(هناك فرق بين ثقافة النية وثقافة الفعل؛ الأولى يستحيل قياسها والثانية يمكن اختبارها) ق.م.
العلم والتكنولوجيا ثمرة من ثمار الحضارة الحديثة وقيمها الأخلاقية الإنسانية السامية وأهم تلك القيم؛ قيمة الصدق مع الذات والصدق مع الآخرين بما يرتبط بها من قيم؛ الأمانة والنزاهة والشفافية والموضوعية والحيادية ومنظومة قيمة متماسكة صارت من المسلمات البديهية عند معظم مواطني الدول المدنية المتقدمة ومؤسساتها الفاعلة التي تعمل مثل الساعة الأوتوماتيكية بكفاءة عالية ونظام متكامل على مدار 24 ساعة (نظام المرور البري والبحري والجوي، والخدمات اللوجستية والشبكة العنكبوتية وكل شيء تقريبا في معظم الدول المدنية الحديثة؛ إذ قلما تجد من يكذب في مشاعرة أو في تعامله أو في معلوماته ومعارفه أو فيما يكتبه على العكس تمامًا من الأفراد والجماعات الآتين من مجتمعات وثقافات تقليدية استبدادية حيث يفتقد الناس ابسط مقومات الحياة السياسية والإجتماعية العادلة والمستقرة والحرية اهمها على الإطلاق ففي تلك الثقافات فقط يمكنك أن تجد التبرير الايديولوجي للكذب والنفاق مبثوثًا في تفاصيل الحياة اليومية من قبيل: خطأ شائع خير من صواب ضائع! أو بصيغة أخرى (خطأ مشهور خيرٌ من صوابٍ مهجور) أو مخطى مع الناس ولا مصيب وحدك! أو بين الحمام كن الارقم وبين الحمير كن الأعشم! أو قع نملة وكل سكر! أو اليد التي لا تقدر تصدها قبلها! أو خليك بجانب الحيط يحتار عدوك فيك!.
وغير ذلك من الحكم والأمثال الشعبي التي استوقفن وأنا أبحث في اسباب الفروق القيمة الأخلاقية بين المجتمعات التقليدية والحديثة فأدركت لماذا يهيمن الكذب والزيف والنفاق في حياة المجتمعات العربية الإسلامية منذ أقدم العصور ولازالت بل أزدهرت أكثر في زمن التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي. إذ لاحظت شيوع ثقافة النسخ واللصق على نطاق واسع وتختلط الأدوار لا تعرف من هم الاشخاص المعنيين في الكلام بهذا الموضوع أو ذلك وما طبيعته تأهيلهم؟.
ففي مجتمعات الدول الحديثة لا تعتبط الأدوار الاجتماعية للأشخاص والمؤسسات اعتباطًا بل ثمة سياقات اجتماعية تاريخية ثقافية عقلانية لنشوء وصيرورة الأدوار ووظائفها المحددة بدقة واقعية متعينة بعيدًا عن الأمزجة والاهوى والشهوات الذاتية. فليس بمقدور أي شخص أن يكون شيخًا قبليًا وثوريًا وسياسيًا ومحاورًا وتاجرًا ومفتيًا ومثقفًا وحزبيًا ودبلوماسيًا وعسكريًا ومقاومًا ومتسلطًا ومعارضًا وقاتلاً وقاضيًا وكل شيء وأي شيء الخ. ولا دور إلا بوظيفة ولا وظيفة الا بسلطة ولا سلطة الا بقانون !. هذا في البلدان التي فيها للكلمات والاسماء والصفات معاني ودلالات محددة وواضحة ومتواضع عليها سلفا حيث الكلمة تدل على الدلالة والدلالة تدل على المدلول. أما في بلاد العرب العاربة والمستعربة فثمة اختلاط غريب وعجيب للفاعلين والادوار والوظائف والسلطات والحقائق والاوهام والكلمات وبأشياء وفي (بلاد المخضرية) كل شيء يمكن خلطه وتسويقه مثل البلاستيك يمكنك تصنيعة اواني منزلية أو بيبات لتصريف المياة أو شحاطات حمامات أو سفرات طعام أو اكياس قمامة. وهكذا هو حال المجتمعات التي تضيق فيها حدود الحرية (حرية الضمير والفكر والعمل). إذ يندر أن تجد فيها أشخاص طبيعيين يتصرفون على طبيعتهم ببراءة وعفوية بالاتساق مع سجايهم الحقيقية ، بل تسود ثقافة وقيم ازدواجية الشخصية بين الظاهر والباطن وتزدهر قيم التكلف والتزلف والنفاق والمرآءة واللف والدوران والكذب والأحقاد والضغائن والخيانات والغدر والخديعة والشتم والغيبة والنميمة وانعدام الثقة والشك والارتياب وسوء الفهم والتفاهم والفصام وسرعة التقلب من حال الى حال و الجمع بين المتناقضات دون الشعور بالتناقض وصعوبة التنبؤ بسلوك الأفراد وردود أفعالهم، واختلاط المعايير وغياب الحدود بين الغث والسمين بين الجيد والردئ ويمكنكم تعداد المزيد من القيم السلبية من واقع حياتكم وتجاربكم الشخصية.
