لم يقتصر الدمار الذي ألحقته ميليشيات الحوثي باليمن على التدمير المادي والكارثة الإنسانية التي تعصف بالوطن، ولا على تمزيق افق المستقبل عبر نشر خطاب كراهية يعمق الجراح ويدمر الأجيال القادمة، بل امتد إلى ما هو أخطر وأعمق، عبر تدمير الإرث الحضاري لبلد يمثل مهد البشرية.
نهج الحوثيون تجاه الآثار اليمنية كان قاسياً ومدمراً، مما شكّل صدمة للمجتمع، وضرباً لذاكرة الأمة، فمن عمليات نهب وتهريبٍ ممنهج إلى قصفٍ مكثف للمواقع الأثرية، عانت بلاد السعيدة في صميم ذاكرتها الخالدة، ولم تسلم المواقع الأثرية من طغيان الميليشيات، التي عملت على تدمير ملامح الحضارة اليمنية بغية طمس معالمها وتشويه رموزها، وتحول التراث الثقافي الثمين إلى ذكرى مشوهة أو غنائم تائهة.
وشكلت النظرة المتعصبة لجماعة الحوثي، التي ترى في كل أثر يمني تهديداً لوجودها أكبر دافع لكل تلك الاعمال التخريبية، فرموز الحضارة اليمنية الأصيلة تمثل رسالة تربط الإنسان اليمني بجذوره العريقة، وتذّكره بعمق حضارته وانتمائه لتاريخ خالد، وذاك ماض تريد جماعة طارئة تدميره ومحوه من ذاكرة المجتمع.
وهذا ما يبرر سلوك الميليشيات الحوثية لتنامي حقدها تجاه كل معلم حضاري يمني، فلا تنفك تتعامل معه بمنهج يبدأ بالتشويه وينتهي بالتدمير.
مع تصاعد حالة الحرب، برزت شبكات سوداء تتكامل فيها مصالح الموت والتهريب، وتتقاطع مع تهريب السلاح والبشر، ليتحول إرث الوطن إلى سلعة في الأسواق، ما بين الرسمية وغير الرسمية، وضبطت السلطات المحلية والجهات الدولية عدداً من محاولات تهريب الآثار، بل وشوهدت بعض هذه القطع تباع علناً خارج حدود البلاد.
وهنا يبرز التساؤل الأهم عن ماهية الخطط والبرامج التي تتابع شأن الآثار اليمنية المسروقة والمخطوطات التاريخية وكيف يمكن للمجتمع أن يدرك أهمية صون هذا الإرث كجزء من معركته الوطنية الكبرى فالحديث هنا ليس عن متابعة فقط، بل عن معركةٍ وطنيةٍ لحماية تاريخ البلاد وإرثه الخلاق الذي يتجاوز حدوده ليصل إلى العالم كله، بوصفه جزءاً من تراث البشرية.
حماية الآثار اليمنية، وإعادتها إلى أرض الوطن وتوثيقها، وصيانتها مسؤولية عالمية، وهي جزء من حقوق الشعوب في صون إرثها الإنساني، ذلك الإرث العظيم الذي يسجل بين صفحاته أمجاد حضارات إنسانية ساهمت في مسار البشرية، وهو مجد عظيم لمن وعى قيمته.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news