التأثيرات الاقتصادية للسياسات الضريبية الأمريكية الجديدة

     
موقع الأول             عدد المشاهدات : 169 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
التأثيرات الاقتصادية للسياسات الضريبية الأمريكية الجديدة

تشهد السياسة التجارية للولايات المتحدة تحولًا استراتيجيًا في ضوء القرارات الجمركية الجديدة، التي تهدف إلى تعزيز الموارد المالية للدولة وإعادة توجيه حركة رؤوس الأموال الخاصة بالشركات متعددة الجنسيات. وتستند هذه الإجراءات إلى رؤية اقتصادية تهدف إلى تقليص العجز التجاري، وتحفيز الإنتاج المحلي، وتعزيز مكانة الولايات المتحدة كمركز رئيسي للاستثمار والتصنيع.

خلال العقود الماضية، شهد العالم تحولًا في ديناميكيات الاستثمار، حيث انتقلت العديد من الشركات الأمريكية إلى دول توفر بيئة إنتاجية منخفضة التكلفة، ثم أعادت تصدير منتجاتها إلى السوق الأمريكية مستفيدة من الانفتاح التجاري وانخفاض الرسوم الجمركية. ونتيجة لذلك، كانت الدول المستضيفة لهذه الشركات هي المستفيد الأكبر، من خلال خفض معدلات البطالة، وزيادة معدلات التوظيف، وتعظيم عوائد التصدير.

إلا أن التعريفات الجمركية الجديدة يُتوقع أن تعيد رسم المشهد الاقتصادي، حيث من المرجح أن تحقق الولايات المتحدة عوائد تتجاوز 700 مليار دولار سنويًا. كما أن هذه السياسات ستوفر حوافز حقيقية للشركات الأمريكية لإعادة توطين صناعاتها داخل الولايات المتحدة، وتحفيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو السوق الأمريكي. ومن شأن ذلك أن يسهم في خلق المزيد من فرص العمل وتعزيز التمكين الاقتصادي للمجتمع الأمريكي. ومع ذلك، فإن نجاح هذه الاستراتيجية لا يعتمد فقط على فرض التعريفات الجمركية، بل يستدعي أيضًا تبني سياسات داعمة تشمل تعزيز الإنتاج الزراعي، وتطوير قطاع الصناعات التحويلية، وتحديث منظومة التعليم المهني والجامعي، واستقطاب الكفاءات البشرية المؤهلة من مختلف دول العالم. فهذه العوامل مجتمعة ستشكل رافدًا أساسيًا لاستدامة التفوق الصناعي وتعزيز القدرة التنافسية للولايات المتحدة على المستوى العالمي. 

على الصعيد الدولي، فإن هذه التحولات التجارية ستؤدي حتمًا إلى إعادة تشكيل العلاقات الاقتصادية بين الدول، حيث ستفرض على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة إعادة النظر في الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف. وهذا قد يفتح المجال أمام موجة جديدة من المفاوضات لإعادة ضبط النظام التجاري العالمي، بما يضمن تحقيق توازن أكثر عدالة بين الدول المصدّرة والمستوردة.

وفي هذا السياق، يمكن اعتبار هذه المتغيرات فرصة لإعادة هيكلة المؤسسات الاقتصادية الدولية، مثل منظمة التجارة العالمية، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، بحيث يتم إعادة صياغة أدوارها بما يتناسب مع التحولات الاقتصادية الراهنة، ويضمن تحقيق استقرار اقتصادي عالمي أكثر إنصافًا. فالاختلالات التي شهدتها التجارة العالمية خلال العقود الأخيرة أسهمت في تصاعد التوترات الاقتصادية بين التكتلات الكبرى، مثل مجموعة البريكس، ومجموعة الدول السبع، والتجمعات الاقتصادية الإقليمية الأخرى، مما جعل الصراعات الاقتصادية عاملًا أساسيًا في تأجيج الأزمات السياسية والعسكرية، كما هو الحال في أوكرانيا وبعض الدول العربية، كالعراق و ليبيا و سوريا و السودان و اليمن، و التي ضاعفت الازمات الاقتصادية وخاصة في البحر الاحمر الذي تاثرت منة التجارة العالمية بشكل عام و دو بعينها بشكل خاص مثل مصر وقناة السوييس . 

