تحقيق يستعرض مخابئ الحوثيين وقواعدهم العسكرية في كتاف صعدة

منذ نشأتها قبل عقدين، لم يتوقف تركيز جماعة الحوثيين، ذراع إيران في اليمن، على التحصن بالجبال وتطوير الملاذات والكهوف أسفل الجبال البعيدة والمنيعة وبناء المخابئ والقواعد العسكرية المدفونة تحت الأرض انطلاقا من مرتفعات صعدة شمال البلاد واعتمادا على طبيعة الحوثية كجماعة متمردة تقوم على عقيدة حروب العصابات وقتال الجبال.

إلى جانب استفادتها من استراتيجية وأسلوب إيران في التخفي الذي تم تعميمه على وكلاء وجماعات "المحور"، هذا التكتيك الإيراني الذي نهجه الحوثيون في ضحيان صعدة، اتبعه "حزب الله" في الضاحية اللبنانية.

 

تتمركز الجماعة عسكريا في صعدة والمناطق الجبلية المحيطة، ووجهت أكبر مجهودها واستثماراتها في تطوير بنى عسكرية منيعة، شارك في تخطيطها قادة من "فيلق القدس" الإيراني وخبراء من "حزب الله" اللبناني، ومن جنسيات أخرى موالية لطهران.

تضخم مجهودها تضخم بصورة متسارعة منذ ما بعد بدء عمليات "عاصفة الحزم، إعادة الأمل" التي قادتها السعودية والإمارات في مارس 2015 لدعم الحكومة الشرعية اليمنية المعترف بها دوليا ضد المتمردين الحوثيين وحلفائهم، كان دافع الجماعة تجنب الهجمات الجوية وإعادة تعبئة قدراتها. ثم وجدت الحوثية فرصتها الذهبية منذ إعلان الهدنة الأممية وتوقف الهجمات في أبريل 2022، وتستغل الهدنة الهشة لاستعادة أنفاسها وترتيب صفوفها استعدادا لجولات قادمة من الحروب التوسعية.

 

وقد استنفرت الجماعة مجهودها الرئيسي منذ إعلان التحالف العسكري الدولي "حارس الإزدهار" الذي قادته أمريكا وبريطانيا ودولا أوروبية لتأمين الملاحة في البحر الأحمر وممر باب المندب عقب بدء الحوثيين في استهداف السفن في إحدى أهم الممرات البحرية العالمية تحت عناوين مناصرة الفلسطينيين في غزة، تلا ذلك تدشين أمريكا وبريطانيا هجمات جوية وبحرية ضد الجماعة منتصف يناير 2024، استهدفت قدرات عسكرية حوثية، أعقبها هجمات إسرائيلية استهدفت البنى التحتية والخدمية ومواقع حيوية للجماعة وفي مناطق سيطرتها.

الأمر الذي زاد من مخاوف الجماعة ودفعها لإعادة تحديث تكتيكاتها عسكريا وأمنيا وإعادة تعبئة قدراتها وأصولها الحربية الاستراتيجية وتمركز قيادتها بعيدا عن متناول الغارات.

 

وقد ركزت الجماعة الحوثية قدراتها ومنشئاتها الرئيسية وسلسة المرتفعات الجبلية وسط صعدة الممتدة إلى أطراف الحدود مع السعودية شمالا وإلى مناطق الجوف شرقا وحجة غربا وعمران جنوبا. وأحاطت مدينة صعدة، مركزها العملياتي والفكري، بحزام عسكري وأمني وأنساقا دفاعية متقدمة من القوى غير الصلبة للمناورة بها أمام أي هجمات تستهدف الجماعة.

وتشير مصادر محلية"ديفانس لاين" ومصادر الاستخبارات المفتوحة إلى قيام الجماعة خلال السنوات والأشهر الماضية بإنشاء عددا كبيرا من القواعد والمقار العسكرية والمرافق اللوجستية في مناطق مختلفة من محافظة صعدة وجوارها، وأعادت تأهيل وتطوير بنيتها القديمة، ونقلت أصولها وتقنياتها الحربية المتطورة إلى صعدة ومناطق مجاورة.

 

كتاف..

مجمع مخابئ ومنطقة عسكرية محظورة

مديرية كتاف- البقع، وهي أكبر مديريات محافظة صعدة جغرافيا وتقع إلى الغرب للمحافظة، كغيرها من غالبية وأهم المناطق الصعداوية وجبالها الاستراتيجية ومواقعها الحاكمة حولتها الحوثية إلى مناطق عسكرية محظورة ومركزا لإدارة حروبها وتنفيذ عملياتها داخل وخارج الحدود اليمنية.

يقع فيها واحد من أكبر مجمعات القواعد والمنشئات العسكرية الحوثية. خصوصا في المناطق الجبلية التي تقع إلى الجهة الغربية والشمالية الغربية لكتاف، وهي مرتفعات واسعة قريبة من حدود مديرية الصفراء جنوبا وغربا وتمتد إلى الحدود مع السعودية شمالا.