أما أنا فسوف اكتفي بإيراد التالي:
في المجتمعات التقليدية التي لا تعرف المجالات المستقلة المحكومة بقواعد لعبتها الخاصة بحسب عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو الذي يعد أهم من صاغ نظرية المجالات المستقلة الذي أكد فيها على اهمية أن يكون لكل مجال من مجالات الممارسات الاجتماعية للناس في مختلف المجمعات مجالاتها المستقلة المحكومة بقواعد لعبتها الخاصة (المجال السياسي والمجال إلاقتصادي والمجال الأخلاقي والمجال الثقافي والمجال الرياضي والمجال العلمي والمجال الديني والمجال اأدبي .الخ ) إذ كتب “أن الأمر الجوهري فى سوسيولوجيا الأدب هو ذلك المجال الاجتماعي المزود بتقاليده الخاصة , وقوانين سيره وقواعد الالتحاق به. وليس استقلال الأدب والأديب باعتباره أمرًا بديهيًا باسم ايديولوجيا العمل الفنى بوصفه خلقا أو إبداعًا، فالاستقلال النسبي لهذا الحيز من الممارسة والمجال الذي تأسس تدريجيًا. وفى شروط معينة عبر التاريخ هو مناط النوعية الأدبية “( ينظر ، بيير بورديو ، قواعد الفن ، ترجمة ، إبراهيم فتحي) نقول في المجتمعات التي تختلط فيها إلادوار ونتخاذل فيها المجالات لا يعرف الناس فيها من الذين يحق لهم الكلام في شؤون كل مجال من مجالات حياتهم الاجتماعية المختلفة؟ ومن الذي ينبغي فليس بمقدور أي شخص أن يكون شيخًا قبليًا ومناضلاً ثوريًا وخبيرًا سياسيًا ومفاوضًا دبلوماسيًا وتاجرًا ومفتيًا ومثقفًا وحزبيًا وعسكريًا ومقاومًا ومتسلطًا ومعارضًا وقاتلاً وقاضيًا وكل شيء وأي شيء في كل وقت من الأوقات كما هو الحال ف بعض المجتمعات المتخلقة التي لهذا الخلط والاختلاط بين المجالات التي يفترض أن تكون مستقلة صار من المستحيل فهم وتفسير أزماتها وأسبابها كما يصعب التنبوء بأحوالها ومالآتها في قادم الأيام. على عكس الحال في مجتمعات الدول الحديثة. إذ لا تعتبط الأدوار الاجتماعية للأشخاص والمؤسسات اعتباطًا، بل ثمة سياقات اجتماعية تاريخية ثقافية عقلانية لنشوء وصيرورة الأدوار ووظائفها المحددة بدقة واقعية متعينة بعيدًا عن الأمزجة والاهوى والشهوات الذاتية، والجمعية القبلة والطائفية والقروية والمناطقية
والحزبية والشللية وغيرها ولا دور الا بوظيفة ولا وظيفة إلا بسلطة ولا سلطة إلا بقانون !. هذا في البلدان التي فيها للكلمات والاسماء والصفات معاني ودلالات محددة وواضحة ومتواضع عليها سلفًا حيث الكلمة تدل على الدلالة والدلالة تدل على المدلول أما في بلاد العرب العاربة والمستعربة فثمة اختلاط غريب وعجيب للفاعلين والادوار والوظائف والسلطات والحقائق والأوهام والكلمات وبأشياء وفي (بلاد المخضرية). كل شيء يمكن خلطه وتسويقه مثل البلاستيك يمكنك تصنيعة اواني منزلية أو بيبات لتصريف المياة أو شحاطات حمامات أو سفرات طعام أو اكياس قمامة. وهكذا هو حال المجتمعات التي تضيق فيها حدود الحرية (حرية الضمير والفكر والعمل) يندر أن تجد فيها أشخاص طبيعيين يتصرفون على طبيعتهم ببراءة وعفوية بالاتساق مع سجايهم الحقيقية، بل تسود ثقافة وقيم ازدواجية الشخصية بين الظاهر والباطن وتزدهر قيم التكلف والتزلف والنفاق والمرآءة واللف والدوران والكذب والأحقاد والضغائن والخيانات والغدر والخديعة والشتم والغيبة والنميمة وانعدام الثقة والشك والارتياب وسوء الفهم والتفاهم والفصام وسرعة التقلب من حال الى حال و الجمع بين المتناقضات دون الشعور بالتناقض وصعوبة التنبؤ بسلوك الأفراد وردود أفعالهم، واختلاط المعايير وغياب الحدود بين الغث والسمين بين الجيد والردئ ويمكنكم تعداد المزيد من القيم السلبية من واقع حياتكم وتجاربكم الشخصية؛ هل يتحدث الخبراء؟ ذلك هو السؤال الذي يستحق القيمة والاعتبار. وما دونه مجرد كتابة على الرمال المتحركة. أقصد بالخبراء هنا أهل الاختصاصات العلمية الحقيقية؛ كل في مجال علمه وتخصصه. هل يتحدث الجميع ؟ فتلك هي الثورة إذن؟ هل تتحدث النخبة فتلك هي الدولة إذن! فمتى يتكلم الخبراء الذين تقع على عاتقهم مهمة البناء للانساق التي تدوم وتبقى. وفي واقعنا العربي الراهن تزداد مهمة الخبراء أكثر من أي وقت مضى فالدولة ومؤسساتها هي أهم كل الثورات وصخبها. أعطني دولة عادلة آمنة ومستقرة وخذ كل الثورات في العالم. بالنسبة للمشتغلين في المؤسسات الأكاديمية وأنا منهم اقصد؛ المدارس والجامعات والمعاهد والمراكز. العلمية من المهم إلى أقصى حد ممكن أن يكون على درجة عالية من الوعي الانعكاسي ليتمكنوا من التمييز بين التخصص العلمي والاعتقاد الأيديولوجي حتى لايختلط على الناس معاني الأدوار الاجتماعية ووظائفها المختلفة، فدور المتخصص العلمي يختلف عن دور المواطن السياسي؛ الأول خبير بتخصصه الذي ينبغي أن يعرفه الرأي العام به والثاني مواطن له رأيه واتجاهه في قضايا الشأن العام في مجتمعه والعالم كله. وأتذكر أنني ذات يوم وقعت في فخ الكذب؛ ضحية نصاب سيارات شهير في عدن يدعى (باحكيم)، حيث كلمني بلغة الدين والقرآن والحديث والسنة والأمانة والحساب والعقاب فصدقته ووثقت بها وفِي ظرف ساعتين عرفت أنه نصب عليّ والحكاية طويلة ويعرفها المستشار القانوني الشهير في دولة الامارات العزيز أمين محسن المحبشي الذين علمني بإن القانون لا يحمي المغفلين يحفظه أرحم الراحمين.
وهكذا يمكن القول في الختام إن قيم الكذب والتزوير من أقبح القيم الأخلاقية في جميع الثقافات وعند مختلف الشعوب لإنها تقع على الطرف النقيض من القاعدة الأخلاقية العادلة الإنسانية التي تقول: عامل الناس كما تود أن يعاملوك أو عامل أشباهك من الناس كغايات عالية القيمة والتقدير لا وسائل وأدوات لتحقيق غاياتك الذاتية الخاصة.
وبهذا جاءت دعوة الفيلسوف الألماني انماوئيل كانط في كتابيه: أسس ميتافيزيقا الأخلاق، وفي نقد ملكة الحكم، أو نقد العقل العملي؛ دعوته إلى قواعد الواجب والأمر الأخلاقي العقلاني المشروطة بالحرية الفردية التي تستوجب حرية الارادة وقدرتها على الأختيار بين المواقف والأحكام القيمية الممكنة. والقواعد الأخلاقية الاساسية هي:
أولاً: أعمل دائما بحيث يكون في استطاعتك أن تجعل من قاعدة فعلك قانونًا كليًا للإنسانية.
ثانيًا: أعمل دائما بحيث يكون تعامل الإنسانية في شخصك وفي الأشخاص الآخرين كغاية إنسانية عامة لا كمجرد وسيلة لتحقيق غاية شخصية.
ثالثًا: أعمل دائما بحيث تكون إرادتك- باعتبارك كائنًا عاقلاً ذي ضمير حر – متوافقة مع مقتضيات العقل في تحمل المسؤولية. وهناك فرق بين أخلاق النية وأخلاق الفعل وحينما تسود حرية الإرادة والضمير والقدرة على الاختيار تكون المسؤولية الأخلاقية جديرة بالقيمة والاعتبار. والعكس صحيح وهذا موضوع إشكالي في الفكر الأخلاقي العربي الإسلامي يطول شرحه.
ختامًا نكرر القول: لا يمكن أن تزدهر حضارة من الحضارات وتتفوق وتنتصر بدون منظومة قيمية أخلاقية وحقوقية وجمالية محترمة ومتماسكة. تلك هي مسلمة بديهية ومن ثم فأن وصم الحضارات المزدهرة اليوم في عالمنا الراهنة بوصفها حضارات منحلة أخلاقيًا مفارقة منطقية وكذب على الذات والله والتاريخ.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news