في ذكرى تحرير مدينة المكلا من قبضة تنظيم القاعدة الإرهابي، تقف محافظة حضرموت عند مفترق طرق جديد، يحمل في طياته تحديات أمنية متجددة واستحقاقات سياسية وأمنية تفرض نفسها بإلحاح على الواقع الجنوبي.
وبينما يحتفي أبناء حضرموت بذكرى النصر الذي تحقق عام 2016، تتجدد المطالب الشعبية والرسمية بضرورة استكمال مسار التحرير ليشمل مناطق الوادي والصحراء التي ما تزال ترزح تحت وطأة انفلات أمني مريب وسيطرة عناصر مشبوهة.
نخبة حضرموت.. تجربة أمنية جديرة بالتكرار
لقد رسخت قوات النخبة الحضرمية، المنضوية تحت قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي، مكانتها كقوة ضاربة في وجه الإرهاب، بعد أن قادت عملية تحرير ساحل حضرموت من تنظيم القاعدة في واحدة من أنجح العمليات الأمنية في تاريخ الجنوب الحديث، ولم يكن هذا الانتصار مجرد تحرير جغرافي، بل بداية لمسار طويل من إعادة بناء الثقة المجتمعية وتثبيت الأمن، في منطقة لطالما عانت من الاختراقات الإرهابية والإهمال الحكومي.
إنّ التجربة الأمنية في ساحل حضرموت أصبحت اليوم نموذجًا يُحتذى، يطالب كثيرون بتعميمه في مناطق الوادي والصحراء التي تعيش على وقع هواجس أمنية لا تنتهي، في ظل سيطرة قوى لا تخفي عداءها لمشروع الجنوب، وتعمل وفق أجندات تتناقض مع طموحات الحضارم في الاستقرار والتنمية.
وادي حضرموت.. معركة لم تُحسم بعد
في المقابل، ما يزال وادي حضرموت غارقًا في دوامة من الفوضى الأمنية المتكررة، التي تغذيها جماعات مسلحة تابعة لحزب الإصلاح (فرع الإخوان المسلمين في اليمن)، والتي تتهمها تقارير محلية ودولية بخلق بيئة حاضنة للتنظيمات الإرهابية، إما من خلال التغاضي أو التواطؤ، ومع كل حادثة اغتيال أو تفجير، تتجدد مطالب الأهالي بضرورة تمكين قوات النخبة من الدخول إلى هذه المناطق وبسط سيطرتها على الأرض، لضمان سلامة المواطنين وتجفيف منابع الإرهاب.
تهديدات متجددة تحت عباءة "التغيير"
وفي تطور خطير أعاد إلى الأذهان مشهد ما قبل 2015، ظهر ما يُعرف بـ"تكتل التغيير والتحرير" كواجهة سياسية جديدة، يترأسها شخص يُعد من أبرز قيادات تنظيم القاعدة، المدعو "أبو عمر النهدي"، الأمر الذي أثار موجة استياء واسع في الأوساط الحضرمية، وسط مخاوف من أن يكون هذا التكتل مجرد غطاء جديد لتحركات تهدف لإعادة نشر الفوضى في وادي حضرموت وتمكين الجماعات الإرهابية من الأرض مرة أخرى.
هذه الخطوة لم تمر مرور الكرام، إذ سارع المجلس الانتقالي الجنوبي إلى التنديد بها، مؤكدًا أن الجنوب لن يسمح بتكرار مشاهد الانهيار الأمني، ولن يقبل بوجود تكتلات تحمل أجندات معادية للهوية الوطنية الجنوبية وللمشروع الأمني الذي بدأت معالمه تتضح في المناطق المحررة.
حضرموت في قلب المشروع الجنوبي
تكتسب حضرموت أهمية استراتيجية كبيرة، ليس فقط من حيث المساحة والثروات، بل بوصفها رمزًا للوحدة الجنوبية ومرتكزًا لمشروع الاستقلال واستعادة الدولة. وهذا ما يجعل استهدافها – أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا – هدفًا رئيسيًا لأعداء الجنوب، ومن هنا، يؤكد قادة المجلس الانتقالي أن لا خيار أمامهم سوى فرض السيطرة الكاملة على كامل أراضي حضرموت، كشرط أساسي لحماية المشروع الوطني الجنوبي.
يبدو أن معركة حضرموت ضد الإرهاب لم تنتهِ بعد، فبينما تحقق النصر في الساحل، فإن استكمال حلقات الأمن في الوادي والصحراء يظل مهمة ضرورية لا تحتمل التأجيل، ومع تصاعد المخاطر، تتعزز القناعة بأن الطريق إلى حضرموت الآمنة والمزدهرة لا يمر إلا عبر تمكين أبناءها من إدارة أمنهم، واستئصال بؤر الإرهاب، ومنع القوى المعادية من استغلال المحافظة كورقة لخلط الأوراق في الجنوب.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news