أعد التحليل لـ”واي دي” وليد الجبر:
أعلنت الولايات المتحدة رسميًا دخول قرار تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية “أجنبية” حيز التنفيذ، تنفيذًا للأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقب توليه منصبه في 22 يناير/كانون 2025.
وقالت الخارجية الأمريكية في بيانٍ نشرته الاثنين الماضي: “يأتي هذا الإعلان للوفاء بأحد الوعود الأولى للرئيس ترامب، بشأن تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية أجنبية”.
واستعرضت الخارجية الأمريكية هجمات الحوثيين على السفن التجارية وعلى القوات الأمريكية في البحر الأحمر وخليج عدن، التي قالت إنها تدافع عن حرية الملاحة، في الوقت الذي يتجنبون فيه استهداف السفن التي تحمل العلم الصيني أثناء استهداف السفن الأمريكية وسفن الحلفاء.
وقالت الخارجية الأمريكية أن “أنشطة الحوثيين تهدد أمن المدنيين الأمريكيين والموظفين في الشرق الأوسط، وسلامة شركائنا الإقليميين، واستقرار التجارة البحرية العالمية”.
وأوضحت الوزارة في بيانها أن هذا الإجراء يُظهر التزام إدارة ترامب بحماية مصالح الشعب الأمريكي وسلامة أمنه القومي، ويأتي في إطار حربها ضد التنظيمات الإرهابية، باعتبار أن هذه التصنيفات تلعب دورًا حاسمًا في تقويضها والحد من دعم أنشطتها.
وشددت على أن الولايات المتحدة لن تتسامح مع أي دولة تتعامل مع منظمات إرهابية مثل الحوثيين تحت ذريعة ممارسة الأعمال التجارية الدولية المشروعة.
وبالتزامن مع دخول التصنيف الأمريكي لجماعة الحوثي حيز التنفيذ، أصدرت الخارجية الأمريكية على مدى اليومين الماضيين حزمة عقوبات طالت قيادات حوثية من الصف الأول، أبرزهم: مهدي محمد حسين المشاط، ومحمد علي الحوثي، ومحمد عبدالسلام (فليته)، وإسحاق عبد الملك عبد الله المروني، وعلي محمد محسن صالح الهادي، وعبد الملك عبد الله محمد العجري، وخالد حسين صالح جابر.
كما أعلن برنامج “مكافآت من أجل العدالة” التابع لوزارة الخارجية الأمريكية عن مكافأة مالية قدرها 10 ملايين دولار أمريكي لمن يدلي بأي معلومات تُفضي إلى الكشف عن الشبكات المالية لجماعة.
ويعكس هذا التحول الجذري في طريقة التعامل الأمريكي مع جماعة الحوثي، النهج المتشدد الذي تتبعه الإدارة الأمريكية الجديدة، لكن السؤال الذي يبرز هو ماذا يعني دخوله الأمر التنفيذي لترامب حيز التنفيذ؟ ولماذا اعتبرت الخارجية الأمريكية أنه من أهم الوعود الأولى للرئيس ترامب؟
هذا ما سنعرفه في هذا التقرير، مع البحث التحليلي في التداعيات المحتملة لدخول هذا الأمر حيز التنفيذ، ابتداءً بجماعة الحوثي، مرورًا بالدول الداعمة لها والمتعاملة معها، وصولًا إلى المنظمات الأممية والدولية والشركات التجارية والبنوك العاملة في مناطق سيطرتها. فإلى المحصلة:
ما هو الأمر التنفيذي رقم (14175)؟
في 22 يناير الماضي، أي بعد يومين فقط من دخول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وتسلّمه منصبه كرئيس للولايات المتحدة، أصدر أمرًا تنفيذيًا يحمل الرقم (14175) قضى بتصنيف جماعة أنصار الله، المعروفة أيضًا باسم الحوثيين، كمنظمة إرهابية أجنبية.
وجاء في نص الأمر: «بموجب السلطة المخولة لي كرئيس بموجب الدستور وقوانين الولايات المتحدة الأمريكية، يصدر هذا الأمر الذي يتم بموجبه اعتبار “أنصار الله”، المعروفين أيضًا بالحوثيين، كمنظمة إرهابية أجنبية، بما يتماشى مع المادة 219 من قانون الهجرة والجنسية (8 U.S.C. 1189)».