وغياب رؤية اقتصادية دولية متوازنة يزيد من احتمالات نشوب أزمات أوسع نطاقًا، قد تؤدي إلى اضطرابات عالمية غير مسبوقة.

إن إعادة هيكلة النظام الاقتصادي العالمي لم تعد خيارًا، بل باتت ضرورة تفرضها المتغيرات الجيوسياسية الراهنة. فالنظام الدولي الذي أُسس بعد الحرب العالمية الثانية، والذي أفرز منظمات مثل الأمم المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، ومنظمات حقوق الإنسان، يحتاج اليوم إلى إصلاح جوهري يعكس المتغيرات الجديدة في موازين القوى الاقتصادية، ويضمن تحقيق الاستقرار والازدهار المشترك لجميع الدول.

وعليه، يمكن النظر إلى القرارات الضريبية والإجراءات الجمركية الأمريكية الجديدة ليس باعتبارها عامل اضطراب في الاقتصاد العالمي، بل كفرصة لإعادة تصحيح الخلل القائم في النظام التجاري الدولي، وخاصة في المنظمات الدولية التي مضى على إنشائها عقود طويلة، مما أدى إلى تراكم اختلالات اقتصادية استفادت منها بعض الدول على حساب العدالة التجارية العالمية. وإذا لم يتم احتواء هذه الفجوات عبر إصلاحات شاملة، فإن التكتلات الاقتصادية الجديدة ستؤدي إلى مزيد من التعقيد في المشهد الاقتصادي العالمي، وربما تزيد من حدة الانقسامات التجارية، ما لم يبرز مؤشر جديد يقوم على مبدأ الاقتصاد المتوازن، ويدفع دول العالم نحو بناء اتفاقات دولية أكثر عدالة، تسهم في تحقيق الاستقرار والأمن الاقتصادي والإنساني على مستوى العالم.أ.د. محمد علي مارم

أستاذ العلوم المالية والمصرفية

شارك

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

أول ضربة جوية على مواقع الانتقالي بوادي حضرموت… الناطق العسكري يكشف التفاصيل

نيوز لاين | 1090 قراءة 

هجوم على قوات الانتقالي

كريتر سكاي | 814 قراءة 

قيادات حزب الإصلاح تستعد لمغادرة الحياة السياسية.. وإعلان رسمي يكشف ما يحدث خلف الكواليس

المشهد اليمني | 500 قراءة 

ناشط موالٍ للحوثيين يحذّر من انفجار مؤجّل

نافذة اليمن | 489 قراءة 

أنباء عن تعيين القائد السابق للمنطقة العسكرية الثانية قائداً للفرقة الثانية بـ«درع الوطن» وبدء إعادة هيكلة القوات في صحراء العبر

يني يمن | 474 قراءة 

ظهور قيادي عسكري جنوبي بارز في اعتصام عدن وسط انتقادات لممارسات ”المليشيات الانتقالي”

المشهد اليمني | 448 قراءة 

خيانات وزراء الدفاع: كيف مهد محمد ناصر أحمد ومحسن الداعري لدخول الميليشيات؟

إيجاز برس | 448 قراءة 

لحج قرارات لهاشم السيد بفصل جنود من أبناء المحافظة داخل ألوية الحماية الرئاسية واستبدالهم

موقع الجنوب اليمني | 429 قراءة 

بلا علم ولا صورة ولا دولة ..الزبيدي يترأس اجتماعاً رفيعاً لقيادة الانتقالي في قصر معاشيق

يني يمن | 300 قراءة 

حضرموت.. الانتقالي يبدأ تحركات للاستيلاء على منازل عسكريين ومدنيين

قناة المهرية | 288 قراءة