في تحول مفاجئ وغير مسبوق في السياسة السعودية تجاه اليمن، كشفت تقارير إعلامية عن طلب المملكة العربية السعودية من إيران التوسط لإقناع حكومة صنعاء (أنصار الله) بقبول تسوية سياسية وفق شروط صنعاء.
هذا التحرك الذي جاء بعد أكثر من عقد من الحرب المكلفة على اليمن يعكس تغيراً جوهرياً في الاستراتيجية السعودية، وإدراكاً بعجزها عن تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية في اليمن.
طلب الوساطة: خلفيات ودلالات
بحسب الصحفي اليمني المتخصص بالشأن العسكري كامل المعمري، فإن المصدر الدبلوماسي الذي كشف هذه المعلومات أكد أن السعودية مستعدة لتنفيذ مطالب صنعاء بالكامل، ما يعكس تحولاً جذرياً في موقف الرياض، التي لطالما حاولت فرض حلولها بالقوة.
ومن بين الشروط التي وضعتها صنعاء كشرط أساسي لإبداء الجدية في المفاوضات، صرف رواتب الموظفين، وهو مطلب إنساني يُعد اختباراً لمدى التزام السعودية بتنفيذ تعهداتها وتحمل مسؤولياتها تجاه الشعب اليمني.
هذا الاستعداد السعودي جاء بعد فشلها في فرض أجندتها السياسية والعسكرية عبر أدواتها المحلية، مثل مجلس القيادة الرئاسي، الذي يعاني من ضعف الشرعية داخلياً ودولياً، وهو ما دفع الرياض إلى طلب تدخل إيران كوسيط مع أنصار الله، الطرف الذي بات يمثل قوة سياسية وعسكرية لا يمكن تجاوزها.
حكومة صنعاء: قوة تفاوضية جديدة
لم يكن تحول صنعاء إلى لاعب رئيسي في المعادلة الإقليمية وليد الصدفة. فهناك ثلاثة عوامل رئيسية عززت من موقفها:
القدرة العسكرية:
فرضت صنعاء معادلات جديدة على الأرض عبر السيطرة العسكرية على مساحات شاسعة من اليمن. إضافة إلى ذلك، حققت حكومة صنعاء حضوراً عسكرياً دولياً عبر مشاركتها في معركة طوفان الأقصى، التي أسفرت عن انتصارات بحرية لافتة ضد البحرية الأمريكية والبريطانية.
الحصار البحري والاقتصادي:
فرضت صنعاء حظراً بحرياً شاملاً على الكيان الإسرائيلي، مما غير موازين القوى الإقليمية وأدى إلى تفكيك الشراكة الغربية مع الولايات المتحدة في دعم العدوان على اليمن، خشية تعرضها لعقوبات اقتصادية بفعل الحظر البحري.
الدعم الشعبي:
استفادت حركة أنصار الله من دعم شعبي واسع، بفضل مواقفها كمقاومة وطنية في وجه التحالف السعودي، ما جعلها تمثل إرادة قطاعات كبيرة من الشعب اليمني.
الرياض: اعتراف بالفشل؟
طلب الوساطة من إيران يعكس اعترافاً ضمنياً من السعودية بفشل استراتيجيتها في اليمن. بعد سنوات من الحرب التي استنزفت الموارد السعودية دون تحقيق أهدافها الرئيسية، بات من الواضح أن الحل العسكري أصبح مستحيلاً.
كما أن التحركات الأخيرة تكشف عن محاولات سعودية للخروج من المستنقع اليمني، خاصة بعد التغيرات الإقليمية الأوسع التي بدأت مع تحسين العلاقات السعودية-الإيرانية.
مصير مجلس القيادة الرئاسي
تشير المعطيات إلى أن المجلس الرئاسي، الذي أسسته السعودية كواجهة سياسية، أصبح عبئاً أكثر من كونه أداة فعالة. حكومة صنعاء ترفض التفاوض معه، ما يعكس افتقاره إلى الشرعية.
في المقابل، تزايد القبول الدولي بحكومة صنعاء كطرف رئيسي في أي مفاوضات، الأمر الذي يفرض على السعودية تقديم تنازلات تتجاوز ما كان مطروحاً سابقاً.
مستقبل التسوية
مع تغير موازين القوى لصالح صنعاء، فإن أي تسوية سياسية ستكون محكومة بشروط يفرضها الواقع الميداني. وقد تضطر الرياض للاعتراف بحكومة صنعاء كسلطة شرعية والقبول بمطالبها، بما في ذلك دفع تعويضات عن العدوان ورفع الدعم عن المكونات التابعة للتحالف.
وتواجه السعودية واقعاً جديداً في اليمن، حيث لم تعد تمتلك زمام المبادرة. القوى العسكرية والسياسية في صنعاء فرضت نفسها كأمر واقع، مما دفع الرياض إلى البحث عن حلول سياسية عبر وساطة إيرانية.
يبقى السؤال: هل يمثل هذا التحول خطوة نحو إنهاء الصراع في اليمن، أم أنه مجرد محاولة سعودية لاحتواء تداعيات هزيمتها؟ الأكيد أن المرحلة المقبلة ستشهد ترتيبات جديدة قد تعيد صياغة المشهد الإقليمي بأسره.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news