وتضمن الأمر أربعة أقسام رئيسية: تناول القسم الأول الهدف الرئيسي من الأمر التنفيذي ،بينما تناول القسم الثاني سياسة الولايات المتحدة وتعاونها مع شركائها الإقليميين للقضاء على قدرات الحوثيين وحرمانهم من الموارد.
في حين ركز القسم الثالث من الأمر التنفيذي على آلية التنفيذ، وعلى المؤسسات الأمريكية المعنية بتنفيذه خلال مدة زمنية محددة، وفي مقدمتها وزارتي الخارجية والخزانة والاستخبارات الوطنية، أما القسم الرابع فاختتم الأمر التنفيذي بأربعة أحكام عامة تناولت تفسيرات الأمر التنفيذي وحدود الصلاحيات الممنوحة لكل وزارة أو وكالة تنفيذية بموجب القانون.
التأثير على جماعة الحوثي
برأي خبراء قانونيون أن قرار ترامب يشكل ضربةً قاصمةً لجماعة الحوثي، لما يترتب عليه من تداعيات مدمرة تقوّض وجود الجماعة وتفرض عزلةً شاملةً عليها على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، وتشمل كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
فمع دخول تصنيف ترامب للحوثيين حيز التنفيذ، فإن أي جهة – سواء كانت دولًا أو أفرادًا – ستتعامل مع الحوثيين أو تقدم لهم أي دعم ستُعتبر متورطةً في دعم الإرهاب، وستواجه تبعاتٍ قانونيةً واقتصاديةً شديدة.
مما سيدفع جميع الأطراف التي تربطها أي علاقة مباشرة أو غير مباشرة مع جماعة الحوثي إلى إعادة النظر في علاقاتها تلك لتفادي العقوبات الأمريكية، ويزيد من العزلة المالية والسياسية والعسكرية للجماعة، ويضع حدًا لتمويل أنشطتها، ويصعّب عليها الحصول على الموارد اللازمة لتنفيذ عملياتها العسكرية.
فعلى الصعيد المحلي، ونتيجةً لتزايد الضغوط الدولية على جماعة الحوثي بعد هذا التصنيف، ستبدأ بعض الأطراف المحلية التي تربطها مصالح مع الجماعة بالتخلي عنها تحت ضغط العقوبات الأمريكية، وهذا سيؤدي إلى تفكك تحالفاتها الداخلية وتراجع تدريجي لتأثيرها على المستوى الوطني.
أما على الصعيد الإقليمي، ستجد الجماعة نفسها معزولةً عن حلفائها الإقليميين في إيران أو العراق أو لبنان، مع تشديد الرقابة على مواردها، واستهداف كل شبكات التمويل والدعم اللوجستي التي تعتمد عليها الجماعة لتأمين إمداداتها من الأسلحة والذخائر.
كما ستدفع العقوبات الأمريكية بعض الأطراف الدولية التي حافظت على علاقات متوازنة مع الحوثيين طوال السنوات الماضية إلى مراجعة سياساتها، والتخلي عن أي أدوار أو مصالح مباشرة أو غير مباشرة معها تحت تأثير الضغط الأمريكي، والتي قد تُفسَّر كدعم للإرهاب.
فضلاً عن أن هذا التصنيف سيحبط أي محاولات للاعتراف الدولي بجماعة الحوثي، وسيفرض قيودًا على أي مساعٍ أو جهودٍ إقليمية أو أممية لإشراك الجماعة في أي تسويات سياسية، حيث سيتم التعامل معها ككيان إرهابي خارج عن النظام والقانون.
علاوةً على أن التصنيف سيشجع منظماتٍ وناشطين حقوقيين على فتح جرائم وانتهاكات جماعة الحوثي أمام المحاكم الدولية، وإصدار مذكرات اعتقال دولية بحق قادتها كمجرمي حرب، بالنظر إلى سجل انتهاكاتها الجسيمة الموثقة لدى أغلب المنظمات المحلية والدولية.
كما سيؤدي التصنيف إلى زيادة الضغط العسكري الأمريكي على جماعة الحوثي، وسيفتح المجال أمام الاستهداف المباشر لقياداتها، وتوسيع العمليات الجوية والبحرية ضدها، كما يحدث مع تنظيم القاعدة.