هذه المنطقة الجبلية تقع فيها عدة قواعد ومنشئات عسكرية، تضم منشئات كبيرة تحت الأرض ومخابئ وأنفاق ومخازن ومقرات قيادة وسيطرة محصنة، تم تأمين خطوط الاتصال والربط بينها عبر شبكة واسعة من الطرق التي تم شقها خلال السنوات الأخيرة.

 

تشير مصادر "ديفانس لاين" والصور التي وثقتها الأقمار الصناعية إلى وجود ثلاث قواعد عسكرية رئيسية على الأقل، في المرتفعات الجبلية التابعة لمنطقة آل مقبل، والتي تتصل بمنطقة "العصايد" شمالا وتقع إلى الجنوب من الطريق الرئيسي الرابط بين مدينة صعدة وكتاف- البقع، وترتبط بسلسلة جبلية تمتد إلى أملح آل سالم، ويحدها غربا مناطق عكوان وكهلان التي يقع فيها معسكر كهلان.

طبيعة تضاريس المنطقة جعلتها منطقة مثالية لاستخدامها عسكريا، ولكونها جبلية ووعرة وغير مأهولة بالسكان، وسهلة الإغلاق والتحكم بخطوط وقنوات الوصول إليها وتأمينها عبر نقاط تفتيش ونقاط مراقبة وبوابات رئيسية للدخول والخروج.

إذ يفيد سكان أن تلك المنطقة تتخذها الحوثية مركزا عسكريا ومنطقة محظورة منذ سنوات.

 

كما توضح صور الأقمار التي تتبعها فريق "ديفانس لاين" أن تلك المنطقة تضم مخازن تحت الأرض ومخابى أسفل الجبال تضم مرافق لوجستية ومراكز قيادة وسيطرة، وتخزين صواريخ باليستية وورش تجميع وتصنيع. واستخدمتها الجماعة خلال الفترات الماضية لاطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيرة، وتتمركز فيها مراكز اتصالات رئيسية وأنظمة توجيه وأسلحة وذخائر دفاع جوي ورادارات.

وقد كانت المنشئات والمخابئ الحوثية في المنطقة هدفا للضربات الأمريكية والبريطانية، واستهدفتها قنابل قاذفة الشبح الأمريكية (

B-2 Spirit

) يوم 17 أكتوبر الماضي.

 

المنشأة الأولى..

تكشف صور الأقمار الصناعية وصور جوجل التي قام بتحليلها فريق "

" وجود قاعدة عسكرية تقع إلى الغرب من وادي "العشاش" مرتبطة بخطوط إمداد وطرق تمتد إلى الطريق الرئيسي والمرافق العسكرية في العصايد شمالا.

وتشير الصور إلى أن العمل في هذه المنشأة قد بدأ خلال عام 2022، يتضح ذلك من مقارنة الصورة الملتقطة بتاريخ 18 نوفمبر 2020، والتي تم التقاطها بتاريخ 31 أغسطس 2022، والصورة الثالثة الملتقطة في 31 أغسطس 2023، حيث كانت الأعمال قليلة، لكن الانشاءات ارتفعت بوتيرة عالية خلال العام 2024، كما توضح ذلك الصورة الملتقطة بتاريخ 6 يونيو 2024.

المنشأة الأولى في المجمع وفق صور جوجل إرث- انفوجرافيك "ديفانس لاين"

الصور تظهر ثلاثة مداخل لأنفاق رئيسية، ترتبط بها إلى الجهة الشمالية سلسلة من الأنفاق الفرعية على جوانب الطريق الموصلة إلى المخابئ الكبيرة، واستمرار عمليات الحفر وتكويم المخلفات الترابية، إضافة إلى وجود تفرعات صغيرة على الطريق تم تعبيدها بالمعدات لاستخدامها لمنصات إطلاق متنقلة أو لنشر منظومات دفاعية ونقاط حراسة وتفتيش.

كما تظهر الصور وجود شبكة متفرعة من الأنفاق والملاجئ التي تم تطويرها، وكذلك مغارات وجروف طبيعية قابلة للاستخدام قريبة من موقع المنشأة.

إضافة إلى وجود مرافق عسكرية قديمة تقع إلى الجهة الشمالية الغربية، في مرتفعة مطلة على جميع المواقع.

كما تظهر آثار لوقوع غارات في موقعين على الأقل إلى الجهة الشمالية القريبة من الطريق الرئيسي للمنشأة.

 

المنشأة الثانية..

إلى الغرب من المنشأة الأولى تقع منشأة عسكرية أخرى، تضم مرافق ومخابئ أكبر.

وتشير صور الأقمار الصناعية التي اطلع عليها فريق "ديفانس لاين" إلى أن العمل في هذه المنشأة قد بدأ في النصف الثاني من العام 2022، أي بعد سريان إعلان الهدنة الأممية.

