في عدن، كانت الثقافة ذات يوم ينبوعا زاخرا ينهل منه المثقفون والفنانون، تضيء سماء المدينة بحراك فكري وفني نابض. كانت السينما والمسارح جزءا من نبض الشارع، وكان تلفزيون عدن، أحد أقدم التلفزيونات العربية، صوتا ثقافيا يعبر عن انفتاح مدينة تحتضن الجميع. لكن ما الذي حدث؟ كيف خفت هذا الوهج، وأصبحت المنتديات الثقافية مغلقة في وجه الجميع، وأشباهها مجرد مجالس مغلقة، خالية من روح التجديد؟
اليوم، تنتظر عدن من جديد حراكا حقيقيا يعيد لأهلها ثقافتهم،، حراكا ينبض بالتنوع والوعي والانفتاح، يعيد ربط الإنسان بمحيطه ويفتح الباب أمام الشباب ليكونوا جزءا من هذا الإرث الحي. رغم أن بعض الجهود البسيطة تستمر في محاولات فردية، إلا أن عدن تحتاج إلى مؤسسات تؤمن بدورها الحضاري وتعمل على تحفيز الإبداع، لا أن تبقى أسيرة لموسمية خاوية أو فعاليات محصورة في نخب ضيقة.
عدن اليوم بحاجة إلى ثقافة حقيقية تعبر عن روح المدينة التواقة للسلام والتجدد، إلى منابر تحيي هذا التراث العريق وتعيده إلى مجده، لتظل عدن منارة إشعاع إنساني وحضاري يعبر عن أجيال متعاقبة، تستحق أن تنبض روحها الثقافية من جديد، تتحدى الركود وتتجاوز التراجع بآمال تمتد نحو المستقبل. ولذلك فعدن بحاجة إلى عودة نبضها الأول، الثقافة ، لروحها المتقدة التي جمعت في أزقتها كل الألوان والأصوات، لتكون مرآة التنوع والانفتاح، وليظل أفقها مفتوحا على مصراعيه للحداثة مع الحفاظ على عراقتها. المدينة التي أدهشت التاريخ ذات يوم لا يجب أن تترك في ظلال الركود، فهي تستحق أن تنهض بثقافة تحارب التعصب وتنشر الوعي، ثقافة تمتد لتلامس المجتمع بأسره، تصقل العقول وتسمو بالذوق العام.
بل تتطلب الثقافة رؤى تتخطى القيود في عدن، وتؤمن بأن الفن والأدب والتعليم والحرية ليست مجرد رفاهية، بل قوة دافعة لتحرير الإنسان، وبناء مجتمع ينبذ الانغلاق ويحتفي بالتعدد. لن تستعاد عدن إلا بعودتها لمكانتها كمنارة تجمع حولها الباحثين عن الجمال، المثقفين والأدباء والفنانين، لتجدد وعدها بالحرية والكرامة، وتبقى مدينة الذاكرة والجمال، الحاضنة لكل الأحلام، نحو غد يعيد لها إشراقتها ويصون لها رسالتها الثقافية الأبدية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news