وكذلك تشديد الرقابة البحرية على عمليات تهريب الأسلحة والمسيّرات والصواريخ الإيرانية، واستهداف شبكات التهريب في البحر الأحمر من خلال الأسطول الأمريكي، مما سيصعب من عمليات نقل الأسلحة إليها، وسينعكس ذلك على تراجع قدراتها العسكرية بشكل ملحوظ في ظل استمرار الرقابة المتزايدة، والاستهداف المتواصل لشبكات التهريب والتسليح، مما يؤثر على المدى العملياتي للجماعة.
إلى جانب ممارسة أقصى درجات الضغط الاقتصادي على الجماعة، من خلال الاستهداف المباشر لجميع أصولها المالية، وحظر كافة المعاملات والتحويلات المالية معها، والحد من قدرتها على استخدام النظام المالي العالمي، ودفع البنوك والشركات المالية المحلية والدولية إلى تجنب التعامل معها خوفًا من العقوبات الأمريكية.
وسيؤدي هذا الضغط الاقتصادي إلى انكماش مواردها المالية، وتجميد الحسابات البنكية، وحظر المعاملات المالية، وملاحقة الوسطاء الماليين الذين يعملون لصالح الجماعة ويسعون لتسهيل التحويلات.
فضلاً عما سيسببه الضغط الاقتصادي على جماعة الحوثي من زيادةٍ في نسبة التضخم، وارتفاع أسعار المواد الأساسية والضرورية للسكان في مناطق سيطرة الجماعة بشكل غير مسبوق، مما يزيد من تفاقم الأوضاع المعيشية، وتراجع القدرة الشرائية لمعظم السكان، الأمر الذي يزيد من نقمتهم على الحوثيين، ويؤدي إلى اضطرابات داخلية في مناطق سيطرتهم.
إجمالًا، يمكن القول إن تأثير التصنيف الأمريكي لجماعة الحوثي لا يقتصر على العقوبات الاقتصادية فقط، بل يمتد تأثيره إلى كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، ويفرض عليها تحديات وجودية غير مسبوقة قد تُفضي في النهاية إلى إضعافها بشكل حاد، أو حتى تفككها على المدى الطويل.
التأثير على الدول الداعمة والراعية
لا يقتصر تأثير التصنيف الأمريكي على جماعة الحوثي وحسب، بل يمتد هذا التأثير ليشمل كل الدول الداعمة لها أو الراعية لمصالحها أو تلك التي توفر لها ولقياداتها أو لأنشطتها السياسية والإعلامية ملاذًا آمنًا.
فأي دولة يثبت تورطها في دعم جماعة الحوثي المصنفة منظمة إرهابية أجنبية (FTO)، بأي شكل من الأشكال أو توفر للجماعة ملاذًا آمنًا، أو حتى تسهيلات دبلوماسية، فإن ذلك يضعها في طائلة العقوبات وتحت مجهر التدقيق الأمريكي.
مع دخول الأمر التنفيذي حيز التنفيذ، فإن عددًا من الدول العربية والإقليمية تواجه خطر التعرض للعقوبات الأمريكية بسبب علاقاتها مع جماعة الحوثي، استنادًا لهذا الأمر التنفيذي الذي يُعتبر هذه الدول مسؤولةً قانونيًا أمام الولايات المتحدة، ويُمنح الأخيرة حق فرض عقوبات عليها.
والبداية من إيران التي تُعتبر هي الداعم الرئيسي لجماعة الحوثي بالتمويل والتدريب والتسليح، وكذلك بالدعم السياسي والدبلوماسي. فقد أكدت تقارير دولية عديدة تورط طهران في تزويد الحوثيين بالطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية، والتي تُستخدم في استهداف السفن والمنشآت الحيوية في المنطقة.
ومع دخول التصنيف الأمريكي حيز التنفيذ، فإن ضغوط واشنطن على طهران ستتضاعف، وستواجه الأخيرة عقوبات إضافية تشمل كيانات عسكرية ومالية إيرانية متورطة في دعم جماعة الحوثيين، مثل الحرس الثوري الإيراني الذي يُعد الوسيط الرئيسي في نقل الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية للجماعة.
بالإضافة إلى استهداف شبكات التهريب التي تستخدمها طهران لتسليح الجماعة الحوثية، وكذلك الشبكات المالية التي تلجأ لها لتمويل أنشطتها عبر كيانات مصرفية وسيطة ستكون هي أيضًا تحت الرقابة المشددة، مما قد يؤدي إلى تجميد أصول جديدة وفرض عقوبات أوسع على المصارف والمؤسسات المتورطة.
