تقترب حرب غزة، التي اندلعت في 7 أكتوبر من العام الماضي من إقفال الصفحة السنوية الأولى، لكن صفحات المآسي التي فتحت لا يمكن إقفالها، ربما لعشرات أو مئات السنين. قطاع غزة صغير المساحة، والأكثر كثافة سكانية على وجه الأرض، تعرض لحرب وصفتها الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية ومحكمة لاهاي بـ«حرب إبادة»، مع كل ما ترتب عليها من دمار غير مسبوق في كل ما له علاقة بالبنية التحتية، من دون أن نغفل أن إسرائيل أيضاً تكبدت خسائر بشرية واقتصادية، لم تعتد عليها.
ولأنه لا يوجد ما هو أغلى من الإنسان فإن الحديث عن خسائر الحروب لا بد أن يبدأ بالخسائر البشرية. وأعظم خسارة يتعرض لها الشعب الفلسطيني في الوقت الحاضر هي الخسارة البشرية، وحيث إن عدداً كبيراً من الضحايا أطفال كانوا سيصبحون فتياناً فإن خسارتهم تعني خسارة تضرب الأجيال القادمة.
حتى يوم أمس 15 سبتمبر بلغ عدد من قتلهم جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة 41206 فلسطينيين، وعدد المصابين إلى 95337 فلسطينياً. هذا مع الإشارة إلى أن أكثر من 10 آلاف لا يزالون تحت الركام لم تستطع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم، إضافة إلى عشرات الآلاف من الجرحى والمصابين والمعرضين للموت، بسبب الأمراض والأوبئة والجوع وانعدام فرص العلاج الملائم.
وحسب إحصاءات الأمم المتحدة حتى أول مايو من العام الحالي فإن 5 في المئة من سكان القطاع غزة قتلتهم قوات الاحتلال أو أصيبوا خلال أشكال الاستهداف المتنوعة.
كما تتضمن الخسائر البشرية النتائج المترتبة على تدمير المدارس والجامعات، وهو ما يؤدي إلى حرمان أكثر من نصف مليون طفل في سن التعليم من حقهم في الحصول على التعليم الملائم، ومن المرجح أن نرى في غزة جيلاً جديداً ترتفع فيه نسبة غير المتعلمين، جنباً إلى جنب مع التشوهات السامية الناتجة عن ارتفاع معدل قتل الأطفال والنساء.
وعلى مستوى الخسائر في رأس المال المادي بدءاً من المرافق العامة والبنية الأساسية، حتى كل مكونات الإنتاج السلعي والخدمي، فإن ما يتعرض له القطاع من خسائر بسبب حرب الإبادة يفوق كل ما تعرض له منذ عام 1948، وإقامة إسرائيل.
إصلاح الدمار
ويقدر خبراء الأمم المتحدة فإن إصلاح الدمار، الذي تعرض له القطاع قد يحتاج إلى ما يقرب من 20 عاماً، مع الأخذ بالاعتبار أن الحرب على غزة بدأت، بينما لم تكن نتائج دمار الحروب السابقة قد تم مسح آثارها بعد، وأن نسبة الدمار في البنية الأساسية والاقتصادية والمساكن الآن تصل إلى حوالي 88 في المئة.
وتقدر منظمات الأمم المتحدة أنه في حال استمرار الحرب إلى نهاية العام الحالي فإن الاقتصاد الفلسطيني سيخسر ما يعادل 29 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مع ارتفاع نسبة الخسارة في قطاع البناء والتشييد إلى 75.5 في المئة.
تقرير للأمم المتحدة والبنك الدولي ذكر أن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية تقدر بنحو 18.5 مليار دولار، وأثرت على المباني السكنية وأماكن التجارة والصناعة والخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والطاقة.
وذكر تقرير لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، الأسبوع الماضي، أنه في غزة توقفت عمليات الإنتاج أو دمرت وفقدت مصادر الدخل وتفاقم الفقر وانتشر، وسويت أحياء بكاملها بالأرض، ودمرت مجتمعات ومدن. وتسببت الحرب «بأزمات إنسانية وبيئية واجتماعية غير مسبوقة، وحولت المنطقة من التخلف إلى الدمار الشامل»، وأضاف أن «الوصول إلى مستوى ما قبل أكتوبر 2023 يتطلب عشرات الأعوام».
