ملاك الطيور ..!!

هل تتصور إن رجلاً يعيش بيننا يذهب صباح كل يوم .. وقد أخذ بيمينه كيس من أجود الحبوب أو الذرة .. ليقصد أماكن عديدة متفرقة في مدينة تريم ليطعم ويتعهد الطيور البرية .. هنا نحن نتحدث عن الطيور البرية الطيور التي نشاهدها في الشوارع والمزارع وفي كل الأمكان حولنا ..

حينما رأيته للمرة الأولى .. رجل نحيف يعتمر ( غطرة ) بيضاء قد أستحكمت حول رأسه بلحية رقيقة قد تقاسمها الأبيض والأسود .. رأيته بغزارة من الأستغراب وقد توقف بسيارته الهيلكس البيضاء على جانبيها قد رسمت خطوط متعرجة تقترب من اللون الأحمر الفاتح .. ترجل منها بلطف وعلى وجهه أبتسامه خجولة معتذرة وهو يقصد مكان على مرمى حجر مننا ليفتح كيسه ويرمي بحبوب الطعام لتلك الطيور وهو يستدعيها بصوته الرحيم الرخيم .. والتي كانت بدورها تنتظره بصخب وغناء ونشيد عذب رقيق يشبه حفلة بمنتصف أحد الليالي الهادئة ..

ومما يبعث الشعور كثافة حول ذلك الرجل .. أن تلك الطيور العشوائية البرية .. كانت تنتظره على موعده الدقيق وتقف على مقربه منه تكاد تقع عليه .. رغم أننا نعرفها طيور خجولة ولا تستأنس البشر إطلاقاً .. ولكنها تتحول إلى شيء غريب لا يخاف أو يخجل عندما ترى ذلك الرجل أو ذاك الملاك فتقترب منه وتكاد تلامسه .. وهو يضع لها الطعام بكل محبة وطمأنينة فلقد أحبته وعرفت ملامحه وأدركت حقيقته الصافية النورانية فلم يعد شيء يخاف أو يخجل منه ..

لا أعرف هذا الرجل شخصياً ولكني لو رأيته مرة أخرى سوف أعرفه .. فصورته خالده في ذهني قبل عيني .. منذو تلك الأيام التي لمحته بها .. وحينما كنت أتشرف بالسلام منه .. وهو يمر على مقربه مني .. ليطعم تلك الطيور وتكرر ذلك الحال لفترة طويلة جداً .. لا أعلم كيف حاله اليوم وكيف هي أحواله ولكني أتمنى وأرجو وبالتأكيد مئات أو الآلاف من طيور المدينة التي عرفته بيوماً ما ..وأكلت من بين يديه .. وشبعت من فضله .. تتمنى وترجوا معي له كل الصحة والعافية والخير المديد فإنه أقرب إلى ملاك منه إلى إنسان ..

لقد أخجلتنا يارجل ويا ملاك الطيور .. وأخجلت لصوص هذا الزمان وحتى الذين يتصنعون الحب والمحبة والرأفة .. وكل أولئك الذين يقتلوننا بقوتنا وقوت أطفالنا وطعامنا وطعام يومنا .. فاللهم سخر لنا رجل مثله منقذاً لما تبقى منا فقد أستحكت حول أعناقنا سلاسل وأغلال الظالمين ..