في الثقافة والمثقفين أو إعادة فحص المعنى

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 29 مشاهده       تفاصيل الخبر       الصحافة نت
في الثقافة والمثقفين أو إعادة فحص المعنى

أنني أعرف بالتقريب ماهي الثقافة؟

ولكنّي لا أعرف بالتحديد ما هو المثقف؟

في الأزمنة القريبة الماضية، قبل ثورة الاتصالات والمعلومات وانكماش الزمان والمكان وتحول السلطة. حينما كانت تجتمع بعض النخب العربية المتعلمة في أي عاصمة من عواصم البلدان العربية؛ القاهرة ، بغداد، ، الخرطوم ، دمشق، بيروت، الجزائر تونس ، عدن ، صنعاء الرباط، طرابلس وغيرها. كان الهم السياسي العام هو الذي يشغلها؛ هم التحرر من الاستعمار الأجنبي وقواه المستخدمه وهم اصلاح أوضاع الاوطان وهم تحرير فلسطين مم الاحتلال الصهيوني وهم الوحدة العربية وهم تأسيس دول وطنية حديثة. تلك الهموم السياسية العامة هي التي حفزت الضباط الأحرار  والنخب المتعلمة في مصر وفلسطين والعراق واليمن والسودان وسوريا والجزائر وتونس وغيرها للثورة ضد النظم الاستعمارية التي كانت جاثم على معظم الأقطار العربية من أقصى جنوب الجزيرة العربية في عدن المستعمرة البريطانية إلى أقصى غرب الوطن العربي والشمال الأفريقي في سبتة المغربية وذلك فيما عرف بحركة التحرر الوطني العربية التي اتقدت في منتصف القرن الماضي. إذ كان الحلم والأمل والارادة الثورية الوطنية هي المزاج العام الذي يحرك النخب ويدفعها للفعل والمغامرة. تحركت النخب الفاعلة فتحرك الواقع وقامت الثورات وتغيرت النظم وتأسست الجمهوريات الوليدة الجديدة وحدث ما حدث من متغيرات وأحداث التي عرفها جيلنا ولكنها  صارت اليوم من التاريخ. ورغم إن ظروف النخب العربية اليوم مواتية أكثر بكثير من تلك الأيام السالفة إلا أنه لم يعد بامكانها معاودة تلك الضربة المفعمة بارادة التغيير والفعل والفاعلية، بل اصبحت بلا حول ولا قوة في عالم بات يدار من قوى ومؤسسات دولية واقليمية ظاهرة وخفية. إذ كثرت وزادت اعداد النخب الغربية المتعلمة والتي تدعي إنها مثقفة ولكنها اليوم بلا حول ولا قوة. فاكثر من مليون يمني نازح في مصر الكنانة ومثلهم من العراق والشام والسودان ليس بمقدورهم فعل ما كان يفعله عشرة طلاب في المؤسسات الأكاديمية! فما الذي حدث؟ وكيف يمكن تفسير هذا الأمر؟ وماذا بوسع النخب العربية المثقفة فعله؟ ذلك هو السؤال الذي طالما وشغلني منذ عدة أعوام وأنا أرى بأم عيني تداعي الأحلام والشعارات العربية الكبيرة في الحرية والعدالة والاستقلال والتنمية والسلام والوحدة العربية؟ إذ تسألت هل مازال للمثقف العربي  ما يفعله اليوم؟

