بعد أسابيع من اتفاقية "خفض التصعيد" التي أوقفت النزاع المصرفي المتصاعد بين الأطراف اليمنية، يدفع المبعوث الأممي، نحو معالجات اقتصادية أكثر عمقًا، في ظل التعقيدات السياسية المستمرة، واستمرار تعنّت ميليشيا الحوثي، في التعاطي مع الاتفاقات السابقة.
وكان مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، هانز غروندبرغ، حثّ في إحاطة قدمها لمجلس الأمن الدولي منتصف الأسبوع الجاري، الحكومة اليمنية وميليشيا الحوثي على العمل "نحو توحيد العملة وإنشاء بنك مركزي موحد، وضمان استقلالية القطاع المصرفي عن التدخل السياسي".
وقال إن مكتبه أعدّ خيارات، وقدم "مقترحاً ومسارًا واضحين لتحقيق هذه الأهداف، التي استندت جميعها إلى مدخلات الأطراف نفسها".
استثمار الزخم
ويرى وكيل وزارة الإعلام اليمنية، أسامة الشرمي، أن المقترح الذي يقدمه المبعوث الأممي كان بالإمكان طرحه في أثناء النقاشات التي سبقت الوصول إلى اتفاق خفض التصعيد الذي جاء بطلب منه، وألغيت بموجبه قرارات البنك المركزي اليمني المعترف به دوليًا.
وقال لـ"إرم نيوز"، إن من الواضح أن يحاول استثمار الزخم الذي حدث بعد إلغاء قرارات المركزي اليمني، "ولكن يبدو أن هناك تجاهلا للظروف والواقع ولتعنت ميليشيا الحوثي المعهود، وكل ذلك لن يساعد في الوصول إلى حل".
وذكر أن المبعوث الأممي يعلم أن الحوثيين لن يتنازلوا عن أي من مواردهم المالية التي يحصلونها من مناطق سيطرتهم، "ودليل ذلك هو اتفاق ستوكهولم برعاية أممية في العام 2018، الذي لم يلتزم الحوثيون ببنوده التي تنص على توريد ضرائب وجمارك ميناء الحديدة إلى البنك المركزي، لدفعها مرتبات لموظفي الدولة المتوقفة في مناطق سيطرتهم منذ 2016".
أطماع حوثية
وأضاف الشرمي أن قبول الحوثيين دعوة غروندبرغ الأخيرة، إن حدثت، "معناه أنها تسعى لتقاسم موارد المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة، مع احتفاظها بمواردها كاملة، وهذا أمر غير مقبول إطلاقًا، لا على المستوى السياسي ولا الوطني ولا حتى وفق مقتضيات العدالة الدولية".
وبين أن هذه الدعوة إن كانت جدّية "فإنها يجب أن تصوب في إطار واحد، فهناك بنك مركزي يمني وطني معترف به دوليا يوجد في عدن، وعلينا الاتفاق على توريد موارد الدولة كافة من مختلف المناطق اليمنية إليه".
وشدد بالقول: "يجب أن يكون هناك إنهاء للحصار الذي يفرضه الحوثيون على الحكومة عبر إيقاف تصدير النفط الخام للخارج، المتواصل منذ عامين والذي أسهم في تدهور الأوضاع الاقتصادية والنقدية بشكل كبير".
ويعتقد المسؤول اليمني أن وجود ميليشيا الحوثي في قوائم العقوبات الأمريكية كمنظمة إرهابية، يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، "لأن أي اقتصاد يتم تقاسمه مع الحوثيين سيكون محط أنظار وزارة الخزانة الأمريكية ومحل عقوبات دولية".
وأشار إلى أن "اليمن ومواطنيها في غنى عن خوض هذه التجربة، سواء كان ذلك عبر اتفاق، أو حتى من خلال فرضه بواسطة الضغوطات الدولية".
صعوبة الاتفاق
ومن جهته استبعد المحلل الاقتصادي، وفيق صالح، الوصول إلى حل للمسائل الخلافية المتعلقة بالجانب الاقتصادي وكذلك توحيد السياسة النقدية وإدارة البنك المركزي، على المدى القريب، في ظل الأوضاع الحالية.
وقال صالح في حديثه لـ"إرم نيوز"، إن هناك عدة أسباب تعترض هذا الطريق، أولها أن جميع المشكلات التي طرأت على المشهد الاقتصادي وانقسام البنك المركزي، تعود إلى الخلافات والتعقيدات التي يشهدها الملف السياسي.
ويرى أنه في حال التوصل أولًا إلى تسوية أو حل سياسي مع "الحوثيين"، فمن الممكن أن ينعكس ذلك على جميع المسائل الخلافية في ملفات الأزمة اليمنية المتعددة.
وأشار إلى أن "الحوثيين يوما بعد آخر، يزيدون إجراءاتهم الأحادية في الجانب الاقتصادي، دون أي تنسيق مع الحكومة أو المعترف به دوليًا.
وأكد أن "كل خطوات الحوثيين المتخذة على المدى البعيد أو القريب، تهدف إلى بناء اقتصاد خاص ومستقل عن اقتصاد الحكومة الشرعية، وهذا ما يجعل الآمال ضئيلة في إمكانية الوصول إلى حل مستدام اقتصاديا".
قضية سياسية
ويتفق رئيس مركز "الدراسات والإعلام الاقتصادي" مصطفى نصر، مع أن القضية لم تعد اقتصادية، بقدر كونها موضوعا سياسيا "مرتبطا بالاتفاق الذي سيبرم بين الأطراف، أو السير وفق خريطة الطريق المعلن عنها مؤخرًا".
وأشار في حديثه لـ"إرم نيوز"، إلى أهمية الدعوة إلى توحيد السياسة النقدية والعملة، بوصف ذلك مطلبًا مهمًا يجب النظر إليه من زاوية اقتصادية بحتة، وبما يخدم مصالح المجتمع.
وقال نصر إن الانقسام النقدي الذي يشهده اليمن "أثر بصورة كبيرة على المواطنين، سواء من حيث زيادة عمولات التحويلات المالية، أو القيود المفروضة على تداول العملة، وكذلك نتيجة التدهور الحاد في العملة المحلية، ومن ثم فإن إيجاد آلية لتوحيد السياسية النقدية أمر مهم للغاية".
تابعوا آخر أخبارنا المحلية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news