في المشهد السياسي اليمني المليء بالتحديات، يبرز رئيس الحكومة، أحمد عوض بن مبارك، كأحد الأسماء التي تسعى للظهور كلاعب رئيسي في مجالات إدارة الأزمة ومكافحة الفساد. ومع ذلك، يواجه بن مبارك انتقادات متزايدة بسبب اعتماده على استراتيجيات دعائية، يصفها البعض بأنها محاولة لتلميع صورته الشخصية، أكثر من كونها جهوداً مدروسة لتحقيق تغييرات حقيقية في الواقع السياسي والاقتصادي المعقد في اليمن.
منذ توليه رئاسة الحكومة، ركّز بن مبارك على النزول الميداني إلى مؤسسات ومرافق الدولة، وإلى الشوارع والأسواق، لتلمس معاناة عن الناس عن قرب، لكن ما فائدة ذلك في ظل استمرار المعاناة في الهرولة نحو الأسوأ، بينما نجح هو في رفع سقف التفاؤل لدى الشارع المحلي، المؤمل على قدوم رئيس وزراء ينتشل أوضاعهم.
قدّم نفسه كرجل دولة قادر على إدارة الكثير من الملفات الشائكة، رغم كل التعقيدات الجارية، وفي المقابل، نسي دوره الأساسي في تحسين مستوى الحياة المعيشية ولو بالقدر اليسير، وسط تهاو مستمر للريال اليمني، دون أدنى تحركات ملموسة، ناهيك عن واجباته تجاه الخدمات الضرورية المرتبطة بحياة الناس، والتي باتت في أسوأ أشكالها.
قرر بن مبارك خوض معركة أخرى، في محاولة إبراز صورته الإعلامية على حساب الخطوات الفعلية، وتبنى نفسه كقائد حازم في مواجهة الفساد المستشري في أجهزة ومؤسسات الدولة، لكن في الواقع تبدو كثير من خطواته مفتقرة إلى تنفيذ ملموس، ما يثير تساؤلات حول جدّية جهوده المزعومة.
ورغم تبنيه خطاباً صريحاً ضد الفساد، فإن بن مبارك لم يقدّم حتى الآن رؤية متكاملة لمعالجته، في ظل غياب الأسس المدروسة والآليات الواضحة لضمان الشفافية والمساءلة.
على سبيل المثال، تسلط تقارير الضوء على استمرار الفساد في قطاعات رئيسية كقطاع النفط والغاز، وهي ملفات لم يُظهر بن مبارك تقدماً ملموساً في التعامل معها. بدلاً من ذلك، تُتهم الحكومة باتخاذ إجراءات متمايزة تجاه مؤسسات ومسؤولين حكوميين بعينهم، دون الوصول إلى القوى النافذة الأكثر فسادا واستعدادا لمواجهة أي عمليات إصلاح، وهو ما يسهم في استمرار التحديات المتفاقمة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي.
يُشير مراقبون سياسيون إلى أن بن مبارك يستفيد من منصبه لتسويق نفسه كرمز للنزاهة والتغيير، لكنه في الوقت نفسه يتجنب اتخاذ قرارات حاسمة قد تضعه في مواجهة مع مراكز القوى التقليدية في اليمن. ويصف البعض هذا التوازن بأنه محاولة للحفاظ على مكتسباته الشخصية والسياسية دون المخاطرة بتغيير حقيقي.
أبرز مثال على ذلك هو تعامل الحكومة مع قضايا الفساد المتعلقة بمخصصات المسؤولين ونفقات الحكومة، حيث يُلاحظ عدم وجود أي جهود فعلية للحد من هذه الممارسات، بل إن هناك توجيهات عليا تصدر لحماية بعض المحسوبين والمقربين، كما أن وقف عمل اللجنة المشكّلة من الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة في رئاسة مجلس الوزراء مؤخرا، ضاعف من شعور المواطنين بالإحباط من الوعود غير المنجزة.
أحد الجوانب التي استغلها بن مبارك لتلميع صورته هو التركيز على تحسين العلاقات الدولية لليمن. وفي حين أن تعزيز العلاقات الخارجية يمثل ضرورة للدولة، إلا أن بن مبارك يُتهم باستخدام هذه الأنشطة كمنصة شخصية لتعزيز نفوذه، بدلاً من تحقيق إنجازات ملموسة تخدم البلد ومواطنيه.
بعض التقارير تُشير إلى أن جزءاً من جهود الدبلوماسية تركز على ضمان دعم سياسي خارجي له، بما يعزز موقعه في أي سيناريو مستقبلي لإعادة تشكيل المشهد السياسي اليمني.
ورغم ما يواجهه أحمد بن مبارك في رئاسة حكومة تعمل في ظروف استثنائية، إلا أن انشغاله ببناء صورته الشخصية قد طغى على الجهود الحقيقية لمعالجة القضايا الأساسية التي تواجه اليمن.
ومع استمرار الأزمات السياسية والاقتصادية، يظل السؤال المطروح: هل سيتمكن بن مبارك من تحويل شعاراته الدعائية إلى خطوات عملية، أم ستظل محاولاته مجرد حملات تلميع عابرة؟
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news