في عيد الوحدة .. وحدة القرار المُقسَّم على ثمانية رؤوس!
قبل 2 دقيقة
يطلّ على شعبنا اليمني عيدُ الوحدة الخامس والثلاثون واليمنُ على مفترق طرق بين الاحتفاء الرمزي بذكرى 22 مايو 1990، وبين وضع ميدانيٍّ يُنذر بضياع أهم منجزٍ وطني و سياسي في التاريخ الجمهوري، كواقع مؤلم يبشر بمزيد من التفتت والكنتونات التي تقود إلى المجهول وأكثر من برميل تشطيري ينصب على الخارطة اليمنية .
في هذه الذكرى، يتوجب أن نسأل أنفسنا سؤالًا وجوديًا: هل نحتفل بوحدة الأرض، أم نرثي لتمزّق القرار، وخصوصًا أننا أصبحنا لم نعد نخاف التشطير شمالًا وجنوبًا بل التشظي إلى عدة أشطار ودويلات متناحرة والتي حذر منها الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح قبل استشهاده في أكثر من لقاء ومناسبة، وهذا ما أصبحنا نخاف منه الآن فعليًا.
فبينما نُحيي المناسبة الوطنية الخالدة، يعيش اليمنيون أتعس وأقسى أيام حياتهم على جميع المستويات من اوضاع متردية،وهم يشاهدون سفينة الوطن يقودها أكثر من ربان لا تجمعهم كلمة سواء، سفينة تسير نحو الغرق، ويقف رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، لا في منصة خطاب، بل في مفترق سلطات، يلوّح بيده للمواطنين ويهمس: "صدقوني القرار ليس بيدي!" وهذا قد يعطية فرصة التنصل عن أي فشل و المساءلة امام الشعب.
وبحسب تصريحات العليمي نفسة ان، القرار موزَّع على الأعضاء الثمانية لمجلس القيادة، هذه التوليفة الرئاسية تبدو كفرقة موسيقية بلا قائد، ينطلق منها أصوات نشاز، وكل عضو يعزف على إيقاعه، وصلاحياته، وأحلامه، ومصالحه، وربما طموحاته الفيدرالية.
ومن قلب هذا المشهد يبرز سؤالٌ يتداوله الشارع والنخب معًا: لماذا لا يُمنح الدكتور رشاد محمد العليمي الفرصة الحقيقية لاسقاط حججه و مبرراته و يمنح صلاحياتة الرئاسة المنفردة، ويُعاد توزيع أعضاء مجلس القيادة الرئاسي على مواقع تنفيذية وعسكرية في جهاز دولة واضحة تضع حدًّا للمحاصصة و إزدواجية القرار كما يدعي دائما العليمي؟!.
حينما نشأ المجلس في إبريل 2022 كصيغةٍ توافقية لتمثيل الطيف المقاوم للحوثيين، ألم يدرك صانعو السياسة، ونحن نواجه عدوًا حوثيًا سلاليًا مشتركًا ان جمع ثمانية قادة يختلفون في الجغرافيا والمصالح في ظل وجود أكثر من مرجعية وغياب الانسجام في الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي المقدم من التحالف وبما يضعف الأداء ويعرقل أي توجه نحو الاستقرار واستعادة الدولة.
النظريّة كانت نبيلة: توسيع الشرعية وضمان ألا يشعر أي مكوّن بالتهميش. لكن التطبيق كشف معضلتين، أولاهما بطء التوافق حين تتطلّب المعركة قراراتٍ سريعة، وثانيهما استمرار المناطق العسكرية والمالية التي عطّلت مشروع "جيش الدولة" وأبقت البنادق تحت راياتٍ شتّى وهذا احد مبررات العليمي و علينا اسقاطها بمنحه الفرصة في ادارة الدولة.
العليمي نفسه لا يتهم زملاءه بالتعطيل المتعمّد، بل يقرّ بأن التنوّع ضرورة مرحلية،كمراوغه سياسية غير أنّه يلمّح في مقابلاته بشكل واضح إلى أنّ ضياع الزمن بين الاجتماعات يقوّض فرص الحسم السياسي والعسكري ويفتح أبواب الفساد.
في هذه المرحلة من الضروري بمكان أن يُمنح الدكتور رشاد العليمي الفرصة الكاملة لقيادة الدولة برأس واحدة وحكومة واحدة ودعم واحد من التحالف العربي، وهو ما يُعد مطلباً مشروعاً وعادلاً لضمان فاعلية مؤسسة الرئاسة.
