تحت وطأة الحرب المستمرة والتدهور الاقتصادي المتزايد، تشهد العاصمة عدن ظاهرة خطيرة تتفاقم يوماً بعد يوم، وهي ظاهرة التسوّل في ظل التدهور الاقتصادي والمعيشي الذي يعصف بالبلاد والحرب الطويلة التي لم تترك مجالاً للعيش الكريم، التي دفعت الآلاف إلى التسول كوسيلة أخيرة للنجاة، مما ينذر بكارثة إنسانية وشيكة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة، ولم يعد التسوّل مشهداً نادراً، بل بات جزءاً من الحياة اليومية في المدينة، حيث نرى المتسولين في كل زاوية، ومعظمهم يجرون وراءهم قصصاً مؤلمة من الفقر والنزوح والعوز.
الظاهرة لم تكن موجودة بهذا الحجم قبل اندلاع الحرب، التي تسببت في نزوح الآلاف من العائلات وتوقف عجلة الاقتصاد بشكل شبه كامل، بل أصبح التسوّل الخيار الوحيد للبقاء على قيد الحياة بالنسبة للعديد من الأسر، التي لم تعد تجد سبيلاً آخر لتوفير الغذاء والمأوى.
شهادات من الميدان:
خلال جولة ميدانية لفريق "العين الثالثة" في أحياء عدن المختلفة، تمكنا من جمع شهادات لعدد من المتسولين الذين عبروا عن معاناتهم في ظل الظروف المعيشية الصعبة.
سعاد (16 عاماً)، واحدة من هؤلاء المتسولين، تقف أمام متجر لبيع المواد الغذائية في عدن، وتحكي قصتها بمرارة، توفي والدها، وأمها مريضة غير قادرة على العمل. تقول: "لم يتبقَ لنا شيء، لا نملك طعاماً ولا مساعدة من أي جهة"، تخرج نسرين مع إخوتها يومياً في رحلة بحث عن القليل من المال لإعالة أسرتها.
فاطمة (18 عامًا) التي نزحت مع أسرتها من محافظة الحديدة قالت: "اضطررنا إلى مغادرة منازلنا بسبب الحرب، والآن لا نستطيع توفير قوت يومنا أو دفع إيجار الغرفة التي نعيش فيها." وأشارت إلى أن أسرتها لم تتلق أي مساعدات إغاثية من المنظمات الإنسانية، في حين تضاءلت المساعدات الخيرية بشكل كبير.
من جانبها، أكدت حليمة (أربعينية)، التي تجلس يوميًا مع أطفالها في أحد الشوارع الرئيسية، أن الجمعيات الخيرية تسجل أسماء المحتاجين وتوهمهم بالمساعدة، إلا أن المساعدات نادرًا ما تصل. وتقول حليمة: "لم أجد أي وسيلة لإعالة أطفالي سوى التسول، خاصة بعد وفاة زوجي في إحدى المعارك".
غياب الرقابة وارتفاع الجريمة:
يشير عصام الصبري، أحد المواطنين المستائين من انتشار الظاهرة، إلى أن التسول لم يعد مقتصرًا على المحتاجين فقط، بل أصبح مهنة للبعض، حيث يقومون بدفع الأطفال والنساء إلى الشوارع لجمع أكبر قدر من المال يوميًا. وأضاف: "التسول أصبح مصدر إزعاج كبير لنا، خاصة عند إشارات المرور وأمام المحلات التجارية."
تدهور المعيشة وزيادة الجرائم:
التسول لم يعد مقتصراً على الفقر، بل تحول إلى وسيلة للبعض لاستغلال الوضع الحالي. مسعود العبدلي، صاحب محل تجاري في عدن، يحكي عن حالات سرقة يقوم بها بعض المتسولين في محله، حيث يستغلون انشغاله لسرقة السلع.
كارثة إنسانية تلوح في الأفق:
يعتقد الناشط فرحان يحيى أن غياب الدعم الفعلي من المنظمات الإنسانية أسهم في تفاقم الأزمة. وقال: "المنظمات لا تقدم المساعدات للمتضررين، رغم التدهور المعيشي الذي يعاني منه الجميع."
وفي ظل استمرار النزوح وتدهور الأوضاع المعيشية، تتوقع الأمم المتحدة أن الأزمة الإنسانية في اليمن ستظل الأسوأ عالميًا، حيث يحتاج 80% من السكان إلى مساعدات إغاثية عاجلة.
ضرورة التدخل العاجل:
على الرغم من جهود بعض المنظمات، إلا أن تأثيرها على الأرض لا يزال محدودًا. يتطلب الوضع في العاصمة عدن وفي اليمن بشكل عام، تدخلاً فوريًا من المجتمع الدولي، إلى جانب ضرورة تفعيل دور السلطات المحلية لتوفير الرقابة وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها.
وفي ظل غياب الحلول الجذرية وغياب الدعم الكافي من المنظمات الإنسانية، تتفاقم ظاهرة التسوّل في عدن بشكل خطير. المواطنين يعانون، والأطفال يتركون المدارس ليصبحوا جزءاً من دائرة الفقر والجهل، بينما يظل الحل بعيد المنال.
ختامًا، فإن تزايد أعداد المتسولين في عدن يعكس واقعًا مؤلمًا لوطن مزقته الحروب. والحل يبدأ من استعادة الاستقرار وتوفير الحماية الاجتماعية للفئات الأكثر ضعفًا، حتى لا تصبح ظاهرة التسول كارثة إنسانية أكبر من مجرد مشهد يومي في شوارع العاصمة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news