البحر والتاريخ.. التشابهه بالشكل والاختلاف بالمحتوى!

     
بيس هورايزونس             عدد المشاهدات : 19 مشاهده       تفاصيل الخبر
البحر والتاريخ.. التشابهه بالشكل والاختلاف بالمحتوى!

لا شيء يدخل إلى التاريخ من خارجه ولا شيء يخرج منه؛ أنه يشبه البحر وليس النهر؛ فهمتوني.

“أين شواهدكم، معارككم، شهداؤكم؟ أين ذاكرتكم القبلية؟ إيها السادة .. في القبة الرمادية . البحر. البحر قد أقفل عليها . البحر هو التاريخ) بهذا النص الشعري للشاعر الكاريبي ديريك والكوتالحائز على جائزة نوبل عام ١٩٩٢م أستهل مايكل نورث كتابه (اكتشاف بحار العالم من العصرالفينيقي إلى الزمن الحاضر).

في العراق التي تشبه اسمها بالعراقة والرسوخ التاريخي غيرت كل شيء فهناك وجدت نفسي وجها لوجه مع التاريخ الذي ينيخ بكلكله الثقيل على عاتق الحضارة البشرية. فتحول السؤال الوجودي عن من هو الإنسان؟ إلى سؤال فلسفي تاريخي عن ما هو التاريخ؟ وكيف يتحرك وإلى اين يسير؟ ولما كان قدرنا أن نكون شاهدين على هذا العصر ومنفعلين بما يحدث فيه من تغييرات وأحداث ومشكلات، فمن الأجدر بنا أن نفهم ما يدور حولنا ونتعرف طبيعة المنطلقات الفلسفية والمسارات العامة التي توجه دفة قيادة التاريخ العالمي في عالمنا المعاصر، والفلسفة هي النافذة التي نطل منها لتعرّف حقيقة عصرنا ومشكلاته ذلك لأنها روح عصرها ملخصاً بالفكر، ولا مندوحة لنا نحن القاطنين في هذا المكان المتوسط من الأرض من الفهم العميق للروح الفلسفية العامة التي تكمن خلف كل تلك المظاهر والأحداث والملامح التي تشكل وجه عالمنا الجديد، وتشكل وجهنا في نسيج هذا العالم الخارج عن نطاق سيطرتنا، والخاضع لديناميات قوى عالمية غربية وشرقية وإراداتفاعلة أخرى، قابضة على نواصي التاريخ والحضارة والمدنية والثقافة.ولما كانت الفلسفة حواراً بين الفكر والواقع، بين الإنسان وعصره، بين الشعوب والحضارات، حواراً يجدد الدهشة ويثير التأمل ويفتح الآفاق ويضيء السبل والممكنات لفهم المشكلات وحل الأزمات،فإن حاجتنا ماسة لمثل هذا الحوار الثقافي الذي يعين البشر على تحديد الأسئلة الجوهرية والبحث عن الإجابات المناسبة والممكنة عنها، ولاسيما بعد أن صرنا اليوم دون أجوبة لأن الأسئلةالتي طرحناها لم تكن مطابقة للواقع، لذا جاءت أجوبتها مخيبة للآمال. فما أحوجنا لفهم شيءعن عصرنا وطبيعة مشكلاته وحقيقة فلسفاته، كي نتمكن من التعاطي معه على أسس عقلانية واقعية نقدية. هناك في قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة بغداد أعدت التفكير في التاريخ الذي يكسر رؤوس البشر ولم يتكسر رأسه أبداً. فكان سؤال التحدي والاستجابة عند الذي أستوقفني إذ كيف لنا اليوم أن نواجه تحدي التاريخ العالمي.