فالعليمي يواجه صعوبات حقيقية في اتخاذ قرارات مصيرية كما يقول بسبب الشركاء في مجلس القيادة وتداخل الصلاحيات، وهو أمر يشتكي منه باستمرار في محادثاته ومشاوراته وحوراته.
ولهذا تكمن أهمية إعطاء العليمي فرصة في حسم مركز الثقل التنفيذي، ويمنح الداخل والخارج عنوانًا واحدًا للتفاوض والمساءلة، مع الاحتفاظ بتمثيل القوى في مناصب ذات طابع إداري أو ميداني بحسب الاتي:
الأول ليكون محافظًا لحضرموت وقائدًا للمنطقة العسكرية الثانية، والثاني محافظًا لعدن مع إشراف أمني على الحزام الأمني بعد دمجه، وليكون أحدهم محافظًا لصعدة وقائدًا للمنطقة الشمالية، ولماذا لا يُعيَّن احدهم نائبًا لرئيس الوزراء ووزيرًا للأوقاف – فقد نحتاج إلى كثير من الدعاء –، والمنطقة الوسطى بحاجة الى قائد متزن و له راوبط مع كل التيارات ، و تعز والمنطقة الغربية في حاجة لشخص قريب من الناس يهتم بالتنمية، وأحدهم يُعيَّن محافظًا لمأرب وقائدًا للمنطقة هناك.
هذا التوزيع يُبقي رمزية الشراكة، ويُنهي في الوقت ذاته لعبة "الفيتو" المتبادل داخل المجلس، لأن القرارات السيادية ستصدر عن رئيسٍ واحد يخضع لاحقًا لمساءلة برلمانية وشعبية، لا لمساومات اللحظة.
فوائد إعطاء العليمي الفرصة لا تقتصر على السرعة، إذ يتيح كذلك توحيد بندقية الشرعية تحت مظلة وزارة الدفاع في رسالةٍ تطمئن المانحين الغربيين وتربك خصم الداخل: فلا مرتباتٌ مزدوجة، ولا خطوط إمدادٍ متناقضة. كما أن تمكين المحافظين بموارد محلية يشكّل صمّام أمان يحول دون المركزية القسرية التي فجَّرت الصراعات.
المخاوف، بطبيعة الحال، حاضرة: الجنوب يتحسّس من حكم الفرد، والقبائل ترفض الفراغ الضامن لمصالحها. غير أنّ هذه الهواجس يمكن تبديدها عبر وثيقة ضمان دستوري تضع سقفًا زمنيًا للتفويض وتربطه ببرنامج دمج أمني واقتصادي ينتهي بانتخابات عامّة.
الدرس الذي يقدّمه عيد الوحدة هذا العام واضح: المشكلة لم تكن يومًا في فكرة الوحدة، بل في إدارة التنوّع.
و يمنح التاريخ اليوم قادته فرصة أخيرة: إمّا تفويضٌ متوازن يعيد عجلة الدولة إلى مسارٍ واحد، أو استمرار معادلة ثمانية رؤوس وميزانية واحدة، وهي معادلةٌ لم تنتج إلا جبهاتٍ تستنزف طاقات اليمنيين وتُطيل عمر الحرب وتمنح الحوثي التمدد.
إذا اختار صانعو القرار الجرأة، فقد يشهد اليمن في عيده السادس والثلاثين دولةً بجيش موحّد ورئيسٍ مسؤول أمام برلمانٍ منتخب.
وإذا استسلموا للحسابات الصغيرة، فلسوف تبقى الأناشيد تعلو في المنصّات، فيما تتراجع الدولة خطوةً أخرى إلى الخلف، وحينها لن ينفع الندم في ترميم ما تهدّم.
بهذا سيكون رشاد العليمي رئيسًا بقرار، لا "رئيسًا شرفيًا"، رئيسًا يُمنح فرصة ليقود، لا ليبرّر، رئيسًا يُحاسب، لا يُشارك القرار مع سبعة آخرين ثم يُلام.
دعونا نكون أكثر جدية، ألم يحن الوقت لأن نعود إلى جوهر الوحدة؟، وحدة القرار، لا كثرة القرارات، أن نمنح فرصة رأس الدولة رأسًا واحدًا فقط و حكومة واحدة؟
أما ثمانية رؤوس في مجلس واحد، فهي وصفة شعبية لصداع مزمن، وشكوى متكررة!
ولا يسعنا في النهاية إلا أن نبعث للمجلس الثماني ذاك بتهنئة مفادها:
كل ذكرى وحدة وأنتم في وحدة، ومجلسكم في شتات.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news