في الواقع تزخر المجتمعات العربية الراهنة بتراث ثقافي وفني وأخلاقي وجمالي مشترك غني ففي كل بلد عربي يوجد مستودع خصيب للهوية الثقافية العربية المشتركة المتمثل في اللغة والعادات والتقاليد والقيم والمعتقدات والنقوش والآثار والأزياء والأطعمة والرموز وغيرها. كل تلك المقومات تجعل الإنسان العربي في كل قطر يقيم به انسانا مندمجا ثقافيا ولا يشعر بالغربة والاغتراب الا حينما يتذكر البسبور الذي يحمله بوصفه موطنا من دولة عربية أجنبية. فماذا بوسع النخب العربية عمله اليوم في ظل التحديات الخطيرة التي توجهها الشعوب والدول العربية في اللحظة الراهنة ؛ جملة متشابكة من التحديات بنسب ومستويات مختلفة محلية خاصة بكل قطر على حدة وتحديات إقليمية تهدد الوجود العربي بكليته وتحديات عالمية دولية. وتقترح مداخلتنا اعادة التفكير بمفهومي الثقافة والمثقف في هذه اللحظة الراهنة من تاريخ الحضارة الإنسانية ، فنحن في عصر العولمة حيث ينكمش الزمان والمكان إلى حدا بتنا فيه نعيش فيما يشبه قرية سبيرانتية، كل شيء بات متاح للجميع المعرفة والعلم والآداب والثقافة بكل صورها وأنماطها وقيمها ورمزها إذ لم يعد للمثقف تلك السلطة التقليدية والدور الاجتماعي الذي كان يضطلع فيه في زمن مضى- نقصد المثقف العضوي بمعناه الجرامشي أو حتى بصيغة جان بول سارتر المثقف العارف الكلي الملتزم الانشغال في الشأن العام  صوت من لا صوت لهم- ففي  عصر العولمة والمعلومة والشبكة والمنصة والتغريدة، اختلف الحال والمآل في حقل الثقافة ودور المثقف ومدراتهما إذ تفتحت إمكانات جديدة أمام البشر انكسرت معها ثنائية النخبة والجمهور أو العامة والخاصة أو الزعيم والحشد. لم يعد الفرد مجرد متلقٍّ للمعلومات أو الأوامر من النخب التي تفكر عنه، وتدّعي تمثيله والنطق باسمه أو الدفاع عن مصالحه وحقوقه. وبتنا ” ننخرط في واقع أصبح فيه المواطن الفرد، يتصرف كلاعب فاعل، يسهم في بناء مجتمعه أو تغيير عالمه، بقدر ما هو منتج أو مبتكر في مجال عمله؛ ويشارك في صنع ذاته وَقَود مصيره بقدر ما يمارس حريته في التفكير ولا يتخلى عن عينه النقدية في قراءة ما يحدث. ومن لا يتاح له أن يفعل بصورة إيجابية وبناءة، فإنه يفعل بصورة سلبية ومدمرة”.

ورغم ما تعيشه مجتمعاتنا العربية اليوم من ضعف وتمزق سياسي إلا أنها تحمل تراثا ثقافيا زاخرا بالممكنات الثقافية الإبداعية المتنوعة المشتركة بين الشعوب العربية الراهنة والثقافة هي ما يبقى بعد نسيان كل شي! إن الثقافات لا تموت طالما ظل حاملها المادي والمعنوي حيا  أي الناس واللغة والقيم والعادات والتقاليد والرموز  … لكنها تتغير وتطور أو تتخلف بهذا القدر أو ذاك ، وهذا يعود إلى مستوى التفاعل والتواصل والانفتاح والانغلاق ، الجمود والحيوية والديناميكية والاستاتيكية التي تتسم بها أي يعود إلى قدرة الثقافة على تجديد ذاتها وإخصاب هويتها وتجاوز كبواتها باستمرار غير أن ما يقتل الثقافات ويهدد هويتها بالتمزق أكثر من أي شيء آخر، هو الانغلاق على الذات والنكوص للماضي، والسير وفق مشيئة التاريخ واقداره. وتعد النخب الاجتماعية ظاهرة ملازمة لكل المجتمعات البشرية، إذ لا يوجد مجتمع دون نخب. إذ “أن النُّخب ليست وضعية عارضة في طبيعة المجتمعات الإنسانية، بل حالة جوهرية أساسية راسخة في صلب التكوين الفطري للمجتمعات الإنسانية منذ بدء الحياة الإنسانية حتى اللحظة الراهنة، إذ لا يمكن للحياة الاجتماعية في أي مجتمع كان، أن تتم من غير نخب اجتماعية سياسية وثقافية قادرة على توجيه مساراتها وتحريك دفتها في الاتجاهات المرغوبة والمطلوبة”وتتعدد النخب وتتنوع بقدر تعدد وتنوع مجالات الفاعلية والعلاقة الاجتماعية. ويمكن للثقافة والمثقف العربي اليوم أن يعمل ويعاود فعله في ظل اللحظة الحضارية العالمية الراهنة وذلك انطلاقا من الآتي: 