وتقول منظمة أوكسفام في تقرير صدر في الآونة الأخيرة، إن مدينة غزة فقدت تقريباً كل قدرتها على إنتاج المياه، إذ تعرض 88 في المئة من آبار المياه بها، و100 في المئة من محطات تحلية المياه لأضرار أو تدمير.
معاناة اقتصادية
انعكست مأساوية الحرب على المدنيين الفلسطينيين من الناحية الاقتصادية على نحو مذهل، حيث ارتفعت نسبة الفقر من 39 في المئة لتتجاوز 60 في المئة، وانخفض الاستهلاك العائلي للطبقة المتوسطة الدخل بنسبة تقترب من 40 في المئة. كما هبطت قطاعات كبيرة من الطبقة المتوسطة إلى قاع الفقر، ويقدر الذين يعيشون تحت خط الفقر بحوالي 1.9 مليون نسمة، بنسبة تصل إلى 82 في المئة من عدد سكان غزة، ما يتطابق تقريباً مع عدد النازحين الذين لجأوا إلى ملاجئ مؤقتة، تنعدم فيها وسائل الحياة الضرورية وتعاني نقصاً حاداً في الغذاء، وخدمات الرعاية الأساسية مثل الصحة والتعليم.
وتقدر منظمات الأمم المتحدة أن مؤشرات التنمية البشرية في كل من قطاع غزة والضفة الغربية قد تدهورت كلها بسبب الحرب، وتراجعت بما يقرب من 20 عاماً في غزة، وما يتراوح بين 13 إلى 16 عاماً في الضفة.
يقول مؤتمر التجارة والتنمية «أونكتاد» التابع للأمم المتحدة في تقرير أصدره بجنيف في 12 سبتمبر، إنه بحلول نهاية العام الحالي يكون قد تم تدمير ما بين 80 % إلى 96 % من الأصول الزراعية في غزة.
يضيف: إن الدمار لحق بشكل كبير أيضاً بالقطاع الخاص، حيث تضررت أو دمرت 82 % من الشركات وهي المحرك الرئيسي لاقتصاد غزة، فيما استمر الضرر الذي لحق بالقاعدة الإنتاجية في التفاقم مع استمرار الحرب. يفيد التقرير بأن الناتج المحلي الإجمالي في غزة انخفض بنسبة 81 % في الربع الأخير من عام 2023، ما أدى إلى انكماش بنسبة 22 % للعام بأكمله، وبحلول منتصف عام 2024 كان اقتصاد غزة قد انكمش إلى أقل من سدس مستواه في عام 2022.
ويؤكد أن الوضع في غزة مريع بشكل خاص، وذلك مع فقدان ثلثي الوظائف عما قبل الحرب، مشيراً إلى أن ظروف سوق العمل في الضفة الغربية تدهورت بشكل ملحوظ أيضاً، حيث أفادت 96 % من الشركات بانخفاض نشاطها، و42.1 % خفضت قوتها العاملة، حيث فقد ما يصل إلى 306 آلاف فلسطيني وظائفهم، مما أدى إلى زيادة معدلات البطالة من 12.9 % قبل الحرب إلى 32 %، وبلغت الخسارة في دخل العمل اليومي حوالي 25.5 مليون دولار.
من ناحية أخرى يؤكد التقرير أن الضفة الغربية في الوقت نفسه تشهد تدهوراً اقتصادياً سريعاً ومثيراً للقلق، وذلك على خلفية عوامل مثل التوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي، وهدم المباني الفلسطينية وزيادة هجمات المستوطنين.
ويشير إلى أن التأثير شمل جميع أنحاء الضفة، بما في ذلك القدس الشرقية، حيث عانت التجارة والسياحة والنقل من تراجع كبير، ونتيجة لذلك توقفت 80 % من الشركات في البلدة القديمة بالقدس الشرقية عن العمل جزئياً أو كلياً
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news