التشجير هو أحد العناصر الأساسية في الحفاظ على البيئة الصحية، إذ يسهم في تحسين جودة الهواء، وتنظيم درجات الحرارة، والحفاظ على التوازن البيئي. إلى جانب ذلك، فإن الأشجار تمتص ثاني أكسيد الكربون وتطلق الأكسجين، مما يعزز من نقاء الهواء ويقلل من تأثيرات الاحتباس الحراري. كذلك، تعمل الأشجار على تحسين المظهر الجمالي للمدن وتوفير مساحات خضراء تُلهم الأفراد وتساهم في تخفيف الضغط النفسي.
بالنسبة لمحافظة عدن، فإن أهمية التشجير تتضاعف في ظل غياب الجهود الرسمية للاهتمام الجيد به. تعد عدن من المدن الساحلية التي تعاني من ارتفاع درجات الحرارة، ولذلك تلعب الأشجار دورا كبيرا في تلطيف الأجواء، والحفاظ على الرطوبة، وتخفيف العواصف الرملية. إن غياب الاهتمام بالتشجير من قبل الجهات المختصة يؤدي إلى تراجع جودة البيئة وزيادة التلوث، مما يؤثر سلبا على صحة السكان ونوعية حياتهم.
من الضروري غرس ثقافة التشجير لدى الأجيال الجديدة، من خلال المناهج الدراسية وحملات التوعية المجتمعية. غرس هذه الثقافة سيجعل من الشباب والمدارس والجامعات شركاء أساسيين في حماية البيئة، وسيزيد من الوعي بأهمية التشجير كركيزة للحفاظ على المستقبل البيئي والاقتصادي للمجتمع.
لكن يتطلب أي مشروع للتشجير والري تمويلا مناسبا لضمان نجاحه. تتراوح تكلفة مشروع التشجير حسب حجمه، من توفير الشتلات، وأعمال الحفر، والتشجير، وحتى أنظمة الري المستدامة. كذلك يجب أن تكون هناك خطط لصيانة الأشجار وريها بانتظام لضمان نموها ودوام فائدتها للبيئة.
إحدى التحديات التي تواجه التشجير في عدن، هي تصرفات المخربين الذين يقطعون الأشجار دون مراعاة لأهميتها، وهذا يشكل عائقا كبيرا. يجب أن تكون هناك قوانين صارمة لمكافحة التخريب والتعدي على الأشجار، وفرض غرامات مالية أو عقوبات قانونية على من يعتدي عليها.
في مدينة إنماء، تم تشجير جزء من الشارع الرئيسي، وهو جهد مشكور في ظل قلة التشجير. لكن، للأسف، الجهات الرسمية لم تستمر في متابعة المشروع، وتركته عرضة للإهمال. اللاجئون الأفارقة الذين يقيمون في المنطقة بدأوا باستخدام حفر الأشجار كمكان للنوم وتخزين القات، مما أدى إلى تلف العديد من الأشجار. هذا الأمر يعكس ضعف الرقابة الرسمية وعدم الاهتمام باستدامة المشاريع البيئية.
إن التشجير ليس مجرد ترف بيئي، بل هو ضرورة أساسية للحفاظ على صحة المدن والمجتمعات. إن تأمين التمويل اللازم، وتطبيق القوانين، ورفع مستوى الوعي بأهمية الأشجار كلها خطوات أساسية للحفاظ على البيئة في عدن وغيرها من المدن اليمنية.
للاستمرار في تعزيز أهمية التشجير في محافظة عدن، يجب التركيز على عدة محاور رئيسية لضمان نجاح الجهود المبذولة في هذا المجال. أولاً، يجب أن يكون هناك تعاون بين الجهات الرسمية والمجتمع المحلي لضمان استدامة مشاريع التشجير. ففي ظل الإهمال الذي تواجهه هذه المشاريع، يجب أن تتدخل المؤسسات المحلية والجمعيات البيئية لتقديم الدعم اللازم والعمل على توعية السكان بأهمية الحفاظ على المساحات الخضراء.
ثانيًا، غرس ثقافة التشجير لا يجب أن يقتصر على المدارس فقط، بل يجب أن يكون جزءا من الحملات الإعلامية والمبادرات المجتمعية. يمكن استخدام وسائل الإعلام المحلية مثل الصحف والراديو لتعزيز هذه الثقافة، إضافة إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي كمنصات فعالة لرفع الوعي بين الشباب والأجيال الناشئة. من الضروري تشجيع المشاركة الفعالة من جميع أفراد المجتمع في حملات التشجير التطوعية، مما يعزز روح المسؤولية تجاه البيئة.
من الجوانب الأخرى التي يجب التركيز عليها هو ضمان وجود أنظمة ري حديثة وفعالة، وخاصة في مناطق مثل عدن التي تعاني من ندرة المياه. أنظمة الري بالتنقيط أو إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة قد تكون حلاً مستداما لتقليل استهلاك المياه والحد من الهدر. إن الاستثمار في هذه الأنظمة قد يكون مكلفا في البداية، لكن العوائد طويلة المدى تتمثل في تحسين جودة البيئة وتوفير موارد مائية مستدامة.
التصدي للتخريب الذي يتعرض له التشجير يتطلب تطبيق قوانين رادعة وآليات رقابية فعالة. يمكن أيضا تعزيز التعاون بين المؤسسات الأمنية والمجتمعية لرصد أي تجاوزات تتعلق بقطع الأشجار أو إهمال المشاريع البيئية. وقد يكون من المفيد إطلاق برامج توظيف محلية لإشراك اللاجئين والمجتمعات الهشة في صيانة المساحات الخضراء بدلاً من السماح لهم باستخدام هذه المناطق بشكل غير لائق، مما يساهم في تحسين حياتهم ويعزز من نجاح مشاريع التشجير.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون هناك تنسيق بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص لتمويل مشاريع التشجير. يمكن أن تكون هذه المشاريع جزءا من المسؤولية الاجتماعية للشركات، بحيث تساهم المصانع والمؤسسات الكبرى في تمويل مشاريع التشجير وتحمل تكاليف الري والصيانة. هذا التعاون بين القطاعات المختلفة يمكن أن يُحدث فرقا كبيرا في تحسين جودة الحياة في عدن.
و اخيرا، إن التشجير هو مفتاح الحفاظ على بيئة صحية ومستدامة. إنه ليس مجرد عملية زراعة أشجار، بل هو بناء مستقبل أخضر صحي للأجيال القادمة.
د/ عارف محمد عباد السقاف
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news