الحلقة الخامسة والعشرون.. المستشرقون واليمن.. القنصل الهولندي “ميولن” في مهمة استكشاف حضرموت

أعد الحلقة لـ”يمن ديلي نيوز” محمد العياشي:

“دانيال فان در ميولن” مستشرق هولندي شغل منصب قنصل هولندا في جدة في بداية القرن العشرين.

وُلد في 4 سبتمبر/أيلول 1894 في بلدة لارن في مقاطعة جيلدرلاند الهولندية، ودرس في جامعة لايدن على يد المستشرق الشهير كريستيان سنوك هورجونيه.

أولى “ميولن” اهتماما كبيرا بتاريخ وثقافة منطقة حضرموت، وفي هذه الحلقة نستعرض رحلاته إلى حضرموت، دوافعه وأهدافه وطموحاته وإنجازاته، بالإضافة إلى آرائه حول العلاقة بين هولندا واليمن.

دوافع الرحلة

في عام 1931، قام “دانيال فان در ميولن” برحلة استكشافية إلى حضرموت برفقة مساعده الدكتور هيرمان فون فيسمان.

كانت الرحلة تستهدف دراسة الحياة الاجتماعية والدينية في حضرموت، بالإضافة إلى استكشاف الأوضاع الاقتصادية والسياسية في المنطقة.

كما أن الرحلة كانت تحمل طابعًا دبلوماسيًا، حيث كانت هولندا تسعى لفهم تأثير الجاليات الحضرمية في مستعمراتها في جزر الهند الشرقية (إندونيسيا)، والتي كانت تشكل قوة اقتصادية ودينية كبيرة.

كانت هذه الرحلة جزءاً من مسعى هولندي لتعزيز العلاقات مع اليمن وتوثيق وجودها في المنطقة.

تكللت هذه الجهود بتوقيع معاهدة صداقة بين اليمن وهولندا في 12 مارس 1933، مما أكّد تعزيز العلاقات السياسية والتجارية بين البلدين.

بالإضافة إلى ذلك، في عام 1942، أرسل البريطانيون دانيال فان در ميولن إلى صنعاء بهدف إقناع الإمام يحيى بالوقوف إلى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، إلا أنه فشل في مهمته.

وخلال زيارته إلى صنعاء، التقط الدبلوماسي الهولندي مجموعة من الصور ظهر في إحداها على ظهر جواد.

‎

تاريخ الرحلات

خلال الفترة بين 1931 و1944، قام دانيال فان در ميولن بأربع رحلات رئيسية إلى حضرموت، حيث بدأت أولى رحلاته في عام 1931.

في تلك الرحلة التي استغرقت ستة أسابيع، رافقه الدكتور هيرمان فون فيسمان، وجمعت ملاحظات هامة عن الحياة الاجتماعية والاقتصادية والدينية في المنطقة. وفيما يلي تفاصيل رحلاته:

الرحلة الأولى (1931): بدأت في 9 مايو وانتهت في 21 يونيو 1931، حيث كانت أولى رحلاته إلى حضرموت، وسجل خلالها ملاحظات حول الحياة الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة.

 

الرحلة الثانية (1939): في هذه الرحلة، عاد لاستكمال أبحاثه حول الوضع الاقتصادي والاجتماعي في حضرموت.

 

الرحلة الثالثة (1942): استمرت هذه الرحلة ضمن مشروعه المستمر لدراسة حضرموت وتوثيق تفاصيل الحياة فيها.

 

الرحلة الرابعة (1944): كانت آخر رحلة له، حيث استمر في جمع المعلومات عن التغيرات التي حدثت في المنطقة.

أعماله في حضرموت

خلال هذه الرحلات، أصبح دانيال فان در ميولن واحدًا من أوائل الغربيين الذين وصلوا إلى قبر نبي الله هود وبئر برهوت في حضرموت، وهما معلمان كانا يحظيان باهتمام كبير وكان الوصول إليهما صعبًا بالنسبة للعديد من الرحالة الغربيين في القرن التاسع عشر.

كما وثق فان در ميولن الحياة الاجتماعية والاقتصادية في حضرموت، بالإضافة إلى توثيقه للعلاقات بين القبائل وأنشطة الحكومة المحلية.

