الحلقة الثانية عشرة: “اليمن والمستشرقون” .. “فيليبس” على رأس بعثة أمريكية إلى جوهرة الصحراء “مأرب”

اعد الحلقية لـ”يمن ديلي نيوز” محمد العياشي:

في الحلقة الثانية عشرة يسلط “يمن ديلي نيوز” الضوء على المستشرق الأمريكي “ويندل فيليبس” الذي كشف أسرار اليمن القديمة في خمسينيات القرن الماضي.

نستعرض في هذه الحلقة اكتشافات “فيليبس” في مأرب أو “تيمنا” بحسب ما أطلقه العهد الجديد “الانجيلل” على الملكة بلقيس بأنها “ملكة التيمن”، كما نستعرض التحديات التي واجهها خلال رحلته الاستكشافية.

بدايات ويندل فيليبس

في أواخر الأربعينيات من القرن العشرين، كان ويندل فيليبس، الشاب الأمريكي المتخرج حديثًا في علم الحفريات من جامعة كاليفورنيا، يعمل مع فريقه في جنوب أفريقيا ومصر.

بحلول عام 1950، انتقل فيليبس إلى اليمن، حيث بدأ رحلته الاستكشافية الأثرية التي جعلته واحدًا من أبرز المستشرقين الذين كشفوا عن تاريخ اليمن القديم.

فيلبس والامام والقبائل

في مطلع الخمسينيات (1950-1951)، حصل فيليبس على تصريح من الإمام أحمد حميد الدين، حاكم شمال اليمن، للتنقيب في مأرب، عاصمة مملكة سبأ، وتيمنا، عاصمة مملكة قتبان.

كانت دوافعه الرئيسية تتمحور حول اكتشاف الكنوز الأثرية المدفونة تحت رمال اليمن، والتي تحمل أسرارًا عن حضارات جنوب الجزيرة العربية القديمة.

في مأرب، اكتشف فيليبس معبد أوام الشهير، المخصص لإله القمر “المقة”، والذي يعتقد أنه مرتبط بملكة سبأ الأسطورية. كما قام بالتنقيب في تيمنا، حيث عثر على معابد وآثار تعود إلى آلاف السنين.

لكن رحلته لم تكن سهلة، فقد واجه فيليبس تحديات كبيرة، منها، المقاومة المحلية، حيث خشي بعض اليمنيين من سرقة آثارهم، مما أدى إلى توتر العلاقات بينه وبين القبائل.

كان الإمام أحمد حميد الدين قد سمح – بعد مفاوضات طويلة – لفيليبس وفريقه من التنقيب في مأرب وتيمنا، إلا أن موقف القبائل في مأرب شكل عقبة أمام مهمة “فيليبس” حيث كانت القبائل تتهم “فيليبس” بسرقة الآثار وهو الأمر الذي أدى لتوتر العلاقات مع القبائل مما أجبره على مغادرة اليمن عام 1952 دون إكمال جميع أعماله.

كان فريق فيليبس مكونًا من مجموعة من الخبراء، منهم: ويليام فوكسويل أولبرايت: أستاذ اللغات السامية، والذي كان له عدة دراسات في الكتاب المقدس، وغلاديس تيري مديرة أعمال وسائقة، تولت قيادة الشاحنة الخاصة بالبعثة واحتفظت بسجلاتها المالية، وإلين سلامة: فتاة مصرية في التاسعة عشرة، كانت تجيد عدة لغات ولعبت دورًا رئيسيًا في الحصول على المعلومات من السلاطين والأمراء.

بين الإعجاب والانتقاد

على الرغم من الجدل الذي أحاط برحلته، يُعتبر ويندل فيليبس واحدًا من أهم المستكشفين الذين ساهموا في الكشف عن تاريخ اليمن القديم. قام بنشر كتاب بعنوان “قتبان وسبأ: استكشاف الممالك القديمة في جنوب الجزيرة العربية”، والذي وثق فيه رحلته واكتشافاته.

لكن أعماله أثارت انتقادات بسبب نقل بعض القطع الأثرية إلى خارج اليمن، وهو ما اعتبره البعض سرقة للتراث اليمني.

