مع سقوط الرئيس السوري بشار الأسد وتغير المشهد السوري بشكل جذري، تبدو تركيا مصممة على اقتناص الفرصة للاستفادة من حقبة إعادة الإعمار، التي قد تدر عليها مئات المليارات من الدولارات وتوسع نفوذها الجيوسياسي في المنطقة، وفقاً لمصادر مقربة من الحكومة التركية.
فبينما تستمر مئات الشاحنات التركية يومياً بنقل مواد غذائية وأدوية ومواد بناء عبر الحدود السورية، يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تعزيز دور بلاده في جهود إعادة إعمار سوريا، بحسب ما أفادت شبكة “بلومبيرغ”.
خطط إعادة الإعمار
مع الحاجة إلى بناء مدن ومستشفيات ومدارس من الصفر، فضلاً عن إصلاح البنية التحتية المدمرة، تعقد السلطات التركية اجتماعات مكثفة في أنقرة وإسطنبول لتنسيق هذه الجهود. وقد انعكس هذا الاهتمام بشكل مباشر على ارتفاع أسهم شركات الأسمنت والصلب التركية، فيما استؤنفت رحلات الخطوط الجوية التركية إلى دمشق للمرة الأولى منذ 13 عاماً.
وفي هذا السياق، صرّح أويتون أورهان، المتخصص في الشأن السوري بمركز دراسات الشرق الأوسط في أنقرة، بأن تركيا تسعى للحصول على “حصة الأسد” من مشاريع إعادة الإعمار. وأشار إلى أن دعم أنقرة المستمر للمعارضة السورية يتيح لها الآن فرصة للعب دور رئيسي في هذه المرحلة.
من جانبه، أوضح مراد يسيلتاش، مدير السياسة الأمنية في مركز “سيتا” البحثي المقرب من الحكومة التركية، أن تركيا تمتلك القدرات اللازمة لإصلاح المطارات وشبكات الكهرباء والاتصالات، إلى جانب إعادة تأهيل البنية التحتية وحقول الغاز والنفط في سوريا.
المعادلة السياسية
ترى تركيا أن دورها المستقبلي في سوريا يحظى بموافقة ضمنية من الولايات المتحدة وإسرائيل، بشرط أن تخفف أنقرة من انتقاداتها لسياسات إسرائيل في غزة والضفة الغربية وألا تستهدف القوات الكردية السورية المدعومة من واشنطن.
ومع ذلك، شددت أنقرة خلال محادثاتها مع المسؤولين الأميركيين على ضرورة حلّ وحدات حماية الشعب الكردية، الذراع العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية، والتي تعتبرها تركيا تهديداً أمنياً مباشراً. كما طالبت بخروج أعضاء حزب العمال الكردستاني من سوريا، وسط توقعات بأن زعيم الحزب المسجون، عبد الله أوجلان، قد يدعو مقاتليه لإلقاء السلاح قريباً.
مواجهة المصالح
في البرلمان التركي، أكد أردوغان أنه في حال لم تحل وحدات حماية الشعب نفسها وتلقي سلاحها، فإنها ستواجه “نهاية مريرة”. ومع ذلك، رفضت واشنطن حتى الآن مطالب أنقرة بحلّ القوات الكردية، التي تعتبرها شريكاً حيوياً في مكافحة تنظيم داعش.
لكن المزاج السياسي في واشنطن يشهد تغيراً ملحوظاً، حيث وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب أردوغان بأنه “صديق”، مؤكداً على دور تركيا كلاعب رئيسي في صياغة مستقبل سوريا. ويأمل أردوغان في إقناع ترامب بأن الجيش التركي، ثاني أكبر قوة في حلف شمال الأطلسي، قادر على منع عودة تنظيم داعش والسيطرة على حقول النفط، التي قد تصبح مصدراً حيوياً لتمويل إعادة الإعمار.
تبدو المعركة حول “كعكة الإعمار” السورية قائمة على المصالح الاقتصادية والجيوسياسية، فيما تسعى تركيا لتعزيز نفوذها في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ المنطقة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news