من أبرز أعماله الكتاب الذي نشره لاحقًا “حضرموت: إزاحة النقاب عن بعض غموضها”، الذي قدم معلومات ثمينة حول المنطقة.

انطباعات “فان” عن حضرموت

الناس في حضرموت:

لاحظ فان در ميولن أن الملابس التقليدية تعكس الطبقات الاجتماعية.

كما لاحظ أن العلاقات القبلية معقدة وكانت تشكل جزءاً أساسياً من التنظيم الاجتماعي.

كما أشار إلى أهمية المساجد كمراكز تعليمية، حيث كانت تركز على تعليم الأطفال وتعليم الدين.

المساجد في حضرموت:

أشاد فان در ميولن بالطراز المعماري التقليدي للمساجد في حضرموت، مثل مساجد سيئون والمكلا.

كما لاحظ أن المساجد كانت مراكز دينية وثقافية تعقد فيها الدروس القرآنية، وكان المجتمع ملتزمًا بالطقوس الدينية اليومية.

الوضع السياسي والاجتماعي:

في فترة رحلاته، كانت حضرموت تحت الحماية البريطانية، مما استلزم التنسيق مع السلطات البريطانية لتسهيل رحلاته.

أشار فان در ميولن إلى التوترات الداخلية بين القبائل والمجتمعات في حضرموت، كما انتقد التفاوت الكبير بين الأغنياء والفقراء.

وكان من أبرز موضوعات اهتمامه تأثير الهجرة الحضرمية إلى جزر الهند الشرقية، حيث ساهم المهاجرون في دعم الاقتصاد المحلي من خلال إرسال الأموال.

الهجرة الحضرمية وتأثيرها

كانت الهجرة الحضرمية من المواضيع المحورية في دراسة فان در ميولن.

أشار إلى أن المهاجرين الحضارمة في إندونيسيا قد لعبوا دوراً اقتصادياً هاماً من خلال إرسال الأموال التي ساعدت في تحسين الأوضاع المعيشية في حضرموت.

كما لاحظ أن العائدين من إندونيسيا جلبوا معهم تأثيرات ثقافية جديدة على حضرموت، مثل الطعام واللغة، مما أثر في المجتمع المحلي.

الصور الفوتوغرافية

من الجوانب الهامة في مؤلفاته، تميز “فان” بالصور الفوتوغرافية التي وثقت جوانب الحياة في حضرموت.

تشمل هذه الصور مشاهد من المدن، المساجد، والأسواق، بالإضافة إلى تصوير الجوانب اليومية الأخرى.

أصبحت هذه الصور مرجعًا مهمًا لدراسة التغيرات التي طرأت على حضرموت في العقود التالية.

كان فان در ميولن يؤمن بأهمية تعزيز العلاقات بين هولندا واليمن، وخاصة مع الإمام يحيى.

رأى أن الحضارمة يشكلون جسرًا ثقافيًا وتجاريًا بين البلدين، مما يجعل من الضروري تحسين العلاقات الدبلوماسية بين هولندا واليمن.

كما كان يسعى إلى تعزيز الوجود الهولندي في حضرموت، حيث كانت المنطقة تضم عددًا من العمال الهولنديين في جزر الهند الشرقية.

سعى إلى التقرب من كبار المسؤولين المحليين، مثل أبوبكر بن شيخ الكاف، الذي كان يسعى لتحديث المنطقة من خلال إدخال تقنيات جديدة مثل السيارات والتكنولوجيا الحديثة.

كانت هذه العلاقات تهدف إلى تعزيز التعاون بين هولندا واليمن في المجالات الاقتصادية والثقافية.

تأثيره الثقافي

ترك دانيال فان در ميولن إرثًا ثقافيًا كبيرًا من خلال مؤلفاته التي سجل فيها تجربته ورحلته إلى حضرموت.

من أبرز أعماله “حضرموت: إزاحة النقاب عن بعض غموضها” و “من عدن إلى حضرموت: رحلة في جنوب شبه الجزيرة العربية”، حيث قدم دراسة شاملة عن الجغرافيا والحياة الاجتماعية والممارسات الدينية في حضرموت.