كما قد تتجه واشنطن إلى فرض عقوبات على السفن والشركات الإيرانية المتورطة في تهريب النفط والأسلحة إلى جماعة الحوثي، مما سيزيد من عزلة إيران ويحدّ من قدرتها على الاستمرار في دعم الجماعة.
ومما سبق يمكننا الاستنتاج أن التصنيف الأمريكي لجماعة الحوثي سيجعل إيران في دائرة استهداف أوسع، وستواجه قيودًا متزايدة على نفوذها الإقليمي، وستتعرض أذرعها العسكرية والمالية للملاحقة المشددة، مما سيُضعف قدرتها على دعم الجماعة واستمرار أنشطتها العدائية في اليمن والمنطقة.
أما سلطنة عمان فتُعد هي الملاذ الآمن لجماعة الحوثي، وتمثل السلطنة نقطة محورية ومحطة استراتيجية للدعم الإيراني المقدم للجماعة، إلى جانب استضافة عاصمتها مسقط لعدد كبير من أبرز القيادات الحوثية منذ عدة سنوات.
وبعد دخول التصنيف الأمريكي لجماعة الحوثي حيز التنفيذ، سيزداد ضغط واشنطن على مسقط، ولاسيما بعد إدراج عدد من القيادات الحوثية المقيمين فيها ضمن قوائم الإرهاب، مما يعني أن استمرار استضافتهم قد يُفسَّر أمريكيًا كدعم مباشر لتنظيم إرهابي، وهو ما يعرض السلطنة لعقوبات اقتصادية ودبلوماسية بموجب القانون الأمريكي.
وكذلك الحال مع العراق، التي تمتلك جماعة الحوثي مكتبًا رسميًا في عاصمتها بغداد، بالإضافة إلى أن ميليشيات الحشد الشعبي العراقية تُعد أحد أهم مصادر الدعم المالي واللوجستي للجماعة، وذلك يجعل السلطات العراقية تواجه خطر العقوبات الأمريكية.
فوجود مكتب رسمي لجماعة تُصنفها الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية في أي دولة يٌفسَر أمريكيًا بأنه اعتراف رسمي بتلك المنظمة، مما يعني أن بغداد ستواجه عقوبات صارمة بموجب القوانين الأمريكية إذا لم تُبادر بإغلاق المكتب وإنهاء أي أنشطة مرتبطة به، مع إمكانية إدراج كيانات عراقية إضافية في قوائم العقوبات.
أما لبنان، فتُعتبر هي الحاضنة الإعلامية لجماعة الحوثي، فقنواتها الفضائية كقناة المسيرة والمسيرة مباشر والساحات، تبث من عاصمتها بيروت، ويقدم لها حزب الله اللبناني، المصنف أيضًا كمنظمة إرهابية، الدعم التقني والمالي والبشري.
وذلك يجعل بيروت مستهدفةً أيضًا بالعقوبات الأمريكية وفقًا للقانون الأمريكي، كونها تستضيف مؤسسات إعلامية لمنظمة تُصنفها واشنطن بأنها منظمة إرهابية وتسمح لها أن تروج لأفكارها من أراضيها.
إلى جانب إمكانية استهداف القنوات الحوثية مباشرةً بإغلاق بثها وحظر وصولها إلى الأقمار الصناعية التي توفر لها الخدمة، وقد سبق لواشنطن أن فرضت عقوبات مماثلة على مؤسسات إعلامية إيرانية ولبنانية تعمل بنفس النهج.
خلاصة القول: لم يعد بإمكان أي دولة تربطها أي علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالجماعة الحوثية تبرير استمرار التعامل معها بمبررات “الوساطة” أو “الدور الإنساني”، وباتت كل الدول التي تستضيف مكتب الجماعة أو قياداتها أو مؤسساتها الإعلامية بعد دخول التصنيف الأمريكي لجماعة الحوثي حيز التنفيذ، مشاركةً في دعم الإرهاب الحوثي، وبالتالي أصبحت هدفًا مشروعًا للعقوبات الصارمة.
الأمم المتحدة ومنظماتها
يفرض التصنيف الأمريكي أيضًا قيودًا واسعة على الأمم المتحدة، ومبعوثها الخاص إلى اليمن، وعلى كافة الهيئات والوكالات والمنظمات الأممية والدولية العاملة في مناطق سيطرة جماعة الحوثي.