قال فيليبس إن اليمن هي “أرض الأسرار المدفونة تحت الرمال” حيث رأى فيها مكانًا يحتوي على كنوز أثرية وحضارات عظيمة لم يتم اكتشافها بعد.

وصف اليمن بأنها “مهد الحضارات العربية القديمة”، مشيرًا إلى أنها كانت مركزًا تجاريًا وثقافيًا مهمًا في العصور القديمة.

أعجب فيليبس بشكل خاص بمدينة مأرب، واصفًا إياها بـ”جوهرة الصحراء”، وتحدث عن سد مأرب العظيم كإنجاز هندسي مذهل يعكس تقدم الحضارة السبئية. كما وصف معبد أوام بأنه “تحفة معمارية” تعكس عبقرية القدماء.

ميريلين فيليبس هودجسون

بعد وفاة ويندل فيليبس، تولت شقيقته ميريلين فيليبس هودجسون مسؤولية استكمال أعماله في اليمن. واجهت ميريلين تحديات مشابهة للتحديات التي واجهها شقيقها، بما في ذلك اتهامات القبائل بنقل الآثار إلى الخارج وتدهور الأوضاع الأمنية.

خلال رحلته واجه فيليبس صعوبات كبيرة، فإضافة إلى الموقف القبلي الحازم الرافض لسرقة الآثار، واجه المناخ القاسي المتمثل في الحرارة الشديدة وصعوبة الوصول إلى المواقع الأثرية.

استمرت البعثة الأمريكية في التنقيب حتى العام 2007، حيث تعرض موقع معبد أوام لهجوم من قبل تنظيم القاعدة المصنف إرهابيا، مما أدى إلى مقتل ثمانية سياح إسبان ويمنيين، وتعليق أعمال التنقيب في الموقع.

على الرغم من أن ويندل فيليبس كان معروفًا كعالم آثار، إلا أن هناك شكوكًا حول أنشطته السياسية والاستخباراتية في اليمن.

اتهمه البعض بالعمل لصالح وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، مستخدمًا أعماله الأثرية كغطاء لأنشطة استخباراتية.

وفي الخلاصة فإن “ويندل فيليبس” ترك إرثًا كبيرًا في اليمن، حيث ساهم في الكشف عن تاريخها العريق. لكن أعماله أثارت جدلًا كبيرًا، خاصة فيما يتعلق بنقل الآثار والعلاقات مع القبائل المحلية.

وتظل قصة فيليبس في اليمن مثالًا على الصراع بين الاكتشاف العلمي وحماية التراث الوطني.

• تابعونا في الحلقة القادمة من سلسلة “مستشرقون في اليمن” لاستكشاف المزيد من القصص المثيرة عن الشخصيات التي شكلت تاريخ اليمن.

 سلسلة حلقات “المستشرقون واليمن”:

الحلقة الأولى: الألماني “نيبور” ورحلته إلى البلاد التي تحكمها التوازنات

الحلقة الثانية: “هاليفي” في رحلة استكشاف تاريخ اليمن تحت عباءة التسول

الحلقة الثالثة: رحلة البريطاني “برتون” إلى أرض النقوش والعادات الفريدة

الحلقة الرابعة: “ثيسيجر” الذي وجد أن السعادة الحقيقية في قلب الصحراء

الحلقة الخامسة: فيلبي “الحاج عبدالله” الذي ساهم في رسم ملامح الجزيرة العربية واليمن

الحلقة السادسة: “جلازير” النمساوي الذي ارتدى ثوب “التشيع” لنهب آثار اليمن

الحلقة السابعة: “مانزوني” في رحلة تكشف تطور صنعاء قبل عودة الإمامة إليها

الحلقة الثامنة: “فريا ستارك” في مهمة الاستكشاف والتجسس لصالح بريطانيا

الحلقة التاسعة: “جورج كولان” رحلة دبلوماسية واكتشاف اللهجات اليمنية

الحلقة العاشرة: الألماني “هولفريتز” في رحلة إلى اليمن من الباب الخلفي

الحلقة الحادية عشرة: الفرنسي “نيزان” والوجه المظلم للاحتلال البريطاني في عدن

مرتبط

الوسوم

المستشرقون واليمن

نسخ الرابط

تم نسخ الرابط