ـ تشهد مناطق الحجرية، وأرياف مدينة تعز بشكل عام، تمدداً خطيراً للألوية السلفية المسلحة، وعلى رأسها ما يعرف بألوية “المغاوير”، بما تمتلكه من عتاد عسكري وتجذر اجتماعي وتنظيمي مخيف وإن برز خافتاً ومستتراً برداءت كثيرة. هذا التمدد لا يهدد الحجرية فحسب، بل يضع مدينة تعز كلها أمام خطر محدق يستهدف القرار الوطني والثقافة والفن والمدنية والحياة العامة.
السلفية، كفكرة دينية مغلقة ومحدودة الأفق، تعادي جوهر الحياة: المرأة، اللباس، الإعلام، وكل ما يمثل ملامح المجتمع المدني الذي تأسس عبر تاريخ اليمن القديم والمعاصر. هذه الفكرة، حين تجد طريقها إلى السلطة، لا تؤمن إلا بالاحتكار الكامل للعملية السياسية والحزبية، وتتحرك بنزعة تسلطية تسعى إلى قمع كل صوت مخالف، وفرض نمط حياة منغلق يناقض طبيعة المجتمع اليمني المفتوحة والمتنوعة.
ما يزيد الوضع سوءاً هو حالة الشتات والانقسام داخل قوى السلطة الحاكمة في تعز، والتي تشكل بيئة خصبة تسمح للسلفية بالتمدد وتنظيم صفوفها بفعالية كبيرة. وفي ظل هذا الفراغ، تغزو القوى السلفية الهوية الوطنية والمدينة التي تشكلت خلال عقود طويلة من الوعي والنضال، محاولة فرض خطاب ديني متشدد لا يعترف بالجمهورية ولا بقيم المدنية والتنوع.
إن أدوات السلفية اليوم ليست مجرد خطاب ديني، بل قوة بشرية وعسكرية منظمة، تتحرك وفق أجندات لا تعترف بالتراث الوطني أو الفن أو وسائل التعبير عن الهوية اليمنية الجامعة. إنها سلطة بديلة تحاول أن تنشئ واقعاً اجتماعياً جديداً بالقوة، بعيداً عن الإرادة الشعبية والوعي المدني الراسخ في تعز.
ورغم الغموض الذي يحيط بتاريخ نشأة ألوية “المغاوير” والقوى العسكرية التابعة لها، ومع قلة المعلومات الصحفية المتوفرة حول نشاطها وخططها المستقبلية، إلا أن المؤشرات المتفرقة تؤكد استمرار تمددها في ريف الحجرية وبعض مناطق تعز. غير أن ما يجب أن يكون واضحاً لهذه القوى هو أن المجتمع المدني في الحجرية وتعز، الذي دفع تضحيات جسيمة في سبيل الشمس ـ أي في سبيل الحرية والجمهورية والمدنية ـ سيرفضهم حتماً.
فالحجرية وتعز كلها، بما تحمله من إرث نضالي وانتماء راسخ، مدينة للشمس التي قدمت في سبيلها التضحيات الكثيرة من الأرواح، وهي بالتجمع اليمني وتوجهاته السياسية مدينة جمهورية، والمجتمع نفسه يرفرف بأغلبيته حول الشمس، بروح مدنية وجمهورية، وبوعي متقدم لن يسمح بانتكاسة إلى ظلام السلفية.
تعز مدينة جمهورية، مدنية بطبيعتها، ووعيها الجمعي يرفرف حول الشمس، لا حول السواد. هي مدينة صنعت هويتها عبر عقود من النضال والفكر والتنوع، ولا يمكن للسواد، والسكاكين، واللحى الكثيفة التي تجرم كل مظاهر الحياة تحت عنوان “السلف سيحكم”، أن تفرض عليها واقعاً جديداً.
إن استبدال الشمس بالسواد، والحياة بالقمع، والحرية بالخوف، ليس خياراً مقبولاً لتعز وأبنائها. المدينة التي وهبت أرواحها للجمهورية وللحرية، ستواصل الدفاع عن هويتها، وستقاوم كل مشروع ظلامي يريد أن يعيدها إلى الوراء.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news