تشهد العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة الأميركية في الآونة الأخيرة تحولات جذرية تتماشى مع السياسة الأميركية الجديدة تجاه الشرق الأوسط وشبكات التمويل التي تُدار من خلاله لصالح تنظيمات تصنفها واشنطن "إرهابية".
في إطار ذلك، بدأت السلطات التركية باتخاذ إجراءات صارمة لتجميد استثمارات وأصول ضخمة يديرها السياسي اليمني ورجل الأعمال حميد عبدالله الأحمر، القيادي البارز في حزب الإصلاح اليمني، الفرع المحلي لجماعة الإخوان المسلمين، حيث تقدر قيمة هذه الأصول بنحو 2.7 مليار دولار أميركي، موزعة بين حسابات وأصول مالية وأسهُم استثمارية في كبرى المصارف التركية، تحديدًا في مدن أنقرة، إسطنبول، أنطاليا، وإزمير.
يأتي هذا التحرك استجابة لمطالب وضغوط أميركية غير مسبوقة، حيث كثّفت واشنطن، وفق مصادر سياسية ودبلوماسية مطلعة، ضغوطها على أنقرة لدفعها نحو التزام أكبر بمعايير مكافحة تمويل الإرهاب وتفكيك الشبكات المالية التي تستخدمها التنظيمات الإرهابية، لا سيما الإخوان المسلمين وحركة حماس، اللذان يستخدمان استثمارات ضخمة في تركيا لإدارة تمويلات معقدة عبر عدة دول في المنطقة.
استثمارات ضخمة لإخوان المسلمين تحت إدارة الأحمر: أموال طائلة بأهداف متشعبة
تعود استثمارات الأحمر إلى شبكة معقدة ومتفرعة تابعة للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، حيث تشير المعلومات إلى أن الاستثمارات التي تخضع للتجميد تتوزع كالتالي:
استثمارات لصالح التنظيم الدولي للإخوان المسلمين
: بلغت قيمتها نحو 700 مليون دولار أميركي. تُدار هذه الاستثمارات من قِبل الأحمر وشبكة من الشركات التابعة له، وتهدف إلى توفير مصادر تمويل متجددة للتنظيم، الذي يسعى للحفاظ على هيكله المالي رغم الضغوط الدولية.
استثمارات لصالح حركة حماس
: تقدر بـ 600 مليون دولار أميركي، وتأتي ضمن شبكة استثمارية يُديرها الأحمر لحساب حماس في الخارج. تُمثل هذه الأموال دعامة أساسية لحماس لدعم نشاطاتها في الشرق الأوسط، بما في ذلك تمويل أنشطتها الاجتماعية والعسكرية، وتمرير هذه الأموال من خلال قنوات مالية غير رسمية لتجنب الرقابة.
استثمارات للفرع المصري للإخوان المسلمين
: يقدر حجم هذه الاستثمارات بنحو مليار دولار، وتأتي بشكل رئيسي من استثمارات عقارية وتجارية أُطلقت في السوق التركي. ويهدف الفرع المصري للجماعة من هذه الاستثمارات إلى خلق مصادر دخل دائمة، بعيدًا عن الرقابة الأمنية في مصر، مما يمنحه مرونة مالية كبيرة.
استثمارات شخصية تعود للأحمر
: تتجاوز قيمتها 400 مليون دولار أميركي، وقد أدرجتها السلطات الأميركية ضمن الأصول الخاضعة للتجميد بسبب الاشتباه في أنها تموّل أنشطة مشبوهة.
الضغط الأميركي: تحوّل في الاستراتيجية تجاه الشبكات المالية للإخوان المسلمين
على الرغم من أن الحكومة التركية كانت حريصة في البداية على إظهار قدر من الحياد، إلا أن الضغط الأميركي لم يترك لها خيارات كثيرة. يرى محللون أن إدارة الرئيس الأميركي تهدف إلى تعطيل مصادر التمويل الرئيسية للجماعات الإسلامية المتطرفة، التي تستخدم تمويلاتها في تهديد استقرار دول المنطقة واستمرار العمليات المسلحة في الشرق الأوسط.
ويبدو أن الضغوط الأميركية، المدعومة بتقارير استخباراتية، كانت واضحة حول أن الشبكات المالية للإخوان المسلمين تتبع نهجًا معقدًا وواسع النطاق، ما دعا واشنطن إلى التحرك بصرامة تجاه الدول التي تتيح لهذه الشبكات الانتشار والتمدد، وتأتي تركيا في مقدمة هذه الدول، حيث تشكل الحاضنة الأكبر لقيادات الإخوان واستثماراتهم منذ سنوات.
تركيا ما بين الاستجابة والاحتفاظ بمكانتها الإقليمية
حاولت الحكومة التركية منذ البداية التملص من المطالب الأميركية من خلال التسويف والتأخير، رغبة منها في تجنب التصعيد المباشر مع الإخوان المسلمين الذين يُعتبرون حلفاء قدامى لها. لكن، في ظل الضغوط الشديدة التي مارستها واشنطن، رضخت أنقرة، ليظهر هذا التجميد كإعلان لسياسة جديدة من الحكومة التركية، ترمي إلى إعادة ترتيب أولوياتها الإقليمية بما يتماشى مع متطلبات العلاقات الدولية.
ويشكل رضوخ أنقرة لهذه المطالب تحولاً لافتًا قد يكون له تأثيرات على العلاقات السياسية والاقتصادية بين تركيا والإخوان المسلمين في الخارج، خاصة في ظل الانتقادات الدولية المتزايدة حول دور بعض القوى الإقليمية في تسهيل نشاطات الجماعات المتطرفة وتوفير ملاذات آمنة لهم.
انعكاسات القرار على شبكة استثمارات الإخوان المسلمين في تركيا
من المتوقع أن يشكل هذا القرار ضربة قاسية لشبكة الإخوان المسلمين، والتي كانت تستفيد من الاقتصاد التركي المرن لإدارة استثماراتها وتوسيع نطاق أنشطتها المالية.
وبحسب محللين اقتصاديين، فإن تجميد استثمارات بمثل هذا الحجم سيؤدي إلى ضغوط مالية حادة على الجماعة، التي ستواجه صعوبة في توفير تمويل بديل في ظل القيود المتزايدة في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن قرار التجميد قد يدفع قيادات الجماعة إلى التفكير في وجهات جديدة لاستثماراتهم، غير أن الخيارات المتاحة قد تكون محدودة مع تضييق الدول الأخرى لسياساتها تجاه الجماعات المتطرفة.
خطوة نحو إعادة ضبط العلاقات الإقليمية
تأتي هذه الخطوة في وقت حساس بالنسبة لتركيا، التي تسعى لإعادة ترتيب علاقاتها الإقليمية، حيث ترغب في تقديم نفسها كحليف متعاون في مكافحة تمويل الإرهاب، مع الحفاظ على توازن دقيق بين متطلباتها الاقتصادية وعلاقاتها السياسية.
قرار تجميد استثمارات الأحمر يعدّ خطوة جريئة قد تفتح الباب أمام تركيا لتبني سياسة جديدة أكثر توافقًا مع التوجهات الغربية، لا سيما إذا نجحت في الحفاظ على علاقتها المتوازنة مع واشنطن، التي تترقب عن كثب كيفية تعاطي أنقرة مع هذا الملف المعقد الذي يحمل أبعادًا أمنية وسياسية واستراتيجية واسعة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news