مشاهدات
أثارت المحادثات التي أجريت في الرياض، الثلاثاء الماضي، بين مسؤولين رفيعي المستوى من روسيا والولايات المتحدة، حالة من القلق في تايوان وسط تساؤلات عن مستقبل الجزيرة، ومدى التزام الإدارة الأميركية الجديدة بالدفاع عنها أمام تعاظم التهديدات الصينية، خصوصاً مع تزايد التقارب الروسي الأميركي وسط ترجيح آراء في تايوان بأن البلاد قد تواجه مصيراً مشابها لأوكرانيا، في حال رفعت الولايات المتحدة يدها عن هذا الملف.
الصين تعلق على التقارب الروسي الأميركي
وتعليقاً على التقارب الروسي الأميركي ذكرت وسائل إعلام صينية، أول من أمس الخميس، أن المحادثات التي جرت في السعودية بين كبار المسؤولين من واشنطن وموسكو بشأن إنهاء ثلاث سنوات من الصراع، أشارت إلى رغبة البيت الأبيض في إعادة ضبط علاقته بالكرملين، كما أطلقت إنذارات أمنية في أوكرانيا وأوروبا بشأن العلاقة بين أميركا وروسيا. وأشارت إلى أن تايوان تراقب تطورات الأحداث بصمت، على الرغم من التصريحات السابقة التي أدلى بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي اعتبرها البعض إشارة إلى انخفاض مستوى التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي.
وانغ خه: على قيادة الحزب التقدمي الديمقراطي الحاكم في تايبيه أن تستخلص العبر من الملف الأوكراني
وأضافت وسائل إعلام صينية أنه في الوقت الذي تقترب فيه الولايات المتحدة من روسيا بهدف إعادة ضبط العلاقات وحل الصراع في أوكرانيا، يبدو رد فعل الجمهور التايواني صامتاً إلى حد ما. وبغض النظر عن المخاوف بشأن التزام الولايات المتحدة تجاه الجزيرة في ظل المشهد الجيوسياسي المتغير، فإن التايوانيين يركزون بشكل أكبر على القضايا الملحة مثل الرسوم الجمركية الأميركية على أشباه الموصلات، والإنفاق الدفاعي، وتجميد المساعدات الخارجية الأميركية.
أيضاً أثار التقارب الروسي الأميركي مناقشات بشأن أوجه التشابه بين أوكرانيا وتايوان، على خلفية تصريحات ترامب السابقة التي تحدث فيها عن معادلة الدفع مقابل الحماية الأميركية، ومطالبته تايبيه بأن تعزز من إنفاقها العسكري، إلى جانب حديثه الودي عن بكين واحتمالات فتح صفحة جديدة معها. وشدد رئيس مجلس الأمن القومي التايواني جوزيف وو، خلال منتدى أمني في تايبيه الخميس الماضي، على أن الدعم الأميركي لتايوان "قوي جداً".
استخلاص العبر من الملف الأوكراني
ورأى الباحث في معهد الجنوب للدراسات الدولية الصيني، وانغ خه، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه ينبغي على قيادة الحزب التقدمي الديمقراطي الحاكم في تايبيه أن تستخلص العبر من الملف الأوكراني، وتدرك بأن الرهان على الولايات المتحدة خاسر لا محال، لأن واشنطن تستخدم الدول، حسب قوله، مثل الفيليبين وأستراليا وأوكرانيا، ورقة ضغط ومساومة في مناوشاتها مع خصومها (الصين وروسيا)، وقد تجلى ذلك في طريقة مقاربة ترامب للأزمة الأوكرانية، وقطع المساعدات الخارجية عن جميع حلفائه، بما في ذلك تايوان، وابتزازهم سياسياً من خلال التلويح بالعقوبات وضرورة الدفع مقابل الحماية، وهي معطيات تؤكد جميعها بأن تايبيه ليست أكثر من مجرد بيدق في جهود واشنطن لاحتواء بكين.
وان زانغ: تايوان تلعب دوراً أساسياً في الاستراتيجية الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ
وأضاف: لا أدري بأي صورة تتشدق قيادة الحزب الحاكم في تايبيه بعلاقاتها مع واشنطن، في وقت يتهم فيه ترامب الجزيرة بسرقة صناعة الرقائق الأميركية، ويهدد بفرض تعريفات جمركية لإجبار شركات تصنيع الرقائق التايوانية على توسيع عملياتها في الأراضي الأميركية. ولفت إلى أن خيارات تايوان تبدو محدودة، وهي تتمحور حول الاستمرار في نفس النهج، أي التبعية للولايات المتحدة على حساب الكرامة الوطنية، أو إعادة مقاربة علاقاتها مع البر الرئيسي الصيني من منظور واقعي، وعلى أساس "مبدأ صين واحدة".
فرق بين تايوان وأوكرانيا
في المقابل، قال الخبير في العلاقات الدولية بمركز تايبيه للدراسات السياسية وان زانغ، إن هناك فرقا شاسعا بين تايوان وأوكرانيا، إذ تتمتع الجزيرة بموقع استراتيجي مهم، فضلاً عن أنها تلعب دوراً أساسياً في الاستراتيجية الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ما يجعل من الصعب على أي إدارة أميركية أن تتجاهل وضع الجزيرة، ولكن ما نمر به اليوم مرتبط بشخصية ترامب المتفردة التي لا تعبر بالضرورة عن التزام الولايات المتحدة الثابت بالمسألة التايوانية.
وأضاف أنه بالرغم من ذلك، تركز الحكومة التايوانية في الوقت الراهن على زيادة الإنفاق الدفاعي وتحسين العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، وخاصة على خلفية سياسات ترامب المتشددة، وهي تولي أهمية متزايدة للتطورات الأخيرة، وسط تصاعد التوترات مع الصين، والمحادثات التي أجرتها موسكو وواشنطن في الرياض بشأن الأزمة الأوكرانية. هذا ولطالما تجنبت الحكومة التايوانية في عهد الرئيسة السابقة تساي إنغ ون، المقارنة المباشرة بين وضعي تايبيه وكييف، مؤكدة على الاختلافات بينهما. غير أن التقارب الروسي الأميركي الأخير أعاد هذا النقاش إلى الواجهة، وقد ارتفعت أصوات تحذر من أن "اليوم هي أوكرانيا، وغداً قد تكون تايوان".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news