وبعد دخول التصنيف الأمريكي حيز التنفيذ، لم يعد متاحًا للمبعوث الأممي التعامل مع جماعة الحوثي المصنفة إرهابية، أو استمرار لقاءاته مع قياداتها (خاصة المدرجين في قوائم الإرهاب)، وإلا فسيُنظَر إليه على أنه يتجاوز الإطار القانوني الأمريكي.
وفي حال تجاهل المبعوث المخاطر القانونية والسياسية المترتبة على استمرار تعامله مع الجماعة الحوثية، أو تواصله مع قياداتها، أو بقاء مكتبه في صنعاء، فسيجد نفسه مضطرًا لمواجهة قيودٍ مالية ولوجستية قد تفرضها الإدارة الأمريكية على مكتبه، مما قد يحد من دوره.
وبالتالي، فإن المبعوث مُجبَرٌ على إعادة تقييم آليات الوساطة التي يقودها في اليمن وتعديلها، وربما قد يتم استبدال وساطته بآليات دولية أكثر صرامة تجاه جماعة الحوثي، خاصةً إذا ضغطت الولايات المتحدة على المجتمع الدولي لاتباع نهج أكثر تشددًا تجاه الجماعة، مما قد يغير شكل المسار السياسي بالكامل.
كذلك، ستواجه وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الأممية والدولية العاملة في مناطق سيطرة جماعة الحوثي مأزقًا قانونيًا وأخلاقيًا حرجًا، وتحديات كثيرة في عملها. وباتت جميع هذه المنظمات – بعد دخول التصنيف الأمريكي حيز التنفيذ – مطالَبةً باتخاذ تدابير صارمة لضمان عدم وقوع مساعداتها في يد جماعة الحوثي.
وإذا استمرت هذه المنظمات بالعمل من مناطق سيطرة جماعة الحوثي، فستجد نفسها مضطرةً لتقديم مساعداتها وتحويل أموالها عبر قنوات خاضعة لسيطرة الحوثيين، ما قد يجعلها هدفًا للتدقيق الأمريكي، وربما فرض عقوبات على بعض برامجها أو المسؤولين عنها.
وإذا لم تتمكن هذه المنظمات من تقديم ضمانات حقيقية تضمن عدم وقوع مساعداتها في أيدي الحوثيين، فستواجه تحديات في الحصول على التمويل الأمريكي والأوروبي، وستدفع إدارة ترامب الممولين الدوليين إلى مراجعة مشاريعهم في اليمن، وإيقاف أي دعم يمر عبر هذه المنظمات باعتبارها قنوات غير موثوقة.
وبالتالي، ليس أمام المنظمات الأممية والدولية العاملة في اليمن من خيار سوى اتخاذ إجراءات فورية لتجنب العقوبات الأمريكية، إما بالاستجابة لدعوات الحكومة الشرعية لنقل مقراتها إلى العاصمة المؤقتة عدن، أو إيجاد آليات تضمن عدم وقوع مساعداتها بيد الحوثيين، وإلا فستجد نفسها متورطة في دعم منظمة إرهابية.
التأثير على النشاط التجاري والقطاع المصرفي
يواجه القطاع الخاص في صنعاء وباقي المحافظات التي تسيطر عليها جماعة الحوثي مخاطر حقيقية غير مسبوقة مع دخول قرار تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية حيز التنفيذ، نظرا لما سيترتب على الشركات والمؤسسات التجارية التي ستتمسك بممارسة نشاطها التجاري من داخل مناطق سيطرة جماعة الحوثي من تداعيات قانونية ومالية كبيرة.
فبعد دخول التصنيف الامريكي حيز التنفيذ باتت جميع الشركات التجارية، أمام خيارين إما الامتثال للقوانين الدولية ووقف جميع تعاملها مع جماعة الحوثي والعمل على نقل نشاطها التجاري من صنعاء أو أي محافظة أخرى خاضعة لسيطرة الجماعة إلى العاصمة المؤقتة عدن أو أي محافظة تابعة للحكومة اليمنية.
