قرأت كتابًا قبل أيام قليلة عملت على استعراض ما فيه في نشرة رف الخميس. وكان بالمناسبة حول الفن ومخاطره، ما وجدت فيه فرصة للخوض في الجدل القائم. فلفنانين لايستطعون مغادرة مناطق التخصص والشؤون التقنية الأخرى، كوسائل للإعلاء من القيمة الفنية، هذا الكتاب وجد للتشكيك بكل افتراضاتهم. وبالمناسبة، عثرت هذا الأسبوع على مقولة رائعة، في رواية فنان من العالم العائم، لكازو إيشيغورو، الفائز بنوبل 2017، يقول فيها على لسان بطله الفنان: بالرغم من أن إجلال المعلمين واجب، من المهم التشكيك في سلطاتهم.
صحيح إنني أتمثل هذا الكتاب لأنه- بدوره- وجد ليجابه السائد، لكن أفترض هنا، أن ما أنحاز له لا يبتعد كثيرًا عن هذه المسألة. فوظيفة الفن، كما يوليه المؤلفان الممارسان ديفيد بايلز وتد أورلاندو في كتابهما الفن والخوف ليس اختراع التاريخ أو التقنيات، على الرغم من تعلمنا للكثير من خلال ذلك، لكن ما نكتسبه حقًا هو استمداد الشجاعة من الصحبة الفنية. فالفن الذي يتعامل مع الأفكار أكثر إثارة للاهتمام من الآخر الذي يتعامل مع التقنيات.
إذن، تنبع أهمية التنظير الفني، في كونها تعرف مأزقه ومخاوفه الوجودية على أنهما أساس صلب لإنتاج المختلف والجديد. لذلك تكون الأعمال القديمة للفنانين محل خزي وحرج لصانعيها، لأنها تبدو وكأنها صنعت على يد شخص آخر أكثر سذاجة؛ شخص كان غافلًا عن الإدعاء وبذل المجهود في العمل، كما يفصلها مؤلفو الكتاب سابق الذكر.
ولأن اليقين يولد الإجابات وبالتالي الطمأنينة، يذهب الفن لمعارضة الأشياء الجاهزة، لأنه مثل الفلسفة يقبع في الحافة الرمادية بين العتمة والضوء، فإذا كنت بصدد توليد شيء مفيد حقًا، فإنه على الأرجح سوف يتخذ شكل سؤال.
تناهض فلسفة الفن كذلك الكمال، لأنه بنظرها يجلب العجز، فللمضي في عملك يجب الاعتراف بأن الكمال في حد ذاته، هو للمفارقة مفهوم معيب، لأن الصنعة الفنية محفوفة بالمخاطر ولا تتفق وقدرتنا على توقع الأشياء أو استحضارها قبل العمل عليها. ومن هنا، يفتقر الفن القائم على اليقين للمجازفة والإنقلابية والتعقيد وبالتالي الإيحاء والعفوية، فكل عمل جيد في حالته النهائية، كان على بعد سنتيمترات أو ثوان فقط من الانهيار التام! إذن الفن في النهاية هو تقدم مبني على تقليص الاحتمالات.
أيضًا، الفن يرفض المقارنات، لأنه يرى في المجتمعات التي تشجع المنافسة ضارة على مستوى واضح، لهذا لا يوجد فائز أو خاسر في الأوساط الفنية إلا بقدر صمود الفنان واستمراره، ومن هنا أتى الاستهجان الصارم للهاث والبحث الدؤوب عن التقدير، إذ يورث الغضب والمرارة وبالتالي التقاعد المبكر. ومن هنا يعتبر كتاب الفن والخوف، الفنانيين مخضرمين ليس من خلال عقد اتفاق سلام مع أنفسهم وحسب، بل بالنظر إلى طيف واسع من القضايا التي يتصدون لها. وهي دعوة أيضا لتقبل القيد الذي تفرضه الطبيعة على أولئك الذين يهجرون آراء القطيع ليصنعوا طريقهم الخاص؛ ويتصالحون مع حقيقة أنهم بموقفهم هذا سوف يؤكلون. وختاما ليس من المستغرب أن يحال ثمانية وتسعون في المائة من الفنانين إلى الموت المهني المبكر، بعد خمسة أعوام من تخرجهم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news