ما حدث مؤخراً لمغتربين من أبناء محافظة إب وسط اليمن، أعاد للأذهان المآسي المتكررة التي يتعرض لها العديد من المسافرين والمغتربين خلال الأشهر والسنوات الماضية والتي زادت حدتها خلال الفترة الماضية في الخط الصحراوي.
ثلاثة من المغتربين قرروا مطلع الأسبوع الماضي السفر إلى اليمن لقضاء إجازتهم، عبر منفذ الوديعة إلى محافظة إب وسط البلاد، غير أنهم لم يتمكنوا من العودة سالمين، حيث كانت عصابة التقطع والحرابة والنهب تمارس مهامها في الخط الحيوي الذي تحول بفعل الحرب إلى أهم شريان رابط بين اليمن والسعودية، فتعرضوا لعملية تقطع ونهب من قبل عصابة مسلحة في منطقة الرويك، وتحت تهديد السلاح تم نهب كل ما بحوزتهم، غير أن تبعات ما تعرضوا له قادت لحادث مروع أصيبوا على إثره وتم نقلهم لأحد مشافي صنعاء لتلقي العلاج.
في تفاصيل القصة الأخيرة ينقل الناشط عمر الضيعة عن أحد الضحايا وهو المغترب "يحيى احمد يحي البنا" من أبناء محافظة إب، حيث سافر من السعودية مع أحد أقاربه وشخص ثالث على متن سيارتهم الخاصة، حيث يقول يحيى بأنهم وصلوا الساعة الخامسة مساء قبيل المغرب إلى منطقة "العبر" بمحافظة حضرموت شرق اليمن، مشيرا إلى أن إغلاق خط مأرب الجوبة يغلق ليلا، اضطروا للنوم في منطقة "العبر" حتى صباح اليوم التالي، حيث انطلقوا بعد صلاة الفجر بإتجاه مأرب.
وأضاف البنا، بأنه وبعد وصولهم إلى ما بعد سوق الرويك قبيل منشأة "صافر" بحوالي خمسين كيلو حيث الحفريات والمطبات بالخط العام، جرى اعتراضهم من قبل أربعة مسلحين على متن سيارة "فورشينر" بدون لوحة، لافتا إلى أنه تم ملاحقتهم من قبل المسلحين والضغط عليهم حتى أجبروا على التوقف وجرى إنزالهم من السيارة التي كانوا على متنها وتصعيدهم لسيارة المسلحين.
وأوضح أنه بعد نقلهم لسيارة المسلحين انتقلت السيارة إلى خلف إحدى التباب الصحراوية حيث المكان يتناسب مع مهمة النهب وعدم وجود أحد، مضيفا: "تم تفتيش السيارة والمغتربين والسلاح مصوب عليهم وتهديدهم بالقتل وجرى نهب كل ما بحوزتهم من أموال وممتلكات".
وأفاد البنا، الذي كان برفقة "ابراهيم محمد احمد البنا، وخالد حسن ناجي المدبعي"، أنه لم يكن بحوزتهم سوى 3 جوالات مع الآيبادات وأموال تصل لألف ريال سعودي، وهو مبلغ صادم للعصابة المسلحة، ولهذا لم يعود المغتربين يأخذون بحوزتهم النقود كما كانوا من قبل نتيجة عمليات النهب والتقطع التي يتعرضون لها، فيقومون بإيداع أموالهم لحسابات بنكية ويأخذون ما يكفيهم فقط في طريق سفرهم تجنبا لما يمكن أن يتعرضوا له.
وواصل يحيى البنا حديثه بعد أن غادرت العصابة، أخذوا سيارتهم "صالون" باتجاه الخط العام مشيراً إلى أن تبعات الحادثة الصادمة لهم ظلت عالقة في أذهانهم ومؤثرة عليهم، وتوجهوا بسرعة خوفا من عودة العصابة أو اعتراضهم من قبل عصابة أخرى، حتى وصلوا إلى إحدى النقاط الأمنية وتم إبلاغهم بما تعرضوا له، ووعدوهم بالتحرك ومتابعتهم، ليواصلوا المسير والتحرك السريع وآثار الحادثة مهيمنة عليهم ما أدى لانقلاب السيارة وخروجها عن الخط الرئيسي وإصابتهم بشكل بالغ، حيث جرى نقلهم إلى صنعاء لتلقي العلاج.
هذه الجريمة تأتي ضمن سلسلة من الهجمات المتكررة الممنهجة للعصابات، التي يعاني منها المسافرون على هذا الطريق الصحراوي، الذي بات بفعل استمر الحرب شريان رئيسي يربط مناطق سيطرة مليشيا الحوثي مع عدد من محافظات البلاد الشرقية بالإضافة الى منفذ الوديعة وهو الميناء البري الوحيد البري الذي يربط اليمن بالسعودية.