 

تضم المنشأة خمسة مخابئ رئيسية على الأقل، متصلة مع بعضها، ومخابئ أخرى رديفة إضافة إلى مرافق لوجستية.

وتظهر نقاط مراقبة وحراسة قريبة وانشاءات في مواقع مطلة على المنشأة.

وتظهر الصور وجود أكوام كبيرة من الأتربة ومخلفات الحفر، ووجود معدات ثقيلة في محيط المنشأة.

موقع المنشأة هو منطقة مغلقة، تقع أسفل مرتفعات متصلة ببعضها، ترتبط بمواقع ومغارات متفرعة في الوديان والسوائل جنوبا.

وتتصل المنشأة بخط إمداد شمالا إلى الطرق الرئيسي، وإلى موقع كسارة مرتبطة بمواقع عسكرية.

وقد كانت هدفا لغارات القاذفة الشبح، وهجمات أمريكية بريطانية خلال الأشهر الماضية.

 

المنشأة الثالثة...

 

تظهر صور جوجل وجود منشأة عسكرية أخرى، إلى الغرب من تلك القاعدة.

وتوضح الصور التي وثقتها الأقمار الصناعية وحللها فريق "ديفانس لاين" أن الأعمال الانشائية في القاعدة قد بدأ مطلع العام 2020، لكن وتيرة تلك الأعمال تسارعت منذ مطلع 2022.

كما تظهر الصور وجود مخلفات كبيرة من أتربة الحفر في محيط المنشأة. وفي مرتفعات قريبة ومطلة على المنشأة تظهر مرابض يرجح أنها لنشر منصات إطلاق متحركة وأسلحة دفاع جوي.

وتضم المنشأة ثلاثة مخابئ رئيسية على الأقل تحت الأرض تم نحتها أسفل جبلين متصلان ببعضهما، تربط بينهما طرق فرعية وخطوط إمداد متفرعة في سوائل ووادي يتصل بالطريق الرئيسي الرابط ببن مدينة صعدة وكتاف.

 

أعمال إنشائية واسعة وتفجيرات مستمرة

 

تفيد المعلومات أن الجماعة الحوثية استنفرت جهودها خلال الأشهر الماضية لتسريع الأعمال الانشائية في المقار والمخابئ العسكرية في صعدة وجوارها.

ويقول سكان إن الانفجارات الناتجة عن أعمال الحفر تصاعدت بصورة شبه يومية، فيما وجهت الجماعة معدات حفر ثقيلة وناقلات كبيرة إلى مناطق المجمعات العسكرية.

وأعادت الجماعة تحديث إجراءاتها الأمنية وزادت الحراسات ونقاط التفتيش والمراقبة وعمليات التمويه والخداع حول منشئاتها العسكرية.

 

تشير مصادر تجارية تحدثت لـ "

" إلى توجيه الجماعة الحوثية انتاجات مصنع الأسمنت في عمران ومصنع أسمنت تهامة في عبس حجة إلى صعدة ومناطق مجاورة لها، إلى جانب توجيه الجماعة كميات كبيرة من شحنات الأسمنت والحديد والأخشاب المستوردة، لاستخدامها في تطوير القواعد والمرافق العسكرية في صعدة والمناطق الجبلية المجاورة، وتحصين مخابئ الأسلحة والذخائر بالخرسانة الاسمنتية وطبقات ترابية.

 

تمكنت الجماعة من توريد معدات حفر متطورة تستخدم في حفر الانفاق والمناجم عبر موانئ الحديدة باسم شركات للنقل ومؤسسات تجارية، بعضها مزورة وأخرى تتبع قيادات الجماعة وتجار موالين لها.

وتستفيد من الكسارات ومعداتها ومنشئاتها المنتشرة في صعدة لعملياتها العسكرية، وبعض تلك الكسارات التي تقع في مناطق مغلقة تتبع قادة الجماعة وموالين لها.

 

 

وكان موقع "ديفانس لاين" قد استعرض في تحقيق سابق بعنوان: (

الحوثيون يحولون صعدة إلى أصفهان جديدة

) أهم القواعد والمنشئات والمخابئ التي طورتها جماعة الحوثي في مناطق مختلفة بمحافظة صعدة، على غرار قواعد "قشم والخجير" في أصفهان إيران.

 

كما استعرض فريق (

) في تحقيق آخر

المرافق والمخابئ التي أنشأتها الجماعة في منطقة بني حذيفة بمديرية مجز

على الحدود مع السعودية.

 

واستثمرت الحوثية جهودا كبيرة خلال السنوات الماضية لانشاء وتطوير ملاذات محصنة ضمن استراتيجيتها لخوض حروب طويلة.

وقد استعرض موقع ديفانس لاين في تحقيق سابق بعنوان: (

الحوثيون يفرون إلى الكهوف والتعسكر تحت الأرض

) أهم القواعد والمخابئ السرية للجماعة في المناطق والمحافظات الخاضعة لسيطرتها.