تحفتان .. تتحديان الزمن

     
عدن تايم             عدد المشاهدات : 47 مشاهده       تفاصيل الخبر
تحفتان .. تتحديان الزمن

 لم يكن يعنيني من التراث وأنا فتى يافع سوى شواهد وشواخص مازالت ماثلةً في أماكن عدة من مدينة عدن، حيث ولدت ونشأت وترعرعت، ولم أكن أسأل عمن بناها ولا أبحث في تاريخها وأهميتها ودورها في حياة الناس على مدى قرون من عمر المدينة الوادعة، التي تستقبل الشمس كل صباح بابتسامة خلَّدت جمالها في محيّا الوجود، كواحدة من عيونه الساحرات الساميات عن الوصف. كنت أشاهد عدداً من المعالم التاريخية والمواقع التراثية والأثرية فلا أتوقف أمامها طويلاً، ولا أفتش بين جنبات الزمان عن ماهيتها، وعمن كان وراء إقامتها هنا ومتى كان ذلك. كنت مثلاً أمر بجانب المنارة، أحد المعالم البارزة في حي كريتر العريق بعدن، والتي يعود تاريخ بنائها حسب بعض المؤرخين إلى حوالي ألف ومائتي عام، وكانت كما تقول الأبحاث والمصادر منارة مسجد عتيق تهدم ولم يبق منه أثر يدل عليه سوى هذه المنارة، التي ظهرت في رسومات بعض الرسامين القادمين على السفن البرتغالية بداية القرن السادس عشر الميلادي، ويبدو في رسوماتهم مسجد كبير بجانب المنارة التي كان يطلق عليها منارة عدن، ويُجمع كثير من المؤرخين على أن الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز هو من أمر ببناء جامع عدن بمنارته هذه، ومنهم من يقول إنه بُني في عصر الدولة الرسولية، وتُرجع روايات أخرى بناءه إلى السلطان عامر بن عبدالوهاب سلطان الدولة الطاهرية، وتذكر صحيفة ( الأيام ) العدنية في عددها الصادر بتاريخ 20 سبتمبر 2021 أن المنارة ( لفتت انتباه علماء الآثار في العالم، وآخرهم العالم السوفييتي سيرجي شيرنسكي الذي زارها عام 1972م وأشار إلى أنها شيدت في القرن الثامن الميلادي، وأن زخرفتها تعود إلى القرن السادس عشر، بينما قاعدتها المضلعة ربما كانت قائمة على أثر قديم لعله يعود إلى ما قبل الإسلام )، فكلما كنت أمر بجانب المنارة لا ألتفت باهتمام إليها، وهي أمام عينيَّ تختصر عصوراً من حضارة المنطقة، بشموخها وصمودها أمام رياح الزمان العاتية، لأنني في تلك السنِّ الغضة ما كنت أعي أهميتها ورمزيتها بالنسبة للمدينة وأهلها . 

   تحفة معمارية أخرى خالدة وعجيبة من العجائب، هي صهاريج عدن التاريخية، فكلما كنت أذهب إلى ( الصهاريج ) في حي الطويلة بالمدينة نفسها، يتوارد إلى خاطري كلام عنها أسمعه حيناً وأقرأه حيناً آخر، عن أنها أعجوبة هندسية فريدة بُنيت في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، وهي مأثرة معمارية عظيمة تدل على مقدرة إنسان تلك المنطقة على تطويع الطبيعة وتذليل الصعاب، فقد شيَّدها في تلك العصور لتلبية احتياجاته من مياه الأمطار، وتخزينها في خزانات طبيعية أو ( صهاريج ) نحتها في الجبال، للاستفادة من المياه وتصريفها بأساليب هندسية بديعة، عبر مسارب تمر من أعلى وادي الطويلة، مخترقة في انحدارها المدينة، من خلال مجارٍ شقَّها فوق وتحت الأرض حتى تصل إلى مصبها في البحر .