أما الخيار الثاني فهو أن تستمر هذه الشركات في ممارسة أنشطتها داخل مناطق سيطرة الجماعة، وبالتالي ستواجه مخاطر العزلة الدولية ستكون هدفًا محتملاً للعقوبات الأمريكية، كون الجماعة مستفيدة من نشاطها في مناطق سيطرتها بشكل أو بآخر سواء من الأموال الطائلة التي تجنيها من الضرائب والجمارك الباهظة التي تفرضها عليها أو استخدامها كواجهات تجارية للجماعة لغسل أموالها والتهرب من العقوبات الدولية.
إذ يمثل النشاط التجاري في مناطق سيطرة جماعة الحوثي واحدا من أهم مصادر تمويل الجماعة، حيث تفرض الجماعة على الشركات دفع إتاوات غير قانونية، بالإضافة إلى الضرائب المرتفعة كما تجبرها على إبرام عقود توريد خاصة بها مما يحوّل هذه الشركات إلى أدوات غير مباشرة لتمويل الأنشطة العسكرية للجماعة.
ذلك يجعلها معرضًة للعقوبات الأمريكية كونها وفقًا للقوانين الأمريكية، متورطة في تقديم دعم مادي ولوجستي لمنظمة إرهابية، سواء بقصد أو غير قصد.
ولا تقتصر المخاطر على الشركات التجارية فحسب، بل تمتد إلى البنوك الخاصة العاملة في صنعاء، والتي لا تزال تمارس أنشطتها المالية تحت سلطة جماعة.
فمن خلال سيطرتها على القطاع المصرفي، تحصل جماعة الحوثي على رسوم ضخمة من الحوالات والمعاملات المالية، وتستخدم بعض البنوك كوسائل غير رسمية لنقل الأموال وتمويل عملياتها الخارجية.
وفي محاولة لمنع استغلال جماعة الحوثي للقطاع المصرفي، أصدر البنك المركزي اليمني في عدن في ابريل 2024 قرارات تلزم البنوك الخاصة بنقل مقراتها من صنعاء إلى عدن، وأعطاها مهلة 60 يوما للتنفيذ.
لكن هذه البنوك وهي (بنك الكريمي، بنك التضامن، بنك اليمن والكويت، بنك الأمل للتمويل الأصغر، وبنك اليمن والبحرين الشامل، وبنك اليمن الدولي”) لم تمتثل لقرارات البنك المركزي ورفضت تنفيذها مما دفعه إلى إيقاف تراخيصها وفصلها عن نظام السويفت الدولي، قبل أن تعمل ضغوط المبعوث الأممي إلى اليمن على التراجع عن هذه الخطوة.
مع دخول التصنيف الأمريكي حيز التنفيذ، قد تواجه هذه البنوك قيودًا أكثر صرامة على تعاملاتها الدولية، حيث قد يتم تجميد حساباتها في الخارج أو فصلها عن النظام المالي العالمي، مما يجعلها في موقف محرج يدفعها إما إلى الامتثال لسلطة البنك المركزي الشرعي ونقل مقراتها الرئيسية إلى عدن ، أو استمرار عملها من صنعاء والمخاطرة بالتعرض للعقوبات الامريكية التي قد تشلّ قدرتها على العمل تمامًا.
وقد سبق لوزارة الخزانة الأمريكية أن أدرجت بنك اليمن والكويت على قوائم العقوبات الأمريكية، بتهمة التورط في أنشطة مالية تخدم مصالح الحوثيين، مما يجعل البنوك الأخرى عرضة لإجراءات مماثلة إذا استمرت في العمل من صنعاء.
ميناء الحديدة والخطوط اليمنية
تعد المنافذ البحرية والجوية الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي من أهم الأدوات التي تعتمد عليها الجماعة لضمان تدفق الموارد المالية والأسلحة، ما يجعلها عرضة للعقوبات الأمريكية المشددة ضمن قرار تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية.
ميناء الحديدة يعد الشريان الرئيسي الذي تعتمد عليه جماعة الحوثي لتهريب الأسلحة والمخدرات الإيرانية وحولته الجماعة إلى مركز رئيسي لأنشطتها غير مشروعة ورغم الاتفاقيات الدولية التي تنص على تحييد الميناء وحصر استخدامه للأغراض الإنسانية.
فقد أثبتت تقارير أممية استخدام جماعة الحوثي لميناء الحديدة في عمليات تهريب الأسلحة الإيراني المخدرات والمواد الممنوعة، والتي تتاجر بها لتمويل مجهودها الحربي وأكدت ذات التقارير أن الميناء استقبل شحنات عديدة من الصواريخ والمسيرات والأسلحة الخفيفة والذخائر المتنوعة قادمة من إيران.
