بين صنعاء وعدن .. فارق جوهري يكشف وجه الحقيقة
قبل 2 دقيقة
في وطنٍ واحدٍ تتقاسمه الجغرافيا والدم واللغة، تعيش مدينتان يمنيتان واقعتان تحت سلطتين مختلفتين، ولكن بينهما فارق جوهري يعكس عمق الأزمة ويجسد واقعاً بائساً من التناقضات في الحقوق والحريات. الفارق بين صنعاء وعدن ليس مجرد تباين في الإدارة أو السلطة، بل هو فارق يمس جوهر الكرامة الإنسانية وحرية التعبير، ويُعرّي الوجه الحقيقي للواقع السياسي والحقوقي في اليمن
.
في عدن، ورغم الأوضاع الصعبة، يستطيع المواطن أن يخرج إلى الشارع، أن يهتف، أن يطالب، أن يرفع صوته احتجاجاً على انقطاع الكهرباء، أو تدهور خدمات المياه، أو انعدام الأمن. يستطيع أن يعبّر عن رفضه لسياسات أو فساد أي مسؤول، دون أن يُعد ذلك جريمة تستحق الإخفاء القسري أو الاعتقال أو تهمة "العمالة للخارج". ما زال للناس في عدن، وباقي المحافظات المحررة، هامش من الحرية يسمح لهم بالوقوف، إن لم يكن ضد السلطة، فعلى الأقل في وجه الإهمال والخذلان.
لكن في صنعاء، المشهد مختلف تماماً. في صنعاء، عليك أن تصمت. تصمت وأنت جائع، تصمت وأنت مهدد، تصمت وأنت ترى الظلم عياناً، وتخشى أن يكون تنفسك بصوت مرتفع سبباً في اعتقالك. هناك، الرأي الوحيد المسموح لك بممارسته هو الصمت — وحتى هذا قد يُصادر منك في لحظة، عندما يُطلب منك أن تمدح الجلاد وتصفق للظلم وتُمجّد من يسلبك لقمة العيش وحق الحياة الكريمة.
هذا هو الفارق الجوهري بين عدن وصنعاء، فارق في قيمة الإنسان، في حريته، في قدرته على التعبير عن ألمه، في أحقية احتجاجه على الواقع الذي يرزح تحته.
وما شهدناه مؤخراً في عدن، من خروج "حرائر عدن" إلى الشوارع، لم يكن مشهداً عابراً أو لحظة غضب انفعالية، بل كان لحظة وعي ناضجة وشجاعة، جسدت معاناة آلاف الأسر التي لم يعد لديها ما تصبر عليه. النساء، اللواتي يُفترض بهن أن يكنّ آخر من يُجبر على الخروج من منازلهن للمطالبة بالحقوق، كسرن جدار الصمت، وخرجن يحملن هموم المدينة والوطن، صادحات بصوتٍ شريف يرفض الذل والخذلان.
هذا المشهد النسوي النبيل، هو انعكاس لصورة أوسع لمعاناة يعيشها اليمنيون في كافة المحافظات المحررة، حيث الفساد، وغياب الشفافية، وانعدام الخدمات الأساسية، يلتهم ما تبقى من أمل في الدولة. لكنه في الوقت ذاته، صفعة قوية للوجوه التي اختارت الصمت واللامبالاة في مواقع المسؤولية.
ومن الإنصاف أن نقول إن هذه المعاناة لا تنحصر في عدن وحدها، بل تمتد كاللهب لتحرق ما تبقى من مقومات الحياة في تعز، والضالع، وأبين، وشبوة، ولحج، وغيرها من المحافظات المحررة. وكذلك، بل وبصورة أشد قسوة، في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي، حيث يعيش المواطن تحت سطوة القمع، وتغوّل الأجهزة الأمنية، وتسلط الأيديولوجيا، وسرقة المساعدات، واحتكار القرار.
في المحصلة، يدفع اليمنيون في كل أنحاء البلاد ثمناً باهظاً نتيجة الانقسام السياسي، وفشل الشرعية في المحافظات المحررة، ووحشية الانقلابيين في مناطق سيطرتهم. وكل هذه العوامل تعزز الشعور العام بأن الدولة في اليمن باتت غائبة أو مغيبة، وأن المواطن أصبح مجرد رقم يُستنزف في قوائم المساعدات، أو يُستدعى في معارك لا ناقة له فيها ولا جمل.
ما طالب به المواطنون، وما صدحت به النساء في شوارع عدن، ليس ترفاً، ولا خيانة، ولا مؤامرة، بل هو أضعف الإيمان. هو مطلب إنساني بسيط: "نريد دولة، نريد كهرباء، نريد ماء، نريد حياة بكرامة". فهل يُعدّ هذا كثيراً؟
إن الفارق بين من يطالب علانية بالحقوق، وبين من يُطلب منه أن يمدح ظالمه، هو الفارق بين مجتمع حي وآخر مكبّل. وإن أول خطوة نحو حل أزمة اليمن هي الاعتراف بهذا الفارق، وإعادة الاعتبار لكرامة الإنسان، كمدخل ضروري لبناء دولة تحترم مواطنيها وتكفل لهم حرياتهم وحقوقهم، دون أن تُقصي أو تُخوّن أو تُصادر الرأي.
الخلاصة:
اليمن يعيش تحت سلطتين، لكن الأزمة واحدة. القمع في صنعاء، والفشل في عدن، كلاهما ينهش ما تبقى من وطن، والمواطن العادي هو من يدفع الثمن. وما نحتاجه اليوم ليس تبادل الاتهامات، بل وحدة الصوت، وحدة المطالب، وضغط شعبي موحد من كل أبناء اليمن، من عدن إلى صنعاء، لاستعادة الدولة والعدالة والكرامة.
هل آن الأوان لنستمع لصوت النساء أولاً، قبل أن يطغى صوت الانهيار الكامل؟!.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news