تشهد البلاد تدهوراً متسارعاً في مؤسساتها العامة والخاصة نتيجة تزايد حالات الفساد وسوء الإدارة، ويبدو أن قصر المعاشيق في عدن أصبح الساحة الأخيرة لكشف مدى الانحدار الحاصل بين كبار المسؤولين.
إن المشاجرات التي تحدث بين هؤلاء المسؤولين، الذين يفترض أن يكونوا قادة الأمة وسفراء الأمانة والنزاهة، تعكس بشكل واضح وحقيقي مدى تفشي الفساد داخل المؤسسة الحكومية العليا. هذا العراك و الاشتباكات بالايدي ليست مجرد خلافات شخصية، بل هي انعكاس للصراع على النفوذ والموارد، حيث يتنافس هؤلاء على السلطة كأنها غنيمة خاصة، بدلاً من استخدامها لتحقيق العدالة وخدمة الشعب.
إن صمت القيادة العليا على هذه الممارسات يوحي بتورطها أو على الأقل تغاضيها عن هذا الفساد الفاحش. فالسكوت في مثل هذه الظروف لا يعني إلا موافقة ضمنية على سلوك هؤلاء المسؤولين، وربما أيضاً على توزيع المكاسب بين جهات متنفذة. هذا الصمت لا يسهم فقط في إضعاف ثقة الشعب بقيادته، بل يضاعف من مشاعر الغضب والاحتقان في نفوس المواطنين، الذين يعانون أصلاً من انقطاع الخدمات وتدهور الاقتصاد، بينما تزداد ثروات المسؤولين و تتضخم ممتلكاتهم.
إن هذا الوضع لا يبشر بخير، خاصة في ظل استمرار تدهور الوضع الاقتصادي وتفاقم الأزمات الخدمية والمعيشية. فالشعب، الذي وضع ثقته في هذه القيادات، بات يدرك الآن أن مصالحه تُهدَر لخدمة أجندات شخصية و مشبوهة، بينما يتوارى خلف هذه المصالح أولئك الذين يُفترض أنهم حماة القانون والدولة. وبدلاً من السعي لتحقيق العدالة، نجد أن البعض منهم يسعى لتحقيق مكاسب شخصية، دون أدنى اعتبار للضمير الإنساني أو مخافة من الله، وكأن الإيمان بقيم النزاهة والشرف قد غاب تماماً من قلوبهم.
أمام هذا المشهد، لم يعد أمام الشعب خيار سوى أن يصحو من غفلته و يُعلي صوته في وجه هذا الظلم. لقد أصبح من الضروري على الشعب ان يطالب بحقوقه المشروعة، لا من باب الرفاهية، ولكن من باب الضرورة. هذه الحقوق ليست ترفاً، بل هي حقوق أساسية يحتاجها كل مواطن لكي يعيش بكرامة. وإذا لم يُسمع صوته عبر المسارات السلمية، فربما يكون الموت بشرف دفاعاً عن الكرامة والعدالة أهون من العيش في ذل دائم.
الوقت قد حان لكي يستعيد الشعب دوره الرقابي، و يُجبر هؤلاء المسؤولين على تحمل مسؤولياتهم، أو يرحلوا غير مأسوف عليهم. فالمستقبل لا يبنيه الفاسدون، بل الرجال المخلصون الذين يؤمنون بأن القيادة أمانة، وأن الأوطان ليست تجارة، بل أرواح أجيال قادمة، فالحقوق لا تُمنح، بل تُنتزع بقوة الإرادة وصوت الشعب؛ فالحياة بكرامة لا تأتي بالتمني، بل بالنضال والثبات حتى تتحقق العدالة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news