بالإضافة الى استفادة الجماعة من العائدات الجمركية والضريبية الباهظة التي تفرضها على جميع السلع الواردة عبر هذا الميناء الحيوي مما يعزز خزينة الجماعة ويرفدها بمليارات الدولارات سنويًا، وذلك يمكّنها من تمويل عملياتها العسكرية.
ومع دخول التصنيف الأمريكي لجماعة الحوثي حيز التنفيذ، وفي ظل استمرار سيطرة الجماعة عليه واستغلالها له في أنشطتها الغير مشروعة فقد يصبح ميناء الحديدة هدفًا محتملا للعقوبات الأمريكية للرقابة الدولية المشددة، في إطار المساعي الرامية لعزل الجماعة اقتصاديًا وخنق مصادر تمويلها.
وبالتالي ليس أمام كبار التجار والمستورين سوى تحويل مسارات وارداتهم من ميناء الحديدة الذي يتم عبره استيراد أكثر من 70 % من احتياجات اليمن من القمح وباقي السلع الأساسية إلى موانئ خاضعة للحكومة الشرعية أو المخاطرة بالتعرض للعقوبات الامريكية و استمرار الاستيراد عبر ميناء الحديدة.
شركة الخطوط الجوية اليمنية وسيلة أخرى تستغلها جماعة الحوثي لاختراق الحظر الجوي المفروضة عليها بموجب قرار مجلس الأمن 2216 خاصة بعد سيطرتها على أربع طائرات من أصل سبع طائرات هي إجمالي أسطول الخطوط الجوية اليمنية.
وتكمن خطورة سيطرة الجماعة على طائرات الخطوط اليمنية في امكانية استخدامها لنقل قيادات وعناصر الجماعة سرًا إلى دول حليفة، كما حدث مؤخرًا عندما تم نقل عشرات القيادات الحوثي إلى بيروت للمشاركة في تشييع حسن نصر الله، أمين عام حزب الله اللبناني.
إلى جانب احتمالية استخدام الجماعة لتلك الطائرات لتهريب الأسلحة والمقاتلين إلى حلفائها الإقليميين والتحايل على العقوبات الدولية من خلال تنفيذ رحلات تحت غطاء إنساني أو تجاري، بينما تخدم أجندات عسكرية وسياسية للجماعة.
لكن بعد دخول التصنيف الأمريكي لجماعة الحوثي حيز التنفيذ، قد تتعرض الخطوط اليمنية لضغوط دولية كبيرة، وقد تفرض قيود على استخدام طائراتها التي تقع تحت سيطرة الجماعة، أو حتى إدراج الشركة ضمن قوائم العقوبات إذا ثبت تورطها في دعم الجماعة.
مما سبق فإن تصنيف الولايات المتحدة لجماعة الحوثي كمنظمة إرهابية أجنبية يشكل نقطة تحول فارقة في التعامل الدولي مع الجماعة، حيث يضعها تحت طائلة العقوبات الاقتصادية والسياسية والعسكرية، مما يحدّ من قدرتها على التحرك بحرية ويزيد من عزلتها على مختلف الأصعدة.
ومن المتوقع أن يكون لهذا التصنيف تأثيرات بعيدة المدى على الجماعة نفسها، وعلى الدول الداعمة لها، وعلى الأطراف الفاعلة في المشهد اليمني، بما في ذلك الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والشركات التجارية والقطاع المصرفي.
وفي حين أن هذا القرار يعكس نهجًا أمريكيًا متشددًا تجاه الجماعة، إلا أن مدى فعاليته سيعتمد على التزام الدول الإقليمية والدولية بتنفيذه، ومدى قدرة الإدارة الأمريكية على فرض العقوبات بصرامة.
وفي النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل سيؤدي هذا التصنيف إلى تقويض جماعة الحوثي وإجبارها على مراجعة سياساتها، أم أنه سيدفعها إلى مزيد من التشدد والتصعيد؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة.
مرتبط
الوسوم
ماذا يعني تصنيف الحوثيين
القرار الأمريكي
ترامب
تصنيف الحوثيين منظمة ارهابية
نسخ الرابط
تم نسخ الرابط
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news