جريمة دار الرئاسة .. جرح في قلب الجمهورية اليمنية
قبل 20 دقيقة
في الثالث من يونيو 2011، الموافق الأول جمعة من شهر رجب، شهد اليمن واحدة من أبشع الجرائم في تاريخه الحديث: تفجير جامع دار الرئاسة أثناء أداء صلاة الجمعة، في محاولة اغتيال مباشرة للرئيس الأسبق علي عبدالله صالح وعدد من كبار المسؤولين في الدولة. هذه الجريمة التي لم يُكشف حتى اليوم عن كل خيوطها وتفاصيلها، ستظل وصمة عار لا تُمحى على جبين مرتكبيها، سواء كانوا أفراداً أو جماعات أو كيانات سياسية
.
لم تكن تلك الجريمة مجرد اعتداء على أشخاص، بل كانت ضربة غادرة استهدفت كيان الدولة اليمنية ومركز القرار السياسي فيها. من داخل المسجد، وأثناء لحظة روحانية جمعت قادة الدولة في بيت من بيوت الله، اخترق الإرهاب جدار الأمن والطمأنينة، ليعلن بداية مرحلة جديدة من الفوضى والدم.
إن جريمة دار الرئاسة حملت بصمة واضحة لتحالفات مشبوهة، التقت فيها مصالح جماعة الإخوان مع جماعة الحوثي، رغم ما بينهما من اختلافات ظاهرية. لقد كان الهدف مشتركًا: ضرب الدولة اليمنية وتقويض نظامها الجمهوري. وما بدأ في جامع الرئاسة لم ينتهِ هناك، بل كان شرارة لتحالف دموي توسع لاحقًا ليشمل مؤسسات الدولة، وينتقل من البر إلى البحر، حتى وصل إلى باب المندب، أحد أهم الممرات البحرية الاستراتيجية في العالم.
إن الجريمة لم تكن سوى رأس جبل الجليد في مشروع تآمري طويل المدى، خطط له بدقة وبدعم من أطراف إقليمية. أدوات إيران، عبر الحوثيين، وتنظيم الإخوان، عملا على إشعال الفتنة وبث الانقسام، حتى أصبح اليمن ساحة مفتوحة للصراع، ومسرحًا لفوضى عارمة لا تزال فصولها مستمرة حتى اليوم.
لقد كان دار الرئاسة رمزاً للشرعية والجمهورية، واستهدافه في ذلك التوقيت الحرج لم يكن عبثياً، بل محاولة لكسر مركز القرار، ودفع البلاد نحو الفراغ والاحتراب الداخلي. ومنذ ذلك اليوم، دخل اليمن في نفق طويل من الصراع والانقسام، أثخن فيه الجرح الوطني وتراجع فيه الأمل بالدولة.
إن جريمة دار الرئاسة ليست حدثاً عابراً يمكن أن يُنسى مع مرور الزمن، بل جريمة إرهابية مكتملة الأركان، لن تسقط بالتقادم، وسيلعنها التاريخ إلى الأبد. منفذوها ومخططوها لم يكن يهمهم الشعب اليمني ولا مستقبله، بل سَعوا للسلطة والنفوذ ولو على أنقاض وطن بأكمله.
هذه الجريمة كانت بمثابة تحذير مبكر للعالم بأن الإرهاب، بمختلف أجنحته، يمكن أن يضرب في أي لحظة وبأبشع الطرق. لقد كانت رسالة دامية بأن الإرهاب لا يعترف بدين ولا بحرمة مقدسات، ولا يتوقف أمام أي قيمة إنسانية أو وطنية.
و الحقيقة انه رغم مضي أكثر من عقد على وقوع الجريمة، إلا أن ملفها لا يزال مغلقاً، وحقيقتها لم تُكشف بالكامل. ولهذا، فإن المطالبة بتحقيق دولي مستقل أصبحت ضرورة ملحّة، ليس فقط من أجل إنصاف الضحايا، بل من أجل كشف الحقائق ووقف دوامة الإفلات من العقاب.
إن العدالة لا تتحقق بالصمت، ولا تُصان الذاكرة الوطنية بالتجاهل. ويجب أن يكون هناك ضغط شعبي ورسمي ودولي لفتح هذا الملف، وتقديم المسؤولين إلى المحاكمة، أياً كانت مواقعهم أو انتماءاتهم.
ستبقى جريمة دار الرئاسة محفورة في ذاكرة اليمنيين، كعلامة سوداء على مشروع الفوضى والانقلاب على الدولة، وستظل شاهدة على لحظة مفصلية خطط لها أعداء الجمهورية بتأنٍ وخبث. واليمن- رغم الجراح- لن ينسى. فالتاريخ لا يُكتب بالنسيان، بل بالحقائق والدماء والعدالة المنتظرة.
وسيبقى صوت الضحايا يعلو، في وجه كل من حاول طمس الحقيقة، لأن اليمن لا يموت، وإن طال ليله.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news