ربما قرأنا عن تشبيه التاريخ بالنهر بوصفه صيرورة دائمة الحركة عبر الزمان من الماضي إلى الحاضر إلى المستقبل إذ أن التاريخ يجري كما تجري مياه الأنهار إلى مصالتها؛ أنها تجري باستمرار  يستحيل الاستحمام بها مرتين! بحسب هيرقلطيس. لكن هل هذا التشبيه دقيق ويشبع المعنى؟

الأنهار تجري في مسار واحد تنساب أو تجرف لكنها جميعها تصب في آخر المطاف في البحر؛ البحر البحر هو من يشبه التاريخ أو يشبهه التاريخ إذ أننا نعيشه كما تعيش الأسماك بالماء وكما هو قانون البحار وحياة الأسماك الكبيرة التي تتغذى على الأسماك الصغيرة يمكن النظر إلىالتاريخ وحركته المستمرة. نعم هو يتحرك حركة ذاتية نسبية ولكنه لا يسيل إلى مكان ما خارج هذه الكوكب. ومن البحر استلهم الشاعر الكاريبي ديريك والكوت قصيدته (البحر والتاريخ) فالبحر هو محور التاريخ حيث يحتفظ بالذكريات في قاعه كما يحتفظ بجثث ضحاياه وسفنهمومقتنياتهم. ومن الاخطاء الفادحة في الدراسات التاريخية التقليدية أن الباحثين في التاريخ والآثار انشغلوا في تدوين ما حدث ويحدث في اليابسة وكل ما هو متاح للرؤية والمشاهدة بينما ظل التاريخ الحقيقي محتجبا عنكم في اعماق البحار والمحطات التي تشكل ثلاثة أرباع الكرة الأرضية مجازنا بينما هي في حقيقتها كرة مائية أو بحرية وصف أقرب إلى الحقيقة.

وربما كان البحر لا النهر هو اكثر شبها بالتاريخ – أو بالاحرى التاريخ هو الذي يشبه البحر وتحولاته وتياراته وموجاته المتصادمة وهذا ما ادركه فيلسوف التاريخ الامريكي المعاصر اولفينتوفلر إذ كتب  في ” بناء حضارة جديدة ” إن تشبيه التاريخ ” بموجات ” تغيير –  في اعتقادنا – أكثر تعبيراً عن ديناميكيه، وأنسب من الحديث عن الانتقال إلى ” ما بعد الحداثة “. فالموجة حركة. وعند اصطدام الموجة بالأخرى تتولد تيارات قوية متلاطمة، وعند تصادم موجات التاريخ فإنحضارات بأسرها تتصادم، و يلقى هذا الضوء على كثير مما يبدو في عالم اليوم عشوائياً أو بلامعنى”

أكد فرنان بروديل – وهو من أبرز رواد التاريخ الجديد – أن التاريخ يجب أن يكون شمولياً أو لايكون، “وهو يحتاج إلى العلوم الاجتماعية الأخرى، وقادر على تبني اشكال التفسير الجديدة التي تبتدعها هذه العلوم وتكييفها لأغراضه الخاصة. والتاريخ قادر بدوره على تقديم ما تفتقرإليه العلوم الأخرى، وهو البعد الزمني، الذي يمثل خصوصيته، ولايهم في نظر بروديل ان أتهمالبعض التاريخ بأنه (امبريالي) يريد ابتلاع كل شيء”.

‏‎وقد أشار العروي إلى أن مفهوم الشمولية كما يعرضه بروديل وغيره من مؤرخي مدرسة الحولياتمستوحى من علماء الانثربولوجيا وبخاصة من الباحث الفرنسي مارسل موس الذي يرى أن”المجتمع، أي مجتمع، يكون في الحقيقة وحدة عضوية، فلا يمكن تجزئته الى قطع مستقلة تدرسكل واحدة منها على حدة. ان في قلب كل جزئية وظيفية يجب البحث عن مفعول الظاهرة الشمولية”

وهو الامر الذي فعله بنفسه حينما جعل من عالم البحر الأبيض المتوسط والعالم المتوسطي علىأيام فيليب الثاني – وهذا هو عنوان الكتاب الذي أصدره عام 1949 – نموذجاً تطبيقياً لكتابة التاريخ بحسب المنهجية الشمولية التي يدعو إليها. وقد توصل بروديل من دراسته المستفيضة لهذا الموضوع إلى وجود شخصية تاريخية لهذا البحر. وقد تجلى ذلك في وحدة النظم الاقتصادية والسياسية التي سادت في معظم الدول التي قامت على شواطئه .