بما ان العولمة ظاهرة كونية شاملة وليس لدينا القدرة على دفع تدفقها فإن الانفتاح الثقافي عليها هو الخيار الممكن لنا، ومن ثم الدخول معها في حوار وتفاعل حضاري وإنساني خلاق.

2- في سبيل ذلك لابد من إعادة البحث في شروط إنتاج نهضة ثقافية عربية شاملة، أي مشروع نهضوي حضاري متكامل في البناء والأنساق السياسية والثقافية والأخلاقية والفكرية ،وإحداث ثورة في المفاهيم وأدوات الرؤية والتصور.

3- تطوير نظام إعلامي عربي يكون بمثابة النموذج ( الفاعل والجاذب والقادر على صياغة الرأي العام العربي وتثقيفه بما يخدم تعميق الثقافة الوطنية وبناء شخصية المواطن والمثقف الملتزم.

4- لما كان حقل التربية والتعليم هو الأرض الخصيبة لتنمية الأجيال وبناء المجتمع، فإن العمل على إحداث تغييرات جوهرية في آلية النظام التربوي التعليمي العربي وتجاوز وضعيته الراهنة بما يمكنه من استيعاب المتغيرات العلمية والقيمية الجديدة، تعتبر مهمة ضرورية وحاسمة.

5- إن إحداث نقلة نوعية في الفكر السياسي العربي وكذا تغيير آلية النشاط السياسي بآلية جديدة تقوم على أساس الفهم الديمقراطي واحترام الإنسان والإقرار الفعلي بضرورة الحوار الديمقراطي هو الشرط الذي يوفر المناخ الأفضل للمشروع النهضوي المأمول. فما هي الثقافة؟ ومن هو المثقف؟


Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

اول تعليق لزعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي حول ما يجري في الساحل السوري

المشهد الدولي | 355 قراءة 

بقيمة 100 مليون دولار.. قطر تفتتح مشروع جديد في اليمن

المرصد برس | 316 قراءة 

‎ليست إيران.. البنتاغون الامريكي يعلن العثور على أخطر مصادر تمويل الحوثيين بالترسانة العسكرية

جهينة يمن | 301 قراءة 

شاهد بالفيديو.. براعة قناص يمني في قنص ثعبان أرقط في وصاب العالي بذمار

المشهد اليمني | 216 قراءة 

قوات الجيش تعلن عن ضربة قوية تعرض لها الحوثي في هذه الجبهة “بيان”

جهينة يمن | 192 قراءة 

انفجار بهذه المحافظة الجنوبية وسقوط ضحايا

جهينة يمن | 187 قراءة 

بعد عمر طويل من الدعوة ومحاربة البدع....وفاة داعي يمني شهير "صورة"

جهينة يمن | 176 قراءة 

اشتعال المعارك بين الجيش والحوثيين في مأرب وهذا الطرف المنتصر

بوابتي | 174 قراءة 

ليست إيران.. البنتاغون الامريكي يعلن العثور على أخطر مصادر تمويل الحوثيين بالترسانة العسكرية

الميدان اليمني | 168 قراءة 

مصرع مقاتل حوثي خلال مشاركته في القتال إلى جانب فلول نظام الأسد في سوريا

المشهد اليمني | 163 قراءة