مشاهدات
يبدو أن هيمنة الصين على المعادن النادرة، والتدابير التنظيمية الصينية الأخيرة ذات الصلة بتصدير بعض المعادن إلى الولايات المتحدة، باتا يؤثران بشكل كبير على قاعدة الصناعة العسكرية الأميركية ويمسّان أكثر من ثلاثة أرباع سلسلة توريد الأسلحة الأميركية. ووفقاً لدراسة حديثة صدرت عن شركة جوفيني الأميركية المتخصصة في تحليل البيانات، فإن 80 ألف قطعة سلاح مصنوعة باستخدام الأنتيمون، والغاليوم، والجرمانيوم، والتنغستن، والتيلوريوم، وهي معادن تُهيمن الصين على إمداداتها العالمية، ما يعني أن ما يقرب من 78% من جميع أنظمة أسلحة وزارة الدفاع الأميركي (بنتاغون)، قد تتأثر بضوابط التصدير الصينية. وتُعدّ هذه المواد أساسية في الصناعة العسكرية الأميركية في جميع أنواع الأسلحة، وخصوصاً لدى القوات البحرية. وخلال السنوات الـ15 الماضية، ازداد استخدام هذه المعادن الخمسة في الأسلحة الأميركية بمعدل 23% سنوياً، حسب الدراسة. وتشكل ضوابط التصدير التي تستهدف بشكل خاص الصناعة العسكرية الأميركية جزءاً من جهود بكين لمواجهة واشنطن. وفرضت الصين ضوابط تصدير على الغاليوم والجرمانيوم في يوليو/تموز 2023، والتنغستن والتيلوريوم في فبراير/شباط 2024، إلى جانب البزموت والموليبدينوم والإنديوم والأنتيمون في أغسطس/آب 2024.
الرقابة الصينية على المعادن النادرة
وكانت وزارة التجارة الصينية قد أصدرت في الرابع من إبريل/نيسان الحالي، إعلاناً بشأن تنفيذ تدابير الرقابة على الصادرات على سبع فئات من العناصر ذات الصلة بالمعادن النادرة المتوسطة والثقيلة. وأكد الجانب الصيني أن تنفيذ الحكومة لضوابط التصدير على المعادن النادرة يهدف إلى حماية الأمن الوطني والمصالح بشكل أفضل، والوفاء بالالتزامات الدولية مثل منع الانتشار. ولفتت إلى أن العناصر ذات الصلة تتمتع بخصائص مزدوجة الاستخدام، وبالتالي فإن فرض ضوابط التصدير عليها ممارسة يكفلها القانون الدولي. وتشير المعادن النادرة إلى 17 عنصراً بما في ذلك النيوديميوم والإيتريوم والسكانديوم والديسبروسيوم، والتي يصعب تنقيتها ومعالجتها إلى أشكال قابلة للاستخدام. إذ يترتب على عمليات التعدين والتنقية المعقدة تكاليف بيئية باهظة. وتسيطر بكين على ما يقرب من 70% من استخراج المعادن الأرضية النادرة و90% من معالجتها عالمياً. في المقابل، تُعدّ الولايات المتحدة ثاني أكبر مُنتج لها، وتمتلك سابع أكبر احتياطيات، إلا أن إنتاجها أقل بكثير من إنتاج الصين، وتعتمد على بكين في وارداتها. وقد استثنت واشنطن المعادن الأساسية من تعرفاتها الجمركية المتبادلة عالمياً، مما يعكس أهميتها للمصالح الأميركية.
في تعليقه على هذا الأمر، قال الباحث في معهد جيانغ شي للدراسات السياسية، لين وي، لـ"العربي الجديد"، إن قرار الصين بالرد على رسوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمركية من خلال فرض قيود على صادرات مجموعة متنوعة من المعادن النادرة التي تدخل في الصناعة العسكرية الأميركية هو بمثابة تحذير للإدارة الأميركية بشأن الأوراق التي تملكها بكين، وأن الأمر لا يقتصر على فرض رسوم جمركية متبادلة، بل قد تطاول الإجراءات العقابية الصينية الصناعة العسكرية في الولايات المتحدة، نظراً لأن عدداً كبيراً من الأسلحة والمعدات الأميركية يعتمد بشكل أساسي على سلسلة التوريد الصينية. وأضاف لين أن إلقاء نظرة على الصناعات العسكرية التي تعتمد على المعادن النادرة المعالجة في الصين، يبرز مدى الخطر الذي يشكله تعليق تصديرها على مشاريع الصناعة العسكرية الأميركية ومستقبلها، لافتاً إلى أن معظم الطائرات المقاتلة التابعة للقوات الجوية الأميركية تعتمد في تشغيل محركاتها وأنظمة الطاقة على مغناطيسيات مصنوعة من معادن أرضية نادرة يتم استخراجها أو معالجتها في الصين، وكذلك الأمر بالنسبة للصواريخ البالستية الموجهة.
مصير الصناعة العسكرية الأميركية
من جهته، قال أستاذ العلاقات الدولية في معهد وان تشاي للأبحاث والدراسات في هونغ كونغ، ليو مينغ، في حديث مع "العربي الجديد"، إن هناك مخاوف أميركية مؤكدة بسبب سيطرة الصين على استخراج تصدير المعادن الرئيسية. وأضاف: في ظل الهيمنة الصينية، قد تسعى الولايات المتحدة إلى بناء عمليات استخراج ومعالجة خاصة بها، لكن هذا سيستغرق وقتاً طويلاً وتترتب عليه تكلفة مالية باهظة. ولفت إلى أن الإدارات الأميركية السابقة كانت على دراية بأن بكين قد تستخدم هذه الورقة في وقت الأزمات، وهو ما حدث في خضم الحرب التجارية التي أشعلها دونالد ترامب. وأضاف أن إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، عملت جاهدة على تعزيز استخراج وتخزين المعادن الأرضية النادرة، لكن العملية كانت بطيئة جداً، وكذلك فعلت وزارة الدفاع الأميركية حين بحثت عن مكونات أخرى لاستخدامها في تصنيع طائرة أف ـ 35 المقاتلة، لكن اتضح أنه يصعب تجاوز سلسلة التوريد الصينية، على الأقل خلال هذه الفترة.
وأشار ليو إلى أن هناك توجهاً أميركياً الآن نحو أفريقيا، للبحث عن بدائل، مع بروز تقارير أميركية حول الدخول في مفاوضات مع جمهورية الكونغو الديمقراطية، موطن بعض أغنى احتياطيات العالم من الكوبالت والنحاس ومعادن استراتيجية أخرى، لإتمام صفقة تقوم على مبدأ المعادن مقابل الأمن. ويمنح الاتفاق المقترح الشركات الأميركية امتياز الوصول إلى الأصول المعدنية مقابل دعم عسكري يهدف إلى تحقيق الاستقرار في شرق البلاد المضطرب، ولكن قد يصطدم ذلك أيضاً بالوجود الصيني المتجذر في القارة الأفريقية. تجدر الإشارة إلى أنه في مارس/آذار الماضي، وقّع ترامب على أمر تنفيذي يهدف إلى تبسيط عملية إصدار التصاريح المتعلقة بالتنقيب عن المعادن النادرة، وفتح الأراضي الأميركية لإنتاج المعادن وتحرير التمويل لمشاريع التعدين والمعالجة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news