   وأذكر أنه وقع بين يديَّ مرة، ولم أكن تجاوزت يومها السادسة عشرة من عمري، ديوان شعر للشاعر والأديب اليمني لطفي جعفر أمان وفيه قصيدة بعنوان ( وقفة على آثار خالدة ) يحتفي فيها بهذه الأعجوبة المعمارية الخالدة، ويتغنى بمجد أثيل شاهد على عراقة موغلة في القدم، ناظراً إليه بعيون الحاضر في استشراف شعري للمستقبل ، يقول مثلاً :

في هذه الأسداد من أرضنا

يدفقُ بالأمجاد تاريخنا

فتغسل الأضواءُ آفاقنا

وتنتشي غنَّاءَ أيامنا

تشدو بها فوق مثاني السنا

قلوبنُا .. إحساسُنا .. وعيُنا

بأننا في حقبةٍ غراءَ من دهرنا

غزت جبينَ الشمس هاماتُنا

وهي القصيدة التي كانت كافية لتهزني وتحرك الرغبة في كياني، لأذهب يومها حاملاً معي الديوان وأقف هذه المرة وقفة متأملة في عظمة البناء المهيب، مردداً مع الشاعر لطفي أمان :

يا جيلَنا

كم يبهرُ الإعجاز هذا البِنا

مآثر الماضي وأمجادنا

بكبرياء الشمس تزهو بنا   

إلى أن يقول :

فلننفض الأحلامَ عن جفننا

ولنزرع الأضواءَ في دربنا

لأننا نؤمنُ أن النورَ من حقنا

  وللحقيقة فقد كان لتلك القصيدة أثر إيجابي ودافع قوي، بقي يلح عليَّ للوقوف على العديد من المواقع التاريخية والآثار الباقية، التي تعود إلى قرون وعصور مختلفة، ليس هذا فحسب،  ولكن أيضاً البحث عنها في المراجع والمصادر وكتابات الأدباء والشعراء وكل ما يتعلق بها في أي وثيقة وأي كتاب، لأني تيقنت أن أي بناء وأي أثر مازال ماثلاً في أي مكان، ما هو إلا شاهد على تاريخ غابر وحضارة قديمة ومجد تليد، تنبغي صيانته والمحافظة عليه وتدريسه للأجيال، سواء عكس ذلك الأثر جانباً مشرقاً من فنون العمارة، أو حفظ أحداثاً ومناسبات وأسماء شخصيات كانت وراء تشييده ورفع بنائه، أو لأنه صار عنواناً لعراقة شعب وأمجاد أمة، ودليلاً على عزتها ومنعتها وسمو شأنها بين الأمم .

   

 

 

Google Newsstand تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news


تابعنا على يوتيوب

تابعنا على تويتر

تابعنا على تيليجرام

تابعنا على فيسبوك

بريطانيا تكشف مفاجأة اسرائيلية للحوثيين

العربي نيوز | 2620 قراءة 

الحكومة تعلن بشرى سارة بشأن الرواتب 

العربي نيوز | 2310 قراءة 

ارتفاع غير مسبوق لإيرادات الحكومة

العربي نيوز | 1357 قراءة 

محاولة إغتيال وزير الداخلية الحوثي في المدخل الشمالي للعاصمة صنعاء

المشهد اليمني | 1275 قراءة 

فضائح على الفيسبوك.. كيف دمر زواج ناشطة يمنية في دقائق؟

العين الثالثة | 1222 قراءة 

ما وراء تهديد الحوثيين بهجمات انتقامية ضد السعودية والإمارات !

المشهد اليمني | 1207 قراءة 

صرف المرتبات لكافة الموظفين ابتداءً من هذا الموعد ومن بنك واحد فقط

اليمن السعيد | 1079 قراءة 

قيادي حوثي يقتل مواطنا بطريقة بشعة في قسم شرطة بصنعاء

يمن فويس | 975 قراءة 

المخابرات الاسرائيلية تكشف عن خطة عسكرية تجاه مصر والسعودية "تفاصيل"

اليمن السعيد | 896 قراءة 

ما مصير طائرة لليمنية اختفت في الأجواء وتفاصيل قصة اختفائها وهي بطريقها إلى عدن!

مراقبون برس | 856 قراءة