ساهمت مؤلفاته في إثراء المكتبة الغربية بمعلومات هامة عن تاريخ وحياة المنطقة.

تعد رحلات دانيال فان در ميولن إلى حضرموت جزءاً مهماً من تاريخ العلاقات بين العالم الغربي والمنطقة العربية.

رغم أن نواياه كانت اقتصادية إلى حد ما، فإن دراساته ساعدت في تقديم صورة غنية ومعقدة عن حضرموت واليمن للعالم الغربي.

من خلال هذه الرحلات، استطاع فان در ميولن أن يعزز المعرفة بالعلاقات التاريخية والثقافية بين هولندا واليمن، مما ترك تأثيراً عميقًا على الدراسات المستقبلية في مجال الاستشراق.

 

المراجع:

مؤلفات “دانيال فان در ميولين”

مقال للدكتور مسعود عمشوش بعنوان “الحضارم في الأرخبيل الهندي”

مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر

اليمن الجمهوري منصة “إكس”.

 

 سلسلة حلقات “المستشرقون واليمن”:

الحلقة الأولى: الألماني “نيبور” ورحلته إلى البلاد التي تحكمها التوازنات

الحلقة الثانية: “هاليفي” في رحلة استكشاف تاريخ اليمن تحت عباءة التسول

الحلقة الثالثة: رحلة البريطاني “برتون” إلى أرض النقوش والعادات الفريدة

الحلقة الرابعة: “ثيسيجر” الذي وجد أن السعادة الحقيقية في قلب الصحراء

الحلقة الخامسة: فيلبي “الحاج عبدالله” الذي ساهم في رسم ملامح الجزيرة العربية واليمن

الحلقة السادسة: “جلازير” النمساوي الذي ارتدى ثوب “التشيع” لنهب آثار اليمن

الحلقة السابعة: “مانزوني” في رحلة تكشف تطور صنعاء قبل عودة الإمامة إليها

الحلقة الثامنة: “فريا ستارك” في مهمة الاستكشاف والتجسس لصالح بريطانيا

الحلقة التاسعة: “جورج كولان” رحلة دبلوماسية واكتشاف اللهجات اليمنية

الحلقة العاشرة: الألماني “هولفريتز” في رحلة إلى اليمن من الباب الخلفي

الحلقة الحادية عشرة: الفرنسي “نيزان” والوجه المظلم للاحتلال البريطاني في عدن

الحلقة الثانية عشرة: “فيليبس” على رأس بعثة أمريكية إلى جوهرة الصحراء “مأرب

”

الحلقة الثالثة عشرة: رحلة ماكنتوش لتعلم “العربية” في البلد الأقرب للفصحى

الحلقة الرابعة عشرة: الألماني “بورخارت” الذي قاده شغفه باليمن إلى مقتله

الحلقة الخامسة عشرة: الألماني “هيرش” أول غربي يزور شبام حضرموت

الحلقة السادسة عشرة: “روبرت سرجنت” في مهمة دراسة الثقافة اليمنية

الحلقة لسابعة عشرة: جورج وايمان بري “جاسوس” بريطاني بعباءة مستكشف

الحلقة الثامنة عشر: رحلة الفرنسي “جان جاك بيربي” في البلاد المعزولة

الحلقة التاسعة عشرة: الألماني “سيتزن”: اكتشف اليمن ولم تُكتشف وفاته الغامضة في تعز

الحلقة العشرون: “لانجر”: مهمة علمية انتهت بترحيل 22 نقشاً حميرياً إلى فيينا

الحلقة الحادية والعشرون:“فارتيما”.. أقدم قصة تجسس لصالح البرتغال في اليمن

الحلقة الثانية والعشرون: القنصل الفرنسي “أرنو” الذي أصبح باحث آثار في مأرب

الحلقة الثالثة والعشرون: “انجرامز” ومهمة تثبيت أقدام بريطانيا في حضرموت

الحلقة الرابعة والعشرون: الفرنسي “روبن”: أبرهة حميري وليس حبشي

مرتبط

الوسوم

المستشرقون واليمن

الهولندي دانيال فان در ميولن

الامام يحيى

حضرموت

صنعاء

نسخ الرابط

تم نسخ الرابط