وتتزايد مثل هذه الحوادث في ظل استمرار إغلاق الطرق الرئيسية مثل طريق فرضة نهم - مأرب، حيث ترفض مليشيا الحوثي فتحه، الأمر الذي يجبر المسافرين على اللجوء إلى الطرق الصحراوية البديلة مثل طريق الرويك وطرق أخرى في الصحراء، وباتت هذه الخطوط طيلة السنوات الماضية مرتعاً لعصابات التقطع.
ولأن مسافة هذه الطرق الصحراوية أقرب نسبياً الى صنعاء من الخط الرئيس الذي تم فتحه مؤخراً بين البيضاء ومأرب، يفضل سائقو المركبات او سيارات نقل الأجرة "الكدادين" المرور عبره رغم المخاطر المهدد للحياة، مع حمل أغلبهم أسلحة شخصية لمواجهة مثل هذه التقطعات.
حوادث التقطع والنهب، باتت من الحوادث التي تتكرر بشكل يومي على الطريق الصحراوي بين محافظات الجوف ومأرب وحضرموت، حيث تعرضت سيارة تقل مسافرين في سبتمبر الماضي، لهجوم من قبل عصابة مسلحة على الخط المؤدي من الجوف الى منفذ الوديعة.
وسبق أن تداول نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات متقطعة للحظات مروعة للعصابة المسلحة، المكونة من ستة أفراد على متن سيارتين من نوع "شاص"، وهي تعترض سيارة من نوع "هايلوكس" كانت تقل مسافرين في طريقهم عبر الصحراء المعروف بمصائبه المتكررة ومعاناة المسافرين من خلاله.
الفيديوهات التي وثقتها عدسة كاميرا جوال لأحد المسافرين الضحايا خفيةً في أغسطس الماضي أظهر ملاحقة العصابة لمركبتهم لوقت طويل وإطلاق النار عليهم قبل ايقافهم ونهبنهم والتهجم عليهم، كما أظهرت عليهم ملامح الذعر، وبين واحد من الفيديوهات تعرض أحد المسافرين لإصابة في الرقبة وهو يقول: "كم باقي لوما نوصل.. أنا أحس بدوخة شاموت".
ورغم حوادث التقطع والقتل والنهب المستمرة، والمناشدات المتتالية للجهات المعنية من المسافرين وسائقي المركبات، إلا أنه لم يتم الإعلان عن القبض أي من عصابة السرقة التي تتوسع بين فترة وأخرى وتمثل خطراً على السكان.
ولم يتمكن "المصدر أونلاين" حينها من الوصول إلى أحد المسافرين الذين تعرضوا لحادثة التقطع الأخيرة، لكن مواطن قال إنه سبق وأن تعرض لحادثة مشابهة قبل أشهر في طريق الصحراء بين محافظتي مأرب والجوف، بينما كان عائداً من السعودية مع أسرته.
وذكر المواطن الذي فضل عدم ذكر اسمه أنهم خرجوا عن الممر الرئيسي دون قصد، وذلك بعد أن تم إغوائهم من قبل عصابة مسلحة أفراد منها على متن سيارة "شاص" وآخرين على سيارة "هايلوكس"، لافتا الى أنه تم ملاحقتهم من قبل العصابة لنحو 30 دقيقة في طريق الصحراء، حيث تعرضوا لإطلاق نار كثيف، وتاهوا عن طريقهم الرئيسي أكثر من 25 كيلو.
وأشار الى أن سائق المركبة وهو "كداد" كان يحمل معه سلاح شخصي نوع "آلي" فضل عدم الاستجابة للعصابة ورفض التوقف، وأسرع بسيارته الحديثة بشكل جنوني حتى اقترب من احدى التباب العسكرية للجيش.
وأضاف أن أفراد الجيش الذين كانوا متواجدين في الموقع العسكري ساعدوهم في العودة الى الخط الرئيسي، وفي احدى النقاط الفاصلة بين مناطق مليشيا الحوثي وقوات الحكومة الشرعية بلغوا عن تلك العصابة ونوع مركباتهم وأوصافهم.
وصف المواطن وقت المراوغة على العصابة بأنها أصعب لحظات في حياته عاشها مع أسرته، مؤكداً أنهم نجوا من الموت بأعجوبة.
وخلال السنوات الماضية سقط العشرات من المسافرين بين قتيل وجريح، برصاص هذه العصابات في هذه الممر الصحراوي، كما تعرض المئات لخسائر كبيرة بسبب عمليات النهب التي يلجؤون الى دفعها للحفاظ على أرواحهم شمل ذلك مركبات وجوالات ومبالغ مالية وأشياء أخرى ثمينة.
وإلى جانب هذه المعاناة الخطرة والمستدامة تترصد الألغام التي زرعتها مليشيا الحوثي في الصحراء مركبات المسافرين، وقضي بسببها المئات من العابرين.
وفي تعليقات لهم على الحوادث المتكررة يحمل أغلب نشطاء وسائل التواصل، سلطة مليشيا الحوثي المسؤولية الكاملة عن مثل هذه الحوادث، حيث يشيرون في تعليقاتهم الى أنهم الجهة الوحيدة التي ترفض فتح الخطوط الرئيسية المقطوعة منذ بدء الحرب.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news