلتكين أن نسبة
20% إلى 25%
تُعد أكثر واقعية، شرط الاستمرار في الاستثمار وتحديث البنية التحتية.
أما الخبير الاقتصادي
عمر أكوتش
، فنبّه إلى أن مشروع "عثمان غازي" يمثل فرصة لتقليص عجز الميزان التجاري، لكنه
لا يكفي وحده
لمعالجة التحديات الهيكلية التي يواجهها الاقتصاد التركي.
أسطول بحري ينافس الكبار
يمتلك الأسطول التركي حاليًا أربع سفن حفر متقدمة: "فاتح"، "ياووز"، "قانوني"، و"عبد الحميد خان"، بالإضافة إلى سفينتي مسح زلزالي، ما وضع تركيا في المرتبة السادسة عالميًا من حيث قدرات التنقيب البحري.
وقد شكّل اكتشاف حقل "صقاريا" في عام 2020 نقطة التحول الكبرى، وأساس التحول من الاستيراد إلى الإنتاج المحلي، مع خطط مستقبلية لتصدير الفائض نحو
أوروبا
عبر "الممر الجنوبي".
ويُضخ حاليًا نحو 18 مليار متر مكعب من الغاز عبر هذا الممر، وتطمح تركيا لتوسيع قدرته ليشمل الغاز المكتشف في البحر الأسود والبحر المتوسط، ما يعزز مكانتها كلاعب محوري في أمن الطاقة الإقليمي.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news