‏‎هكذا بدا الأفق الشمولي عند بروديل”مجموعة تاريخية يشملها نمط واحد من نظم الحياة المادية والروحية، والسمة الأولى للحضارة هي أنها حقيقة واقعية ذات مدة مفرطة في الطول، وسمتها الثانية هي أنها مرتبطة أوثق الارتباط بمكانها الجغرافي إذ تحدث بروديل عن ثلاثة أزمنة  وهي:الزمان الجغرافي والزمان الاجتماعي والزمان الفردي. وفي اطار هذا الفهم تبرز “امكانية لكتابة ثلاثة تواريخ ثانوية أو فرعية تصب كلها في ذات التاريخ الأصلي (الكلي) أو (الشامل): أولها تاريخ جغرافي (يهتم بدراسة الطبيعة أو المكان كتاريخ)، ثانيها: تاريخ ظرفي اجتماعي (يعنى بدراسة المجتمع والحضارة)، ثالثها: تاريخ حدثي (سياسي). ولا يعني هذا الاخير عودة مقنعة إلى المنهج التاريخي القديم، بل التأكيد على أن ثمة شروطاً تحدد الحدث نفسه وتسمح بامكانه”. وقد خلص بروديل من كل ما تقدم إلى أنه قد أنجز في كتابه (البحر الابيض المتوسط والعالمالمتوسطي على عهد فيليب الثاني) تاريخاً متعدداً لكنه واحد، لأن حركته تسير من البنية، أي منشروط لامكان إلى الحدث.

في ضوء ما تقدم يمكن لنا القول بأن فهم تاريخ العالم الحديث والاستعمار أهم ملامحه لا يمكن أنيتاتى بدون فهم حركة الاكتشافات الجغرافية وطرق السفن والبحارة ورواية روبنسون كروزو

وفي ذات السياق “تضع أعمال قرنح المحيط الهندي في المركز كمكان، وخلاله تتخلق التواريخ والهويات والعلاقات والصلات والسياسات. إن الساحل الشرق إفريقي السواحيلي العريض، والذي لا يحظى بما يستحق من استكشاف مع ذلك، هو موطن مزيج ثري من أشكال التراث الإفريقي والآسيوي والعربي، وهذه العوالم هي التي يرسم قرنح خرائطها في رواياته”

والاكتشاف فعل حركة ونقلة وقوة وتفوق وسيطرة ومن يكتشف يصمم ويشكل يسمي الذاتوالأخر فمن نحن ومن الآخر وكيف يمكننا الخروج من هذه الشبكة العلائقية المستحكمة في تاريخنا الحديث والمعاصر؟.

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

12 محافظة يمنية تواجه خلال الساعات القادمة هطول امطار غزيرة وسيول جارفة

يني يمن | 2797 قراءة 

ارتفاع قاتل يضرب الأسواق.. السعر الجديد للدقيق والرز والسكر والزيت

نافذة اليمن | 2428 قراءة 

بعد ادعاء الحوثيين تصنيع ”القارعة”.. تحقيق يكشف حقيقة الغواصة المسيرة المتقدمة ويفضح التزييف الحوثي! ”شاهد”

المشهد اليمني | 1417 قراءة 

رئيس اكبر شركة اتصالات في اليمن يستعد للاطاحة بالشيخ العيسي ماذا يحدث

كريتر سكاي | 1326 قراءة 

عدن تدفع ١٠ مليون دولار لصنعاء يوميا ماذا يحدث؟

كريتر سكاي | 1080 قراءة 

أخيرا.. "الانتقالي" يكشف مصير عشال

العربي نيوز | 1036 قراءة 

اول اعتراف بشان عصابة وداد في صنعاء التي اخذت مئات الملايين من المغتربين من احد المروجين لها ماذا حدث؟

كريتر سكاي | 962 قراءة 

"العمالقة" تعلن استعدادها لقتال "حماس"!

العربي نيوز | 901 قراءة 

بتعزيزات عسكرية ضخمة استعدادا للحرب الحاسمة(صورة)

نيوز لاين | 901 قراءة 

حزب المؤتمر يضع الحل لوقف انهيار الريال اليمني ويحذر من هذه القرارات!

المشهد اليمني | 734 قراءة